صحافة دولية

باحث يهودي: ما يحدث في غزة يوازي حروبا وصفتها أمريكا بـ"الإبادة الجماعية"

لفت الكاتب إلى أن معدل قتل المدنيين على يد الاحتلال في غزة يعادل تقريبا نظيره في دارفور- الأناضول
نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للأستاذ المختص في أبحاث أسباب وسبل منع الإبادة الجماعية في جامعة تكساس أوستن، آلان كوبرمان، ذكر فيه أن تشاك شومر، زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي، قال بشجاعة مؤخرا ما كان الرئيس جو بايدن يخشى قوله: "إن المدنيين الفلسطينيين لا يستحقون المعاناة بسبب خطايا حماس، وعلى إسرائيل التزام أخلاقي بأن تفعل ما هو أفضل. والولايات المتحدة ملزمة بالقيام بعمل أفضل". 

وأشار شومر إلى أن العنف المستمر لا يهدد حياة الفلسطينيين فحسب، بل يهدد أمن الشعب اليهودي في جميع أنحاء العالم، من خلال تنفير الحلفاء العالميين الذين أفزعهم إراقة الدماء. وخلص إلى أنه إذا رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الكف، فيجب على الولايات المتحدة أن تبدأ "بتشكيل السياسة الإسرائيلية باستخدام نفوذنا" - الذي يشمل بوضوح الجوانب العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية. 

وذكر الكاتب في المقال الذي ترجمته "عربي21"، أن ما دفع شومر إلى مثل هذا التدخل غير المسبوق في السياسة الداخلية لإسرائيل هو الدمار الإنساني المروع الذي لحق بغزة. وسواء كان المرء يعتقد أن الإبادة الجماعية قد حدثت أم لا، فإن معدل الوفيات في غزة يعادل أو يتجاوز ذلك في ثلاث حالات أخرى حديثة أطلق عليها رؤساء الولايات المتحدة اسم "الإبادة الجماعية". وقد يرفض الأمريكيون مثل هذه المقارنة على أساس أن إسرائيل ترد على الإرهاب دفاعا عن النفس. ولكن ربما لا يدركون أن الغالبية العظمى من عمليات الإبادة الجماعية تاريخيا، على النقيض من المحرقة، كانت على نحو مماثل ردا على هجمات متمردة أو إرهابية ــ بما في ذلك الحالات الثلاث الأخيرة. 


وأشار إلى أنه في دارفور عام 2003، شن جيش تحرير السودان المتمرد هجمات مفاجئة، أسفرت عن مقتل مئات الجنود السودانيين، واحتجاز آخرين كرهائن. ورد السودان باستهداف قرى غير عربية في دارفور متهمة بدعم واستضافة المتمردين. ومنذ أواخر عام 2003 إلى أوائل عام 2004، قتلت القوات الحكومية والمليشيات المرتبطة بها ما يصل إلى 10000 مدني شهريا، وشردت حوالي 2 مليون مدني، ما أدى إلى المزيد من الوفيات بسبب الحرمان. وفي أيلول/ سبتمبر 2004، أعلنت إدارة جورج بوش الابن أن أعمال العنف "إبادة جماعية". 

وفي مقاطعة راخين في ميانمار عام 2017، قتل جيش إنقاذ الروهينغيا في أراكان حرس الحدود وشن هجمات إرهابية أسفرت عن مقتل أكثر من 100 مدني واحتجاز آخرين كرهائن. وردت ميانمار بمهاجمة المناطق الإسلامية التي يشتبه في دعمها للمتمردين. في أواخر ذلك العام، تسببت الهجمات الحكومية في مقتل حوالي 7000 مدني خلال الشهر الأكثر حدة من النزاع، ونزوح أكثر من مليون شخص. وفي عام 2022، أعلنت إدارة بايدن رسميا أن ميانمار مذنبة بارتكاب "إبادة جماعية". 

ردت الصين، بدءا من العقد الماضي، على سنوات من الهجمات الإرهابية في شينغيانغ، من خلال احتجاز ما لا يقل عن مليون مدني في معسكرات إعادة التثقيف -أغلبهم من عرقية الإيغور المسلمة- والتدخل في إنجابهم. وحتى في غياب المجازر الحكومية، أعلنت إدارة دونالد ترامب في كانون الثاني/ يناير 2021 أن تصرفات الصين تشكل "إبادة جماعية"، حسب كاتب المقال.

ولفت المقال إلى أنه في الحالات الثلاث، زعمت الحكومات الأجنبية أنها ترد دفاعا عن النفس على الهجمات الإرهابية التي يشنها المتمردون، الذين قالوا بدورهم إن هجماتهم كانت بدافع القمع السابق. وفي كل حالة، أعلنت حكومة الولايات المتحدة أن الرد على الإرهاب هو إبادة جماعية؛ لأنه ألحق الضرر بالمدنيين بشكل غير متناسب. 

وشدد على أن "هذا النمط يتكرر الآن في الشرق الأوسط. في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، هاجمت حماس إسرائيل من غزة، ما أسفر عن مقتل أكثر من 1100 جندي ومدني، واحتجاز أكثر من 200 رهينة، وهو ما بررته بأنه رد على عقود من الطرد والاحتلال والقمع. وردت إسرائيل بمهاجمة غزة بشكل عشوائي، لدرجة أن ما يقرب من 20 ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين، قتلوا خلال الشهرين الأولين فقط".

وفي كانون الثاني/ يناير، أكد مسؤول أمريكي أن "أكثر من 25 ألف مدني قتلوا". ويقول مسؤولون في غزة الآن إن عدد الشهداء يتجاوز 33 ألف شخص. وقد اعترف نتنياهو نفسه بمقتل 28 ألف شخص. 

ولفت الكاتب إلى أن معدل قتل المدنيين على يد إسرائيل في غزة يعادل تقريبا نظيره في دارفور، وأعلى من الحالتين الأخريين اللتين وصفتهما حكومتنا جميعا بـ"الإبادة الجماعية". كما أدت الهجمات الإسرائيلية إلى نزوح الغالبية العظمى من المدنيين في غزة الذين يزيد عددهم على مليوني نسمة، وهو طوفان بشري مماثل أو يتجاوز ذلك في الحالات الأخرى. وتسببت القيود التي تفرضها إسرائيل على المساعدات الإنسانية في حدوث أعلى خطر مجاعة في أي مكان في العالم منذ عقود، وفقا للأمم المتحدة. 


وقال إنه من الواضح أن العنف الذي تمارسه إسرائيل يتجاوز أهدافها المفهومة المتمثلة في معاقبة وإضعاف جماعة إرهابية، كما يتضح من المقارنة. في عام 2017، هاجمت الولايات المتحدة وهزمت تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا - الذي كان يسيطر على المزيد من الأراضي بما في ذلك المدن المكتظة بالسكان - ولكن معدل قتل المدنيين في الولايات المتحدة كان أقل من العُشر، أو 500 شهريا على الأكثر. 

وتساءل: لماذا استهدفت إسرائيل مجمعات سكنية وأحياء بأكملها عندما كانت تبحث عن فرد واحد فقط أو حفنة من أفراد حماس؟ وكما هي الحال في السودان أو ميانمار أو الصين، فإن الحل لا يتمثل في الردع فحسب، بل في التجريد من الإنسانية. اسأل نفسك: إذا كان أحد مقاتلي حماس يختبئ تحت مبنى سكني يسكنه اليهود في إسرائيل، فهل كان من الممكن أن تقوم القوات الإسرائيلية بتدمير المبنى بأكمله لقتله؟ بالطبع لا، لكنها فعلت ذلك في غزة؛ لأن حياة الفلسطينيين أصبحت منخفضة القيمة. 

وقال: "ليس من دواعي سروري أن أدلي بهذه الملاحظات. أنا يهودي. هاجر والداي إلى إسرائيل، حيث ولد أخي، وحيث لا يزال لدي العشرات من الأقارب. أنا لست معاديا للسامية، ولا أعارض وجود إسرائيل. لكن الحقائق هي حقائق". 

واختتم مقاله بالإشارة إلى أنه "من عجيب المفارقات أن العديد من المدافعين الآن عن الانتقام الإسرائيلي في غزة كانوا في السابق معارضين صريحين لردود مماثلة على الإرهاب من جانب السودان وميانمار والصين، التي وصفوها بالإبادة الجماعية. آمل أن يفكروا في ذلك".