كتاب عربي 21

يوم أن ساق الانقلاب "الهبل على الشيطنة"!

1300x600
نجاح بطعم الهزيمة الساحقة، هو نجاح عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية التي أجراها الانقلاب!.

كانت الهزيمة واضحة، على الذين يعلنون النتيجة، ولم يغير من طعمها الخطبة الرنانة، لرئيس هيئة الاستعلامات، وهو يقدم لرئيس اللجنة العليا للانتخابات، مع أنه ليس أكثر من موظف يتبع وزير الإعلام الذي هو عضو في السلطة التنفيذية.

وكانت الهزيمة بادية على وجه رئيس لجنة الانتخابات، وهو يزف بشرى نجاح عبد الفتاح السيسي، فلم أقف على ما قال، بقدر ما ذكرني لقبه "العاصي" بالرئيس السادات، وهو يسخر من حزب اليسار " التجمع الوطني التقدمي" وكان رئيس اللجنة الدينية فيه اسمه الشيخ مصطفى عاصي، وكان السادات يقول: "حتى الشيخ بتاعهم عاصي".

وكانت الهزيمة بادية على وجوه أولئك الذين استدعوا ملامح المنتظر إعلان النتيجة. كما كانت بادية على ملامح حتى المحتفلين في القاعة وفي ميدان التحرير، والذين قاموا بإنهاء وصلة الرقص بوصلة تحرش جماعي، انتقلت بالمشهد بما يستحقه، وإلى فضيحة يتغنى بها الركبان!.

منذ اللحظة الأولى تراءى أمامي مشهدان.. مشهد إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس محمد مرسي، وقد سبقها مشهد إعلان نتيجة الجولة الأولى، ونحن لا نعرف من الذي ستؤهله إرادة الجماهير لجولة الإعادة. وكنت أتوقع أنها ستكون بين عبد المنعم أبو الفتوح وعمرو موسى. فإذا بها بين مرسي وشفيق. وكنت أستبق النتيجة وأنا أطالع خطاب رئيس اللجنة العليا المشرفة للانتخابات، وقد قدم له المتحدث الرسمي باسم اللجنة القضائية وهو قاض وليس موظفا كبيرا بوزارة الإعلام.

وكان المشهد الثاني مشهد إعلان نتيجة معروفة سلفاً، وقد قدم لها رئيس هيئة الاستعلامات بخطاب حماسي، قال فيه إنه آن للشعب المصري أن يهدأ. 

فحتى الانتخابات الرئاسية التعددية في عهد مبارك، كان الحرص على استكمال الشكل قائما بأن يكون الأمر قبضة اللجنة العليا، ولم نشاهد حينها الطلعة البهية لرئيس هيئة الاستعلامات.
لم نكن في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في عام 2012 نعلم من الفائز؟.. لكن في هذه المرة كان الأمر معروفاً منذ أن أعلن السيسي ترشحه تحت ضغط الجماهير!.. وقد تبين أنه لا جماهير هناك ولا يحزنون. فالانتخابات هي لاستكمال الديكور وإعلان الفائز المقرر سلفا.

وكانت الهزيمة بادية على وجه السيسي، وهو يلقي بيان نجاحه، وموضوع وجه الذي عليه غبرة ترهقها قترة، ليس هو الموضوع، فقد كان الرجل يستدعي ابتسامة فإذا بها تأتي ميتة، وكأنها قدمت إليه من قبرها!.

كان مشهداً جنائزياً، منذ اليوم الأول للانتخابات، وتحول إلى مناحة نصبها مقدمو برامج "التوك شو" على قضائيات الثورة المضادة ليلاً، وقد هالهم هذا العزوف الجماهيري غير المتوقع. حتى مشهد الرقص كان حزيناً، أمام اللجان الخاوية، وقد بدا وكأنه مستوحى من المجتمعات القديمة. وبعض هذه المجتمعات وفي ظروف معينة تشيع الجنازات بالزغاريد وبالرقص وأحياناً بالطبل البلدي، وقد ترقص الأم أو الزوجة، والفقيد يجري تشييعه لمثواه الأخير.

في مقال سابق كتبت أن عبد الفتاح السيسي يبدو في إقدامه على تحقيق حلمه بأن يكون رئيساً دون أن تكون لديه رؤية لحل المشكلات ومواجهة الصعاب، كمراهق لا يرى في الزواج سوى "ليلة الدخلة". فإذا بها ليلة باهتة، تساوي لحظة تفكير فيها.

وها هو العزوف الجماهيري كاشف عن أن كل مراسم الأفراح المنصوبة، هي لزواج تم في قسم شرطة، ويبدو الفرح مفتعلاً، للتغطية على أجواء الكآبة البادية للعيان!.

رئيس اللجنة العليا قال في بيانه إن ارتفاع درجات الحرارة كان سبباً في عملية المد ليوم ثالث للانتخابات الرئاسية.

والمعنى أن العزوف استمر من اليوم الأول لليوم الثاني. لكنه لم يقل لنا عدد الذين شاركوا في اليوم الأول والثاني، واكتفى بالقول إن نسبة المشاركين في اليوم الثالث هي 10 في المائة بالنسبة لمن شاركوا في هذه الانتخابات.

هو يريد أن يقول إنها نسبة لا تؤثر في النتيجة النهائية، إذا ما تحدث أحد عن بطلان التمديد ليوم ثالث، في مواجهة لجنة قراراتها محصنة من الطعن عليها أمام القضاء.

حسناً وهل يعقل أن يكون الحضور في اليوم الثالث بلغ 20 مليون نسمة؟، ولم تستطع فضائيات الثورة المضادة من أن تنقل لنا طابوراً واحداً عليه القيمة، وقد شاهدنا الانتخابات التي حضرها هذا العدد من الناخبين ورأينا الطوابير، والتي كانت بالمناسبة في نفس التوقيت تقريباً وفي "عز الصيف" أيضاً.

طابوران يتيمان شاهدناهم: الأول خاص بالراهبات. والثاني خاص بالرهبان، وهناك طابور آخر كان لناخبين لكن بملابس شتوية، مما يعني أنه لانتخابات جرت في شهر الشتاء، ومن الزحام تقف على أنها واحدة من الاستحقاقات الانتخابية التي جرت بعد ثورة يناير، والتي تم إلغاء نتيجتها بجرة بيادة!.
عشرة في المائة فقط هم من حضروا في اليوم الثالث، إذن إن كنتم صادقين حقاً ألم يكفيكم أن يكون عدد الحضور أكثر من 22 مليون نسمة؟!

قديماً كانوا يقولون إذا كان المتحدث مجنوناً فليكن المستمع عاقلاً، وإذا جاء القوم بالخوارق، ولو مشوا على الماء، وطاروا في الهواء، وأقسموا على الماء فتجمد ثم قالوا إن هذه انتخابات حضرها 25 مليون مواطن، لما صدقهم أحد.

الصحيح في هذه النتيجة يتمثل في النسبة التي حصل عليها كل من المنافس الثاني للسيسي وهو " باطل"، والتي تجاوزت المليون صوت، والتي حصل عليها المنافس الثالث "حمدين صباحي"، والتي تجاوزت الـ 700 ألف صوت بقليل. لكن ما حصل عليه السيسي هو نسبة مبالغ فيها.

ولا أخفي شعوراً بالدهشة لأن يكون في مصر مليون و 40 ألف مواطن خرجوا من ديارهم من أجل أن يبطلوا أصواتهم.

أنا من دعاة مقاطعة هذه الانتخابات، لكن المدقق سيقف على أن هناك أكثر من مليون مصري ليسوا معنا من الداعين لعودة الشرعية، ولو كانوا معنا لقاطعوا. وليسوا من القوى السياسية الأخرى التي قاطعت الانتخابات ودعت لمقاطعتها وهي ضدنا وضد ما يجري الآن، وبعضها شارك في 30 يونيه، وربما كان سعيداً بنزول الجيش، لكن ذهبت السكرة وحلت الفكرة.

لكن المليون مواطن الذين ذهبوا للجان من أجل أن يقولوا " لا" لهذه المهزلة، دون أن يكونوا معنا، أو مع من يسوون بين الإخوان والعسكر، هم من يستحقون محاولة البحث عنهم فهم أقرب منا وإمكانية الوصول معهم لكلمة سواء عملية تستحق عناء البحث عنهم.

ما علينا، فالمشهد الجنائزي لم يكن فقط في لحظة إعلان النتيجة وما تلاها، أو في استدعاء الفرح أمام اللجان الخاوية، ولحظة تشييع الميت إلى الدار الآخرة.

فقد راعنا أن الصورة الملتقطة للمصوتين هي لأجيال ماتت قبل ذلك، وتعيش مرحلة عذاب القبر. وبدوا كمن هم من الأجداث للجان الانتخابية ينسلون.

من القبور جاءت شعبية السيسي، أما الحاضر والمستقبل وهم الشباب فقد قاطعوا المهزلة، ونظروا لحمدين صباحي على أنه الوجه الآخر لعبد الفتاح السيسي وليس تعبيراً عن ثورة طالبت بتمكين الشباب.

لقد علم كل أناس مشربهم.. وعلم السيسي أنه بلا شعبية تقريباً، بعد أن رد الشعب المصري الاعتبار لثورة يناير.

لقد ساق القوم الهبل على الشيطنة بهذه النتيجة، لكن يكفي أن السيسي نفسه يعلم أنه كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه.