أخبار ثقافية

سبعينيات السينما العربية.. الحب بالألوان

السينما - CC0
السينما - CC0

أنتجت السينما العربية في سبعينيات القرن العشرين مئات الأفلام. طفرة في الإنتاج السينمائي واكبت الطفرة الاستهلاكية التي شهدتها الأسواق العربية من المحيط إلى الخليج.

واستجابت صناعة السينما العربية للنزعة الاجتماعية التحررية التي اجتاحت البلاد العربية بتأثير الوفرة المالية النفطية، وتوجه السياسات الاقتصادية نحو الانفتاح واستيراد أنماط العيش المادية والثقافية من العالم الغربي.

وفي ظلّ انتشار دور العرض توسّع الإنتاج السينمائي الخاص، الذي تغلب عليه النزعة التجارية، بتقديم قوالب من الدراما القائمة على الإثارة العاطفية، والشخصيات النمطية، والحبكات المفتعلة، التي تؤدي الصدفة دورا رئيسيا فيها، وتميل إلى تجسيد العبرة الأخلاقية، سواء من حيث مكافأة الطيب، أو معاقبة الشرير، إشباعا لرغبة الجمهور العريض في رؤية العدالة تُحقق.

ويعطي الاستعراض السريع لعناوين أبرز أفلام السبعينيات مؤشرا واضح الدلالة عن مضامينها وانشغالاتها، التي تحتلّ كلمة "الحب" موقعا ثابتا فيها، مثل مفتاح سحري للدخول إلى مغارة علي بابا: (رجال لا يعرفون الحب. حب فوق البركان. فتاة تبحث عن الحب. الشك يا حبيبي. أريد حبا وحنانا. الحب قبل الخبز أحيانا. لا يا من كنت حبيبي. حبيبة غيري. سكة العاشقين. ما بعد الحب. ليتني ما عرفت الحب. الجبان والحب. الكل عاوز يحب. سؤال في الحب. بائعة الحب. الحب على شاطئ ميامي. في الصيف لازم نحب. حب المراهقات. الحب الضائع. باريس والحب. موعد مع الحبيب. الحب والفلوس. الحب والصمت. حب وكبرياء. غرام في الطريق الزراعي. ليلة حب أخيرة. امرأة للحب. 24 ساعة حب... إلخ).  

لم تجد السينما العربية قالبا دراميا أنسب من موضوع الحب، يمكن أن يوفّر تنويعات وتلوينات كثيرة داخل الوصفة مضمونة النجاح جماهيريا؛ فالحب موضوع ملتصق بالفنون عموما، والسينما خصوصا. ومنذ نشأتها الصامتة، كان موضوع الحب هو اللغة العاطفية الناطقة في أفلام شارلي شابلن، وغيرها من أفلام رواد السينما الأوائل.

وسمحت إنسانية الحب وعموميته لصناعة السينما العربية بتناوله من زوايا ووجهات نظر عديدة، بوصفه صراعا بين الرجل والمرأة. أو الزوجة والزوج. أو الشباب والكبار في السن. أو الفقراء والأغنياء. أو التقليديين الذين يقدمون الواجب الاجتماعي والأسري، والمتحررين الذي يقدمون العاطفة والحرية الفردية. ولكنّ معظم هذه المعالجات في العناوين السابقة، كانت تدور في فلك فكرة الخطيئة المقترنة بالحب، فسعت إلى تجريمه وتأثيمه في سياق حبكات درامية مأساوية. 

مهّد فيلم "أبي فوق الشجرة" 1969 لموجة أفلام الحب الآثم الذي يودي إلى التهلكة، ويقود إلى مصائر مأساوية؛ الفضيحة والدمار الاجتماعي والأسري، والجنون، والقتل، والموت، والسجن. وما يتخلل ذلك من مشاعر الإذلال والندم والألم.

وتتطلّب الحبكة الدرامية في أفلام الحب الآثم وجود شخصية نسائية نمطية تؤدي دور المرأة المغوية، وهو الدور الذي صار قالبا يقيّد نجمات السينما في السبعينيات، ولا تمكنهنّ الموجة التجارية العاتية من الخروج منه إلا في استثناءات قليلة. 

جسدت "نادية لطفي" شخصية المرأة المغوية في فيلم "أبي فوق الشجرة"، وجسّد عبد الحليم حافظ شخصية ابن الطبقة المتوسطة؛ الشاب الذي يرمز سقوطه في "الخطيئة" إلى تفكك الطبقة بأكملها، وانهيار قيمها وتقاليدها.

وتبعتها "سعاد حسني" في فيلم "شروق وغروب" 1970، إخراج كمال الشيخ، وأدّت فيه دور الزوجة الخائنة، التي تدمّر علاقة الصداقة القوية بين زوجها "إبراهيم خان"، وصديقه "رشدي أباظة"، وتتسبب في موت الأول.

وجسّدت الدور نفسه نادية الجندي في فيلم "الضياع" 1971، إخراج محمد سلمان. وتقوم حبكة الفيلم على صراع بين المليونير الفاسد "رشدي أباظة"، والصحفي المثالي "غسان مطر". وبعد أن يفشل الأول في رشوة الثاني بالمال، يجنّد الحسناء "نادية الجندي" لإغوائه وإفساده. ويرد التعبير عن الإطار النمطي لشخصيتها على لسانها وهي تشرح خطتها: "حوّا تنزل له عن الشجرة، وتناوله التفاحة، وياكلها، ويبص يلاقي نفسه برّا الجنة."

(الخطيئة تحت الطربيزة)


مع اتساع موجة أفلام الحب الآثم منتصف السبعينيات، أُسندت إلى "محمود ياسين" ثلاثة أدوار في أفلام من هذا النوع، وكلها أنتجت في عام واحد هو عام 1974. وجسّد فيها نجم الشاشة غير المنازَع شخصية آدم المُغوى مقابل حواء الغاوية. وفي الأفلام الثلاثة يقع "محمود ياسين" في شباك امرأة متزوجة فائقة الجمال تفوقه خبرة في فنون الحب، وتقوده إلى صدمة عاطفية، واضطراب عصبي، وتزعزع في نظام حياته، وانقلاب في مبادئه وأفكاره.

أول هذه الأفلام، فيلم "أين عقلي" مع "سعاد حسني"، وإخراج عاطف سالم. وفيه يقع البطل فريسة صراع نفسي رهيب بعد زواجه من امرأة غير عذراء، ويدفعه ذلك إلى كراهية عموم النساء، ووصمهنّ بالكذب والخيانة. 

وثاني الأفلام، فيلم "غابة من السيقان" مع "ميرفت أمين"، و"نيللي"، وإخراج حسام الدين مصطفى. وفيه يقع البطل في حبائل امرأة متزوجة، فتقوده علاقته الآثمة معها إلى لوثة من الجنون، تفقده استقراره الأسري ونجاحه المهني، وتدفعه إلى ظنون الشك بسلوك زوجته وكل بنات حواء. ويعبر عن أفكاره الوسواسية المرَضية بالقول: "لازم مراتك مع راجل تاني، وأنت مع مراة واحد تاني". ويستخدم عبارة "الخطيئة تحت الطربيزة" كناية عن فكرة الحياة العاطفية المزدوجة المنتشرة في المجتمع، التي تحوّل التقاليد الاجتماعية إلى "تقاليد الغابة" على حدّ تعبيره. 

وثالث هذه الأفلام، فيلم "امرأة للحب" مع "سهير رمزي"، وإخراج أحمد ضياء الدين. وفيه يرتبط البطل بعلاقة حب مع امرأة متزوجة مضطربة نفسيا، وتستخدمه وسيلة للشفاء من عقدتها النفسية، ويجد نفسه عالقا في وسط علاقتها المعتلّة بزوجها المتقدم في السن، ولأجلها ينقطع عن دراسته الجامعية، ويفقد موهبته في الرسم.

أضفى إتقان محمود ياسين للأدوار السيكولوجية المركبة بعدا دراميا عميقا على حبكة الأفلام الثلاثة، فجسد نزاعات الرجل الواقع تحت تأثير المرأة المغوية تجسيدا انفعاليا بارعا. لكنّ الأفلام الثلاثة لم تتجاوز التنويع داخل الحبكة النمطية التي أسرت نجوم السبعينيات في قالبها، قالب السينما التجارية المفصولة عن واقعها الاجتماعي، وقضاياه الحقيقية، وتحولاته السبعينية الكبرى، التي كانت تضطرب لها أعماق المجتمع.

ولم تطور سينما السبعينيات أدواتها لتنطق بلغة الفن، ولم توسع رؤيتها لتشمل مواضيع الحياة الواقعية، إلا في استثناءات مضيئة قليلة، منها فيلما "الأرض" 1970، و"العصفور" 1974، ليوسف شاهين. وأفلام "ثرثرة فوق النيل" 1971، و"إمبراطورية م" 1972، و"دمي ودموعي وابتسامتي" 1973، و"إحنا بتوع الإتوبيس" 1979، لحسين كمال. وفيلما "زوجتي والكلب" 1971، و"أريد حلا" 1975، لسعيد مرزوق. وفيلما "الكرنك" 1975، و"شفيقة ومتولي" 1978، لعلي بدرخان. وفيلم "السقا مات" 1977، لصلاح أبو سيف. وفيلما "أفواه وأرانب" 1977، و "لا عزاء للسيدات" 1979، لهنري بركات. وفيلم "أبناء الصمت" 1974، لمحمد راضي.

استغلّت سينما السبعينيات موضوع الحب واستنزفته إلى أبعد الحدود، وأكرهت المخرجين على الخضوع لمعايير العائد التجاري المضمون، وألزمت الممثلات والممثلين على الظهور في أدوار محدودة، وتكرارها واستنزافها إلى أنْ يملها الجمهور؛ الأمر الذي أدى إلى انقلاب حاد في مزاج الجمهور في عقد الثمانينيات، حتى أطاح بموجة أفلام وجبات الحب السريعة، واستبدل بالموضوع المستهلك مواضيع جديدة، وبدّل بالممثلات والممثلين الذي استنزفتهم أدوار "الحبّيبة"، بوجوه جديدة أقرب إلى وجوه الناس العاديين.

التعليقات (2)
sandokan
السبت، 28-11-2020 09:04 ص
حفل توزيع جوائز الأوسكار 1970 .. يوم نال العرب جائزة الأوسكار بفيلم جزائري ( زد ) هو الفيلم الوحيد الذي حضي بشرف الفوز بهذه الجائزة العالمية كأفضل فيلم أجنبي و أفضل مونتاج .. أعلن الممثل الأميركي الشهير كلنيت إيستوود ، الذي نشط حفل توزيع جوائز الأوسكار الأميركية ، رفقة الممثلة الإيطالية الشهيرة كلوديا كاردينال ، عن فوز الجزائر بجائرة الأوسكار لأحسن فيل أجنبي ( زد ) الذي دخل المسابقة باسم الجزائر ، إستلمها أحمد راشدي ، بصفة مسؤولاً عن قسم الإنتاج في المؤسسة القومية لتجارة و صناعة السينما .. محمد شاوش يهدي الجزائر أول أسكار للخيول أميرة الصحراء الأغواطية جائزة الأوسكار في ثاني مرة و في نفس المكان الحصان الجزائري الأغواطي أحسن الخيول العربية .
sandokan
الجمعة، 27-11-2020 10:01 ص
( أيقونة السينما الجزائرية ) "السينما المصرية اقتبست فيلم "زد" في فيلم "زائر الفجر" (1973) للمخرج الراحل ممدوح شكري، وقد منعت الرقابة المصرية عرضه لسنوات .. لقد أصبح "زد" علامة في تاريخ السينما، فقد خرجت من معطفه عشرات الأفلام التي تتناول مواضيع سياسية، تتبع نفس الأسلوب الذي يقوم على دراما التشويق والمطاردة والبحث والتقصي، وعادة ما يتصدى بطل "فردي" في هذه الأفلام لمواجهة السلطة، قد يكون صحفيا أو محققا أو ضابط شرطة، يحاول أن يتوصل إلى الذين يقفون وراء "الجريمة السياسية" في هذه الأفلام، لكنه عادة ما ينتهي إلى الهزيمة، فقد يتم نقله من عمله إلى مكان آخر، أو الاستغناء عن خدماته أو يتعرض لضغوط تجبره على الصمت، وربما أيضا يتعرض للاغتيال بدوره. موجة السينما السياسية الإيطالية في السبعينيات اقتفت آثار "زد" في أفلام مهمة مثل "تحقيق مع مواطن فوق مستوى الشبهات" لإيليو بتري، و"قضية ماتيه" و"جثث أصحاب السعادة" لفرنشيسكو روزي، و"اعترافات ضابط شرطة" لداميانو دامياني، و"افضح المتوحش في الصفحة الأولى" لماركو بيللوكيو.. وغيرها. وقد اقتبست السينما المصرية أيضا فيلم "زد" في فيلم "زائر الفجر" (1973) للمخرج الراحل ممدوح شكري، الذي قام ببطولته عزت العلايلي في دور محقق نيابة يحقق في جريمة قتل صحفية تجرأت وتعمقت في البحث عن جوانب للفساد في المجتمع. وكانت الأحداث تدور إبان العهد الناصري، حيث نشاهد استمرار المحقق في البحث والتقصي رافضا الضغوط التي تمارس عليه، فيستمع إلى شهادات الشهود الذين يروي كل منهم ما شاهده من وجهة نظره، ومن زاوية واحدة، ويلونها برؤيته الشخصية. وعندما يتوصل المحقق في النهاية إلى المتورطين في الجريمة يطلب منه إطلاق سراحهم فورا، ويتم نقله! وقد منعت الرقابة المصرية عرض هذا الفيلم لسنوات، وعندما عرض عام 1975 حذفت منه الكثير من اللقطات التي اعتبرت "تحريضية". "