قضايا وآراء

الأردن وعسكرة الدولة في مواجهة كورونا؟!

عدنان حميدان
1300x600
1300x600
لجأ الأردن في الآونة الأخيرة، وتحديدا منذ بدء جائحة كورونا لعدد من القرارات الأمنية والعسكرية في تسيير الوضع العام في الدولة، وفي مقدمتها ما يعرف بقانون الدفاع، وأصبح المركز الوطني لإدارة الأزمات ذو الصبغة العسكرية مسيّرا عاما لشؤون البلاد، تعود إليه الوزارات لطلب الموافقة على معظم قراراتها قبل إنفاذها! وكان على رأس هذا الجهاز العميد مازن الفراية، والذي أصبح برتبة لواء فيما بعد ثم أصبح في التعديل الوزاري الأخير وزيرا للداخلية بعد إقالة وزيرين بدعوى حضورهما عشاء في مطعم بشكل يخالف قيود الوباء، وليصبح الفراية قبل أيام أيضا وزيرا للصحة بعد إقالة وزير الصحة، إثر فاجعة السلط المتمثلة بانقطاع الأكسجين عن عدد من مرضى العناية المركزة في مستشفى السلط الجديد؛ الأمر الذي أدى لوفاتهم.

وقد لفت الانتباه الفراية بدعوته لتعيين متصرفين مفوضين من قبل وزارة الداخلية - بخلفية عسكرية وأمنية - لمراقبة شؤون المستشفيات، وعليه يأتي شخص قد يكون من داخل الوسط الطبي أو خارجه بخلفية أمنية وتفويض من الداخلية مديرا على المدير المدني الموجود على رأس المستشفى!! في سابقة غريبة وعجيبة لقيت استنكارا داخل قبة البرلمان المحسوب على الدولة قبل الشارع الذي تظاهر في عدة مدن مطالبا بإسقاط الحكومة؛ التي أقال رئيسها وزيرين بسبب عشاء بينما اكتفى بوزير واحد بعد وفاة ثمانية مرضى بالإهمال الطبي والتسيب الإداري والمحسوبية والفساد.

الفارق بين وفيات فاجعة السلط ووفيات الإهمال الطبي اليومي؛ أن ضحايا السلط ماتوا بجريمة شبه قتل جماعي وبسبب مباشر وواضح، بينما ضحايا الإهمال وقلة الرعاية وضعف الخبرة في عدد من المستشفيات الخاصة فضلا عن الحكومية؛ يموتون يوميا بصمت ولا أحدٍ يكترث لهم لانعدام المساءلة الطبية، ولكن سلوانا أن هناك حسابا أخرويا لا يحابي أحدا.

والمراقب لعسكرة التعامل مع جائحة كورونا وتكرار الحلول الأمنية والغرامات المالية وفرض حظر التجول بشكل متشدد؛ يرى فشلا ذريعا تمثل بعدم السيطرة على الوباء وانفلات عقد الإصابات، ليحتل الأردن مؤخرا المركز الأول عالميا في عدد الإصابات بالنسبة لعدد السكان! ما دفع عددا من المختصين علميا لتقديم استقالاتهم بعد تجاهل آرائهم.

وانسحب الأمر على الناقل الوطني جوا، وهو شركة الملكية الأردنية التي تواجه خسائر هائلة مع تكرار إغلاق المطار ومنع الرحلات المباشرة لعدد من الدول، ليضطر الأردنيون المسافرون لاستخدام شركات أخرى في رحلات غير مباشرة، وعليه باتت الملكية الأردنية وحدها المتضررة من هذا الإجراء الغريب.

والأكثر غرابة إعلان حالة الطوارئ في جميع المستشفيات بعد فاجعة السلط؛ بشكل أثار سؤالا مشروعا مفاده: هل كنا قبل ذلك لعام كامل نجابه الوباء الشرس دون استنفار أو حالة طوارئ؟!

المركز الوطني لإدارة الأزمات في الأردن عطّل عودة آلاف الأردنيين العالقين في دول مختلفة بعد انتشار الوباء، بينما كانت دول مثل تركيا والسعودية ترسل طائرات خاصة لجلب مواطنيها فضلا عن المرضى منهم.

وكانت ولا زالت القرارات الفريدة والغريبة بمجابهة كورونا تتوالى، ومنها فرض حظر ليوم الجمعة فقط، وعليه نقل المواطنون نشاطاتهم الاجتماعية ليوم الخميس أو السبت.

يحسم العسكر بقوة المظاهرات ويطلقون بسرعة قنابل الغاز فهذا عملهم، ولكن يصبح الأمر أكثر تعقيدا إذا طلبنا منهم تسيير الحياة المدنية للناس، وتوفير أكسجين الحياة للمستشفيات، وتنظيم شؤون مجابهة وباء خطير منتشر يحتاج علما وتخطيطا لا عسكرة وقمعا وحظرا ومنعا، مع احترامنا للعسكر والقيادات العسكرية ودورهم المهم في حراسة الحدود.

من كان له نموذج لدولة ناجحة يحكمها قادة عسكريون فليسعفني به، حيث عجزت عن العثور عليها، وما رأيت إلا دولا قد ساءت أحوالها كلما تمددت القيادات العسكرية في مجالات الحياة المدنية فيها.
التعليقات (0)