كتاب عربي 21

ثغرة في جدار المستعمرة العنصرية الصهيونية

حسن أبو هنية
1300x600
1300x600
يؤسس "الحدث" الفلسطيني الجاري بمعناه الفلسفي، والذي لا نعثر له على تسمية مكافئة حتى اللحظة، تاريخاً مفصلياً يقطع مع ما قبله ويؤسس لما بعده في تاريخ المسألة الفلسطينية، فلأول مرة تنكشف ثغرة في جدار المستعمرة الاستيطانية العنصرية الصهيونية على الصعيد الاستراتيجي.

فقد بات واضحاً للعيان هشاشة المستعمرة وعريها رغم الهالة المهولة التي أضفيت على صورتها كقوة إقليمية مؤهلة لضبط الشرق الأوسط، وتأسيس مشروع إقليمي أوسطي جديد.

ففي الوقت الذي عبثت فيه الأوهام بالمخيلة الصهيونية بنهاية وتصفية القضية الفلسطينية من خلال حرتقات أسطورة "صفقة القرن"، وخرافة اتفاقيات "أبراهام" الخيانية التطبيعية، التي أمدته باستكمال مشروعه الاستعماري التوسعي، عبر تكتيكات "العزل والقضم"، انبعث الشعب الفلسطيني موحداً في غزة والضفة والقدس والداخل والشتات، ليصرخ بصوت مدو كما فعل صبي هانس كريستيان أندرسن في قصته القصيرة "ملابس الإمبراطور الجديدة"؛ فالإمبراطور الذي كان يمشي في موكبه عارياً يحسَب أنه مرتدياً ثوبه العجيب، واضعاً التاج على رأسه ومزيَّناً بالحلي، متبختراً في مشيته، والناس يهللون ويهتفون له بحماس شديد، وبدؤوا يدَّعون انبهارهم بالثوب الذي لا يراه إلا الأذكياء، فتارة يصفوه بالجمال وتارة بدقة التصميم، فازداد الإمبراطور فرحاً وبهجة، وعند دنو نهاية العرض، وبينما كان الإمبراطور منهمكاً في استعراض ثوبه، صاح صبي بأن الإمبراطور عارٍ وأخذ يكررها ويضحك، وعندها أدرك الناس ذلك وانفجروا ضاحكين.
في الوقت الذي عبثت فيه الأوهام بالمخيلة الصهيونية بنهاية وتصفية القضية الفلسطينية من خلال حرتقات أسطورة "صفقة القرن"، وخرافة اتفاقيات "أبراهام" الخيانية التطبيعية، التي أمدته باستكمال مشروعه الاستعماري التوسعي، عبر تكتيكات "العزل والقضم"، انبعث الشعب الفلسطيني موحداً

لا جدال في أن الأنظمة العربية المطبعة علناً وسراً لا تزال تصر على أن الإمبراطور يرتدي ثوباً عجيباً، ذلك أن من حاك ذاك الثوب المتخيل للمستعمرة هو ذاته من صنع أثوابهم، فالسردية الصهيونية الواهية تمكنت من إقناع الجمهور عدا الصبي الفلسطيني.

وكان إدوارد سعيد قد تنبأ بمصير القدس وما حدث في حي الشيخ جراح الذي منه انطلقت شرارة التمرد على سلالات الوهم، منذ أكثر من عقدين، فقد بيّن بجلاء نهج سياسة إسرائيل الذي يتمثل أولاً في بناء تصوّر لما تريد أن يصدقه العالم، ثم العمل بكل عزيمة وتصميم على تحويل تلك الرؤية إلى واقع. هكذا سبقت سياسةُ الإعلان التغيرات الفعلية على الأرض، وكان الجهر بالقدس "عاصمة أبدية موحدة" لإسرائيل، عبر العمل الذي اشتمل على ابتلاع القدس العربية، وتحويل سكانها (من خلال تكثيف الاستيطان) إلى أقلية حتى في الشطر الشرقي من المدينة، وفصلها عن محيطها في الضفة الغربية.

لم يعد ممكناً ترويج سردية الديمقراطية الإسرائيلية، عقب قانون يهودية الدولة، فانتفض فلسطينيو الداخل. فالمستعمرة العنصرية الصهيونية تمادت في سرديتها الخرافية، وبدأت منظمات حقوقية تعود إلى رشدها، فكان تشبيه الفوقية العرقية اليهودية الإسرائيلية والاستعمار الاستيطاني في فلسطين بنظام الأبارتهايد/ الفصل العنصري في جنوب أفريقيا؛ شيئا عادياً من قبل الآسيويين والأفارقة، حتى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة صنفت الصهيونية بالعنصرية عام 1975، وهو ما كان متداولاً ومعروفاً بين جميع الأمم، باستثناء البيض الأوروبيين والأمريكيين الإمبرياليين، الليبراليين منهم والمحافظين على حدٍ سواء، قبل أن تتراجع لاحقاً.

لكن يجب التنبه، حسب جوزيف مسعد، إلى أن ما أعلنته "بتسيلم" و"هيومان رايتس ووتش" في تقاريرهما الأخيرة جديد بالنسبة لبعض اليهود الإسرائيليين الليبراليين والمثقفين الليبراليين الأمريكيين والأوروبيين البيض؛ الذين لم يتزعزع دعمهم للاستعمار الاستيطاني اليهودي في فلسطين قط. ولكن. لا ينبغي لمثل هذه التقارير أن تحظى بأي تثمين أو تقدير من قبل الفلسطينيين ومؤيديهم، بل عليهم، بدلاً من ذلك، إدانة جماعات حقوق الإنسان الإسرائيلية والغربية العنصرية هذه التي أخفقت في تقاريرها الأخيرة في الاعتراف بعنصريتها وتواطؤها مع نظام الفصل العنصري/ الأبارتهايد الإسرائيلي على مدى عقود.
لم يعد ممكناً ترويج سردية الديمقراطية الإسرائيلية، عقب قانون يهودية الدولة، فانتفض فلسطينيو الداخل. فالمستعمرة العنصرية الصهيونية تمادت في سرديتها الخرافية، وبدأت منظمات حقوقية تعود إلى رشدها

دولياً لم يفاجأ أحد بالمواقف الأمريكية والأوروبية، التي تصف المقاومة بالإرهاب وتعلن وقوقها إلى جانب المستعمرة الصهيونية، فالالتزام الغربي بالتفوقية اليهودية يقوم على اعتبار اليهود كأوروبيين بيض يدافعون عن القيم والحضارة الأوروبية البيضاء ضد قطعان العرب البدائيين، وسوف يواصل الغرب دعمه لجرائم إسرائيل على أسس عرقية وثقافوية تتأسس على البشرة البيضاء المشتركة، كما يثق بتفهم وإسناد العرب من ذوي البشرة السوداء والأقنعة البيضاء، وفي مقدمتهم سلطة المتعاونين الفلسطينيين في الضفة الغربية. أما القيم الحضارية المتعلقة بحقوق الإنسان، والديمقراطية، والسلام، والعدالة، كمبادئ كونية، فلا تنطبق على الفلسطينيين. فالعقل الاستعماري حسب فرانتز فانون يجب عدم الالتفات إليه، و"دعونا من أوروبا هذه، حيث لا يتعبون من الكلام عن الإنسان بينما هم يقتلونه أينما وجدوه، في زوايا كل شارع من شوارعهم، وفي كل زوايا الكرة الأرضية".

يشير الحدث المؤسس في فلسطين التاريخية إلى تحول إدراك الفلسطيني باتجاه ذاته، إذ لم يعد ينتظر عدالة دولية غير ممكنة، ولم يعد يأبه بخرافة قضية العرب أو المسلمين المركزية الأولى، فهو يعلم جيداً أن الشعوب العربية والإسلامية معه، ويدرك أنها مغلوب على أمرها وأحوج إلى التحرر من الدكتاتورية والتبعية وتحقيق الاستقلال، والدول التي تملك مشاريع إقليمية في المنطقة كإيران وتركيا أولوياتها مختلفة، وتستثمر بالقضية الفلسطينية في حدود أهدافها ومصالحها الضيقة، وليس تحرير فلسطين من أولوياتها على فرض قدرتها.
يشير الحدث المؤسس في فلسطين التاريخية إلى تحول إدراك الفلسطيني باتجاه ذاته، إذ لم يعد ينتظر عدالة دولية غير ممكنة، ولم يعد يأبه بخرافة قضية العرب أو المسلمين المركزية الأولى، فهو يعلم جيداً أن الشعوب العربية والإسلامية معه، ويدرك أنها مغلوب على أمرها وأحوج إلى التحرر من الدكتاتورية والتبعية

يهدف المشروع الإيراني إلى خلق فضاء جيوسياسي من طهران إلى بيروت مروراً ببغداد ودمشق؛ بقوم على أسس هوياتية شيعية ترتبط بولاية الفقيه، وخلق كيان في اليمن، حيث لا تشكل المسألة الفلسطينية أولوية، ودعم فصائل المقاومة الفلسطينية السنيّة من حماس والجهاد يجري بالحد الأدنى للتعمية على المسألة الطائفية في سياق انتظار صفقة مع الولايات المتحدة الأمريكية. أما المشروع التركي فلا يزال يرتهن إلى حد كبير إلى الولايات المتحدة، وحلف الناتو ودعم المقاومة الفلسطينية لا يتعدى الحدود الدنيا والرطانات البلاغية.

أما دول العالم العربي فهي الطامة الكبرى، إذ لا تزال خاضعة للوضعية الاستعمارية، وهي دول مرتهنة للولايات المتحدة الأمريكية، التي ورثت الأنظمة الكولونيالية الاستعمارية التقليدية التي أقامت أنظمة ما بعد الاستعمار في المنطقة ومنها المستعمرة الصهيونية.

وشعوب المنطقة تعتبر فلسطين قضيتها، ولم تنجح أنظمة ما بعد الاستعمار في حقبة التطبيع العلني والخفي والتنسيق الأمني والسياسي من مسخ ثقافة الجماهير. ومهمة شعوب العالم العربي تتشابه مع مهمة الشعب الفلسطيني، بالتخلص من أنظمة الاستعمار الداخلي الدكتاتورية، وفك التبعية وتحقيق الاستقلال ومناهضة الدكتاتورية ومواصلة النضال للوصول إلى الحرية والعدالة والديمقراطية.

فعلى خلاف السائد، فإن الشعب الفلسطيني هو من يحرر إرادة الشعوب العربية ويدفعها نحو التحرر والاستقلال. فقد أدرك الشعب الفلسطيني أخيراً أنه صديق نفسه، ولم يعد ينتظر جيوش الأنظمة العربية كما كان يفعل منذ النكبة وزمن الحروب العربية الصهيونية الوهمية. فقد تحول معظم جنرالات جيوش الأنظمة العربية إلى رجال أعمال ليبراليين في عصر العولمة، وانحصرت مهامهم في مراكمة الثروة والاستبداد بالسلطة، وغدوا منذ زمن قوة حكم بوليسية. إذ لم يعد جيش الشعب بل جيش السلطة، فكافة حروب جيوش الأنظمة العربية أصبحت داخلية، وتبدلت عقيدتها القتالية من حماية المواطن، إلى قوات مكافحة المعارضة السياسية تحت ما يسمى حرب الإرهاب الداخلي.

إن ما يسمى العالم العربي لا يمتلك أي مشروع، فهو عالم متخيل يفتقر أصلاً إلى مصداق التسمية التي اكتسبها من العالم الاستعماري، كشأن جامعة الدول العربية التي أنشأتها الاستعمارية البريطانية. فما يسمى العالم العربي لا يعدو عن كونه مجموعة من الدول الما بعد استعمارية الدكتاتورية القُطرية، التي لم تخرج بعد إلى أفق العالم ما بعد الكولونيالي. إذ لا ترقى هذه الدول إلى مستوى الفكر القومي، ولم تنبثق عنها رؤية قومية مناهضة للاستعمار كما حدث في بلدان آسيوية وإفريقية ولاتينية، باستثناء محاولات مجهضة مع الناصرية في مصر، وجبهة التحرير في الجزائر، والتي انتهت إلى أنظمة عسكرية دكتاتورية تابعة.

فأحد أهم الأشياء التي أعيد اكتشافها ما بعد الربيع العربي، طبيعة الأنظمة العسكرية السلطوية ما بعد الاستعمار، وبنية الرأسمالية الملازمة للحرب. إذ ارتبطت نشأة الرأسمالية وازدهارها بسياسات الحرب والسيطرة على موارد وثروات شعوب ما سمي في زمن سابق "المستعمرات وأشباه المستعمرات". وعلينا أن نفهم أزمة المنطقة باعتبارها نتاجاً للكيفيّة التي تنخرط بها هذه المنطقة في الاقتصاد العالمي، فكما يؤكد علي القادري، فإن إشكالات المنطقة العربية وأزماتها، وأشكال التدمير الذي تنتجه الحروب الاستعمارية المباشرة أو تحكيم نخب نيوليبرالية تابعة، يؤديان إلى تدمير المجتمعات من الدّاخل وسلبها سيادتها وإعادة تشكيلها كما يريد المهيمن.

على صعيد المستعمرة الصهيونية، فقد فقد كشف الحدث الفلسطيني هشاشتها. عسكرياً، خياراتها محدودة جداً، فعلى الرغم من تفوقها العسكري الهائل واختلال موازين القوة مع المقاومة الفلسطينية، فهي لا تملك سوى سياسة الترويع التي لم تعد فاعلة. ورغم قدرتها على خوض معركة برية بكلفة معقولة نسبياً، إلا أن تحقيق أهداف سياسية واستراتيجية مستدامة غير ممكن، فأقصى ما يمكن تحقيقه هو القضاء على حركة حماس والجهاد وبقية الفصائل، لكن ذلك سيؤدي لا محالة إلى ردكلة هذه الفصائل، وشيوع حالة من الفوضى العارمة، سوف تفضي إلى تنامي جاذبية الجهادية العالمية. وفرص استثمار تنظيم الدولة وفرعها في وولاية سيناء قوية جداً، فهي تمتلك أصلاً بنية تستند إلى مجموعة من التنظيمات الجهادية السلفية الضعيفة والمقموعة في غزة.
على صعيد المستعمرة الصهيونية، فقد فقد كشف الحدث الفلسطيني هشاشتها. عسكرياً، خياراتها محدودة جداً، فعلى الرغم من تفوقها العسكري الهائل واختلال موازين القوة مع المقاومة الفلسطينية، فهي لا تملك سوى سياسة الترويع التي لم تعد فاعلة

في المقابل فإن المقاومة طورت منظومتها الصاروخية، وبإمكانها أن تستمر في شل الحياة المدنية والاقتصادية في كافة مناطق المستعمرة. وخيارات المستعمرة المحدودة تظهر جلياً من خلال عملية التدمير الجنوني دون هدف، وتدمير المدمر، وهي تدرك أن لا أفق سياسيا لعملياتها، والتوقف عن العبث يعني إعلان الهزيمة، وتقديم تنازلات حقيقية لحماس والجهاد والفصائل التي تسيطر على غزة. وفي نفس الوقت، ولأن المستعمرة الصهيونية لا تملك أي أدوات ضغط دولية واقليمية، سوف تضطر إلى التفاوض مع المقاومة. فخرافة عدم الحوار مع الإرهابيين ينقضها تاريخ المستعمرة ذاتها، وينقضها تاريخ الإمبرياليات والإمبراطوريات، والأمثلة التاريخية يصعب حصرها وآخرها مثال حركة طالبان. والحديث عن عودة إلى تهدئة بلا ثمن كالسابق لا ينطوي على الحد الأدنى من الواقعية، فغزة محاصرة وهي لا تعدو عن كونها سجناً كبيراً يحسد حالة المعتقل الذي وصفته حنة أرندت، ونظّر له جورجيو أغامبين، بما هو فضاء خارج القانون وإنسان مستباح.

أما سلطة "أوسلو" التي تجسد حالة المخبر المحلي في السياق الكولونيالي الاستعماري، فهي في أضعف حالاتها ولم تعد قادرة على ترويج هجوم السلام، وهي منقسمة على نفسها، وتفتقر الى الشرعية والمشروعية، ولم تعد قادرة على ستر عورة المستعمرة، وتوقفت عن وصف صواريخ المقاومة بالعبثية، كما كانت تفعل سابقاً.

فسلطة أوسلو ووظيفتها انتهت صلاحيتها بخدمة المستعمر باحتلال زهيد ومربح، فقد عجزت عن خلق انزياح في المعجم النضالي الفلسطيني العربي الإسلامي الذي يختزن طاقة متجددة من الحرية والتحرر والتحرير، وهو معجم منفتح على استعمالات تاريخية مخصوصة واستدخالات كونية عمومية، كالجهاد والمقاومة والنضال، والتحرير وتصفية الاستعمار ومناهضة العنصريّة، والتصدي للعنف الإرهابي الإسرائيليّ، وفضح ومواجهة سرقة الأراضي، ومطالب الاستقلال، وحقّ العودة، ومبادئ الحق والعدالة والقانون الدوليّ.

فقد كانت مهمة سلطة أوسلو خلق معجم جديد، يقلب مفردات التحرر والمقاومة والجهاد إلى معان مرذولة ويحيل دلالاتها إلى حقول الإرهاب، حيث دشنت سلطة أوسلو مصفوفة دلالية استبدالية وحقول تحرث في مياه مصطلحات ومفاهيم تؤسس للاستقالة عن الاستقلال، كالبراغماتيّة السياسية، التي تتضمن سلسلة من المفاوضات والاتفاقيّات، والمساومات، والتنسيق الأمنيّ، والدخول في جنة الاعتدال ودهاليز الاعتراف، وتداوليات السلام، وهي ديانة إمبريالية كولونيالية تعني الخنوع والاستسلام للقوة، وتصف مناهضيها بالشذوذ والسادية والإرهاب والبربرية.
الحدث الفلسطيني كشف هشاشة المستعمرة العنصرية الصهيونية، وفضح خرافة سرديتها، فهي لا تعدو عن كيان استعماري عنصري، يقوم على الإرهاب

خلاصة القول أن الحدث الفلسطيني كشف هشاشة المستعمرة العنصرية الصهيونية، وفضح خرافة سرديتها، فهي لا تعدو عن كيان استعماري عنصري، يقوم على الإرهاب. وقد برهنت المقاومة الفلسطينية بأشكالها المختلفة المسلحة وغيرها، في غزة والضفة والقدس والداخل والشتات، على سردية التحرر وخرافة المشروع الصهيوني، وعدم قابليته للاستمرار في فلسطين، فضلاً عن التوسع في المنطقة عبر أساطير صفقة القرن، وخرافات اتفاقات أبراهام.

وقد تهاوت يوتوبيا الانتظار ووعود التحرير الخارجي، فالحدث الفلسطيني ينبه بقوة إلى أن الشعوب العربية هي أحوج إلى التحرر، وذلك بالتخلص من جملة من الخرافات والأساطير، ومنها الخرافة الأكثر حداثة التي تراهن على وسائل الإعلام التقليدية والبديلة. فأفعال التحرر والنضال من أجل الحرية والعدالة تجري في العالم الواقعي، والعوالم الافتراضية فائدتها محدودة، إذ لم تعد وسائل التواصل الاجتماعي في حقبة ما بعد الربيع العربي أداة تحرر، بل تحولت إلى أداة للسيطرة والهيمنة والتلاعب، سواء من قبل مالكيها الإمبرياليين المنحازين أصلاً، أو من قبل أنظمة الاستعمار الداخلي الدكتاتورية التي تعيد إنتاج مجتمعات المراقبة الشاملة من خلال السلطة السيادية الإكراهية الأمنية والقانونية، وقد دشن الحدث الفلسطيني رؤية عالمية تقوم على فضيلة أساسها الاعتماد على النفس، وترك لوم الآخر.

twitter.com/hasanabuhanya
التعليقات (0)