مدونات

مهاجرات وحلم العودة

كاتب آخر
كاتب آخر

قالت لي: أرسلت لأحجز تذكرة سفر للرجوع لبلدي، فلما تأخر المكتب جمعت ملابسي "البيضاء" وجهزت حقيبتي وتوجهت للمطار، حتى عرف بالأمر بعض القريبين مني ومنعوني.

من العجيب وغير المتوقع بالكلية، أن يصل الأمر بالنساء المطاردات في الخارج إلى أن يصبح الرجوع للوطن حتى لو كان مصير الاعتقال محتوما (وليس محتملا)؛ هو الخيار الأمثل لها من البقاء في مكان لا تشعر فيه لنفسها بقيمة، أو أن ما زال لها دور يذكر تجاه قضيتها وبلدها وأسرتها الكبيرة بعيدا عن الوطن والأهل، بالإضافة للكثير من الصعوبات والمشكلات.

أسئلة تطرح نفسها:

هل تصبح العودة لوطن بهذه الظروف من القهر والظلم، هو الملجأ مع صعوبة حياتهن في المهجر؟!

هل فعلا تحولت حياة الأسرة مع صعوبة العيش في الخارج إلى جحيم يفضل معه العودة لوطن مكبل بقيود الظالمين؟!

هل فعلا من خرجت من بلدها أصبحت في نعيم لم يعش فيه أهلها من أصحاب قضيتها؟

هل حقيقي أن من سافر باع ونسي وما عادت تهمه معاناة أهله وأوضاعهم الداخلية؟

وما هي الحلول المطروحة لكل هذه التحديات؟

في الآونة الأخيرة، زادت نسبة المهاجرات من العديد من الدول العربية والإسلامية إلى الخارج، نظرا لظروف المطاردات الأمنية لأزواجهن، أو لهن! ومن ثم زادت التحديات التي تواجه النساء.

وبهذا الصدد، سأعرض في هذا المقال بعض التحديات والصعوبات التي واجهت النساء في الخارج، ونضع بعض الحلول أمام المعنيين بالأمر بالتعاون مع المرأة في مواجهتها.

في السنوات الأولى للمطاردة، تشعر شعورا عارما بعقدة الذنب وصراعات داخلية، مثل قرار السفر وإن كانت مضطرة له وأجبرت عليه إجبارا، إلا أنه يحيك في صدرها ويؤلمها كلما تذكرت ما آلت إليه أمورها بترك بلدها وسفرها، خاصة عندما يكون لها أحد ذويها داخل المعتقل أو مطاردا، ومن هنا تكون أمام صراع آخر بين أن تعيش مسئولياتها الجديدة في عصر لا ينتظر المتأخرين، وحتمية تطوير إمكاناتها لمواجهة ظروف جديدة داخل مجتمع جديد بكل المقاييس، ويحتاج لتأهيل نفسي أولا وتطوير ذاتي من كل الجوانب، وبين واقع مرير تركته وراءها لم ينته، وتتجدد آلامه معها كل ساعة مع متابعتها له عبر وسائل التواصل.

وهنا لا بد من أن نوصي كل مهاجرة مطاردة صاحبة قضية أن تحقق ذلك التوازن، وتلك المعادلة الصعبة لا تترك وراءها مما تركته من قضية ولا تقصر فيها، وتبذل كل الوسائل المتاحة لها ولا تدخر جهدا، أيضا تدعم نفسها في كل ما يحقق لها حياة متوازنة في حياتها الجديدة في الخارج. وإن توقفها عن تطوير نفسها سيمنعها من مساعدة ذويها من أبناء جلدتها وتطوير الوسائل المعينة لهم، بل سيجعلها عبئا على الجميع.

ولا بد من عمل تأهيل ودعم نفسي مناسب لكل مغتربة مطاردة أو معتقلة سابقه أو زوجة معتقل أو زوجة شهيد أو أم شهيد وهكذا، وذلك من خلال الجهود المؤسسية والفردية والمتخصصين النفسيين والأسريين.

ارتفاع نسب الطلاق أو الانفصال بدون طلاق:

وظهرت أيضا ظاهرة الطلاق والانفصال المبكر بعد السنوات الأولى من الزواج. وسنذكر أهم الأسباب التي يعزى لها الطلاق بصورة عامة، وهي ترتكز على:

قلة الخبرة بين الزوجين، بالإضافة إلى العامل المالي والإنفاق وضيق العيش. نضيف إلى ذلك، العوامل المترتبة على الأزمة السياسية من أزمات نفسية وضغوطات أخرى. ونضيف إلى ذلك مع المستجدات السياسية، عدم رغبة الزوجة في العيش خارج بلادها والبعد عن أهلها أو ظروف تعليم أبنائها.

أما لو تحدثنا عن الانفصال والطلاق المبكر خاصة في الخارج، فإننا نتحدث عن عوامل أخرى:

قد يكون نتيجة الاختيار غير المتأني، وعدم معرفة الأفراد بعضهم بعضا في الخارج، وعدم وجود مجالات للسؤال والتقصي الجيد عن الشاب والفتاة أيضا، وشبح تأخر سن الزواج وقلة فرص الزواج أمام الفتاة مع انقطاع السبيل أمامها للرجوع لبلدها، وميل الشباب للزواج من غير العربيات من أبناء صاحبات بلد المهجر للحصول على الجنسية وأسباب أخرى، ما يدفع الفتاة للقبول بزوج قد يكون غير مناسب بالقدر الذي تقبله، ما يقلل نسب استمرار الزيجات فيما بعد.

علاوة على ما سبق، تمثل الضغوط النفسية والضبابية في نفوس الشباب والبنات عاملا لا يستهان به، مع عدم وجود مرجعية أسرية وعائلية، وعدم وجود ضوابط مجتمعية أسرية حاكمة للمغترب للتعامل، وعليه، الحقوق والواجبات مهدرة وليست مقننة بالصورة الكافية.

لذلك، علينا العمل على رفع التوعية للشباب بالثقافة الزوجية من خلال التأني في الاختيار، والتأهيل النفسي الجيد للشاب والفتاة في ظل وجود الأزمة السياسية الحالية، وعمل الاتفاقات المناسبة داخل الجاليات العربية وكل دولة، لضمان حقوق النساء داخل هذه الدولة.

عدم وجود جهة تلجأ إليها المرأة في حالة التعدي على حقوقها:

إذ إن قوانين تلك البلاد لا تنطبق على المغتربين خاصة في الأحوال الشخصية. فمثلا إذا طلقت المرأة لم تتمكن من حقوقها كما في بلدها إلا عن طريق المجالس العرفية التي لا تسمن ولا تغني من جوع! 

ولذا؛ نوصي بالعمل على إيجاد وسائل للحفاظ على حقوق النساء داخل جاليتهن بصورة قانونية.

زيادة أعداد النساء المعيلات وضرورة العمل لمساعدة الرجل في الإنفاق المعيشي:

نتيجة الظروف السياسية الأخيرة سافرت أعداد من النساء بدون أزواجهن، بسبب ظروف اعتقال أو مطاردات أمنية أو موت الزوج والمطاردة نتيجة لذلك، والحكم عليهن بالسفر في ظروف غاية في  القسوة، والعمل في الخارج بدون عائل.

ولذا؛ لا بد من توفير السكن المناسب لهن بإيجارات خاصة تتناسب مع ظروفهن، مع مراعاة أولئك النساء في الأعمال وتوظيفهن في أعمال تناسب المسؤوليات الملقاة عليهن، وأن يكون الاهتمام بهن ضمن عمل مؤسسي لا يترك للإشفاق الفردي أو المؤسسي أيضا، فمن حقهن العيش بكرامة ومساندتهن.

مساعدة الزوج في الإنفاق:

نجد المرأة في الخارج مع وجود الرجل (أب أو أخ أو زوج) أحيانا هو لم يجد العمل لعدم مناسبة مؤهله أو عدم وجود لغة أو عدم مناسبة السن وغير ذلك، والنتيجة أنه لا يعمل وتضطر المرأة للخروج للبحث عن عمل مناسب أو غير مناسب في الأغلب للبحث عن قوت اليوم، فإيجار البيت باهظ الثمن والفواتير لا تنتظر.

حتى مع وجود عمل الرجل، بات من الضروري البحث عن العمل، إذ إن الراتب الذي يتقاضاه الزوج في الأغلب لا يكفي البنود الأساسية في المنزل، ما يدفع المرأة في النهاية للبحث عن العمل.

ولكن هنا السؤال الذي يطرح نفسه: هل فعلا في هذه الحالة يقدر الرجل تلك المساهمة لها في البيت مع وجود الأعباء المنزلية على عاتقها ومسؤولية الأولاد؟؟

هذا ما ندعو إليه كل زوج امرأة عاملة وخاصة لو كانت مغتربة، والتعاون معها لتخطي التحديات والصعوبات التي تواجهها.

تشريد الأسرة بين الدول وتحمل المرأة مسؤولية الأولاد وحدها :

بحث الأسر المهاجرة عن اللجوء نتيجة الظروف الأمنية أدى إلى تشريدها، لصعوبة عمل الإجراءات في دول اللجوء، لتتحمل النساء المكوث بالأولاد في دولة غريبة بعيدا عن الزوج إلى أن يتم إنهاء تلك الإجراءات، وعند إنهائها في كثير من الأحيان يتم العيش في ظروف معيشية صعبة.

ولذا؛ فنحن ندعو جميع الجميع الجهات المعنية للتعاون مع الأسر اللاجئة للم الشمل، وندعو كل الزوجات والأزواج لتفهم صعوبات الأمر ومواجهاتها واحتسابها عند الله تعالى. أو أحيانا الزوج المطارد يسافر ويترك الزوجة في بلدها مع الأولاد لظروف مادية أو لظروف تعليم الأولاد، ويتركها وتأتي إليه وترجع مرات أو تمنع من السفر، في هذه الحالة أحيانا ييأس الزوج من أن يأتي بزوجته وأولاده، إلى أن يجمعه مع زوجته الأمر الذي لا يعرف أمده إلا الله.

وفي الختام:

اعلمي جيدا أن الله لا يترك أيدى الصادقين الذين يؤمنون أن جروحهم نور سيضيء حياتهم غدا.. الذين يؤمنون أن أحلامهم بقارب نجاة سيرعاها الله للنهاية، فلا تضعفي، فذلك الثقب الذي تركه هؤلاء الجناة في صدرك، هو ذاته الذي سيدخل منه النور يوما.

‎يجب عدم الاستسلام وتحقيق انتصارات عليهم ولو صغيرة، وإن النجاة من أيدى الظالمين نصر على الجلاد، ولا بد من التأهيل والتسلح بالعلم والعمل النافع لنفيد إخواننا في الداخل ووطننا. وإن ضعفك واستسلامك لن يضيف لهم شيئا بل سيزيد الوضع وبالا. ولا بد من أن ننهل من ثقافات الشعوب الأخرى وحضاراتها وعلومها، وننقل أيضا ثقافتنا وعلومنا إليهم.


* مديرة منظمة نسائية، وباحثة فى مجال التربية والأسرة
التعليقات (0)