قضايا وآراء

أطفال سوريا ضحايا النزاعات المسلحة واللجوء

رفقة شقور
1300x600
1300x600

في بداية العام الدراسي الجديد يعود إلى الواجهة واقع تعليم الأطفال السوريين داخل سوريا، وفي مناطق النزوح ودول اللجوء، ففي تقرير الأمين العام السنوي للأطفال والنزاعات المسلحة، الذي أتى تحت عنوان "طفولة مسروقة ومستقبل ينبغي إصلاحه"، والذي نشر في أيار/ مايو ٢٠٢١، تحدثت السيدة فرجينيا غامبا بالإحصاءات والأرقام حول الأطفال من ضحايا النزاعات المسلحة خاصة في سوريا.

ركز التقرير الأممي على تفاقم ضعف الأطفال في النزاعات المسلحة بسبب الجائحة، مما أثر بشكل إضافي على الأطفال في سوريا، وما ترتب عن ذلك من تعقد مجهودات الأمم المتحدة للوصول إلى الأطفال الأكثر احتياجاً، وتسبب في زيادة تعرض الأطفال للاختطاف والتجنيد والاستغلال والعنف الجنسي والهجمات على المدارس والمستشفيات، كما تسببت إجراءات العزل والإغلاقات إلى تعقيد مهمة مراقبي حماية الأطفال والخبراء التابعين للأمم المتحدة.

كشف تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسيف في ذكرى مرور عشر سنوات على اندلاع الثورة في سوريا، أن النزاع المسلح أدى لمقتل وإصابة حوالي ١٢ ألف طفل، ووصف التقرير الحرب في سوريا على أنها جعلت حياة ومستقبل جيل من الأطفال السوريين معلق بخيط رفيع، فبعد مرور عقد على الحرب خلف ذلك أثراً مريعاً على الأطفال السوريين وعائلاتهم، وافتقارهم لأدنى مقومات الحياة، بفعل ارتفاع سعر سلة الغذاء العادية العام الماضي لأكثر من ٢٣٠ بالمئة، كما عانى أكثر من نصف مليون طفل سوري دون سن الخمس سنوات من التقزم نتيجة سوء التغذية المزمن.

كشف التقرير أيضاً بأن حوالي 2.45 مليون طفل في سوريا و٧٥٠ ألف طفل سوري في الدول المجاورة لا يذهبون إلى المدرسة، وشكلت الفتيات ما نسبته ٤٠ في المئة من هؤلاء الأطفال، ووفقاً للتقرير فإنه بين العامين ٢٠١١ و ٢٠٢٠ تم تجنيد أكثر من ٥٧٠٠ طفل للقتال داخل سوريا، بعضهم لا تزيد أعمارهم عن سبع سنوات، فيما تعرض ١٣٠٠ مرفق تعليمي وطبي للهجوم، كذلك تضاعفت أعداد الأطفال الذين تعرضوا للأزمات النفسية والاجتماعية نتيجة التعرض المستمر للعنف، والخوف الشديد والصدمات والنزوح واللجوء مما أدى للتأثير على الصحة النفسية للأطفال السوريين بشكل كبير.

عانى الأطفال السوريون في المخيمات ومراكز الاحتجاز من الإنهاك، وسوء الظروف بفعل الأحوال الجوية من أمطار غزيرة وثلوج، فهم يعيشون في خيام ومبانٍ مدمرة، وفي العام ٢٠٢٠ تم تسجيل ما نسبته ٧٥ في المئة من الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال في شمال غرب سوريا، وأدى تصاعد العنف إلى زيادة هائلة في أعداد اللاجئين من الأطفال في الدول المجاورة لسوريا والتي تعاني أصلاً من مشكلات داخلية كبيرة.

تشير الإحصاءات أنه يوجد 1.5 مليون طفل سوري في سن الدراسة في تركيا والأردن ولبنان، لكن نصفهم تقريباً لا يحصلون على تعليم رسمي، بفعل عوائق مثل اندماج الأطفال في سوق العمل، وشروط التسجيل في المدارس التي تتطلب إجراءات بيروقراطية ووثائق لا يتسنى لأهالي الطلاب الحصول عليها، بالإضافة لصعوبات اللغة وفقر الأهالي، وظلت المجهودات الأممية محدودة في إنقاذ فرص هؤلاء الأطفال في الحصول على التعليم.

ما زال أطفال سوريا يدفعون ثمن الحرب بعد مرور سنوات على اندلاعها، فالثورة السورية التي اندلعت رداً على اعتقال ١٥ طفلاً في آذار (مارس) ٢٠١١، بسبب كتابات مناهضة للحكومة على جدران درعا، فكان اعتقالهم عنوانا لوحشية النظام السوري اتجاه الأطفال، مما أدى لاندلاع احتجاجات واسعة، وحين أطلق سراحهم كانت عليهم علامات التعذيب واضحة وحملوا كدمات من العنف الذي تعرضوا له،  وتعرض الأطفال السوريون لأشكال مختلفة من العنف منذ اندلاع الثورة، ففي إدلب تم تسجيل حالات واسعة من الاختفاء القسري في صفوف الأطفال في العام ٢٠١٩، وتنقل الأطفال السوريون بين عذابات انتهاكات النظام الديكتاتوري وسوء سياسات دول اللجوء.

الثورة السورية التي اندلعت من أجل كرامة الأطفال الذين اعتقلوا، ومن أجل استعادة الأمل بحياة كريمة لجيل كامل، ما زالت تعاني الكثير من النتائج التي انعكست على الأطفال وتعليمهم في داخل وخارج وسوريا، وسط تقصير أممي واضح في تحقيق أدنى شروط الحياة للأطفال اللاجئين في دول الجوار التي تعاني من أزمات مركبة.

 

إن جزءا كبيرا من مستقبل سوريا ما بعد الأسد يتوقف على جيل الأطفال بعد موجة اللجوء الأولى، فهؤلاء هم مستقبل الثورة السورية، وحصولهم على فرص تعليمية في مجتمعاتهم يحفزهم على استرداد حقوقهم في وطنهم، كذلك يساعدهم على الإسهام في بناء سوريا التي أرهقتها الديكتاتورية،

 



المستقبل التعليمي للأطفال اللاجئين يعتمد على سياسات الدول المستضيفة والمانحين الدوليين،  والمطلوب من تلك الأطراف إلزامها بحصول الأطفال السوريين الذين تجاوزوا تلك الفظاعات في الحرب بأن يحصلوا على تعليم جيد، وإعطائهم فرصة لإعادة بناء حياتهم دون إخضاع تسجيلهم المدرسي لإجراءات بيروقراطية معقدة تتعلق بتسجيل أهاليهم، ففي الأردن وحده هنالك إحصاءات صادرة عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تفيد بأن ٨٣ ألف طفل سوري خارج أسوار المدارس بفعل تقصير الجهات المانحة والإجراءات البيروقراطية في تسجيلهم، كذلك بفعل انخراطهم في سوق العمل.

لا بد أن تلتفت الدول المضيفة للاجئين بأن الأطفال اللاجئين هم جزء من مستقبل تلك المجتمعات، وأن سياسات التقصير الحكومي اتجاه منحهم الفرص في الحصول على تعليم، تشكل خطراً واسعاً على الأمن المجتمعي في تلك المجتمعات، كذلك فهي تعمق بسياسات إهمال الأطفال اللاجئين مأساتهم، وتطرحهم خارج العملية التعليمية، وتعرضهم للعمالة المبكرة والانخراط المبكر في سوق العمل مما يعرضهم لأبشع أشكال الاستغلال المعنوي والجسدي والنفسي والمادي.

لا يمكن حل مشكلات الأعداد الهائلة من الأطفال اللاجئين خارج العملية التعليمية، سوى بقوانين دولية ملزمة للدول المضيفة ولأطراف النزاعات المسلحة، لعدم تعريض الأطفال للانتهاكات، ومخاطر تلك النزاعات، وإخراجهم خارج دوائر التجنيد الإجباري، والتحريم الدولي لاعتقال الأطفال وإخفائهم قسرياً، فمجهودات خبراء ومراقبي حقوق وحريات الأطفال في الأمم المتحدة وحدها غير كافية لضمان عدم مضاعفة أعداد الاطفال اللاجئين ومعاناتهم في حال لم يكن هنالك قوانين دولية ملزمة، ويعرض انتهاكها من قبل أطراف النزاعات لمساءلات قانونية وفرض عقوبات دولية تكون رادعة لهم.

تترتب على المعارضة السورية مسؤولية كبيرة إلى جانب مساندة المنظمات الدولية لها في مسألة تعليم الأطفال، فجزء كبير من إنقاذ مجتمع الاطفال اللاجئين تعليمياً يتوقف على المجهودات التطوعية التي تتشكل ضمن تيار المعارضة من أجل فرض الرقابة على أوضاع الأطفال اللاجئين التعليمية ضمن مجتمعات اللجوء، وتجاوز عمليات الرقابة ليكون تيار المعارضة تياراً فاعلاً مباشراً بهذا الشأن عبر طرح مشكلات الأطفال اللاجئين الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية في مجتمعات اللجوء ضمن لقاءاتهم مع المؤسسات الدولية، وعدم الاكتفاء بأدوار المراقبين الدوليين في هذا الجانب.

إن جزءا كبيرا من مستقبل سوريا ما بعد الأسد يتوقف على جيل الأطفال بعد موجة اللجوء الأولى، فهؤلاء هم مستقبل الثورة السورية، وحصولهم على فرص تعليمية في مجتمعاتهم يحفزهم على استرداد حقوقهم في وطنهم، كذلك يساعدهم على الإسهام في بناء سوريا التي أرهقتها الديكتاتورية، وعملية استدامة تعزيز وعيهم في هذا الجانب عبر العملية التعليمية هو ما سينقذ مستقبلهم ويجعلهم جزءا فاعلا في مجتمعات اللجوء، كما سيجعلهم جزءا من استمرارية الثورة، واستعادة الحقوق وعلى رأسها حق العودة إلى سوريا، لذلك فإنه يصبح استثمار المنظمات الدولية واستثمار المعارضة السورية في صيانة حقوق تعليم الأطفال اللاجئين جزءا من عملية التنمية المستدامة لهم ولمجتمعاتهم ولسوريا، وجزءا من الحل المستدام.

* باحثة في العلوم السياسية


التعليقات (0)