هناك بعض الظواهر تتطور بشكل مجنون، ولا يمكن أن يخضع ذلك لمجرد الصدفة، أو الحروب التي مزقت أوصال العالم العربي منذ بدايات القرن الماضي على وجه الخصوص. فما كان مجرد ظنون عامة يفبركها الأفراد لحظة الهزيمة أو الخيبات العامة، أو خيارات شخصية، أصبح حقيقة معممة، وتحول إلى ظاهرة تستحق التأمل.
الكثير من المقالات نزلت مؤخرا، كرد فعل على مقالتي السابقة: «ذاكرة الرواية العربية». أغلب الردود كانت من كتّاب أكن لهم كل الاحترام والمودة، الكثير منهم أصدقاء منذ زمن بعيد، اكتفوا بجزئية صغيرة في المشروع. بدا لأغلبهم أن الجزئية الرواية العراقية أهملت وأقصيت من موسوعة ما تزال في طور النقاش والتكوين.
ليست كتابات البحار جديدة. المدونات القديمة تؤكد وجودها منذ أن بدأ الإنسان ينتقل عبر البحار لأسباب تجارية أو حربية أو غيرها، من خلال المراسلات، وتفسير الخرائط، والتعليقات، والشروحات والحواشي، وأدب الرحلات والملاحم التي تؤكد أن أدب البحار ليس جديدا، منذ الإلياذة والأوديسة، وربما قبلها.
هناك علامات واضحة لمكارثية جديدة بكل معاني الكلمة، ترتسم في الأفق، هي مزيج من الاختلاف الثقافي والحضاري المتطرف، والعنصرية اللغوية والدينية وحتى الإثنية البغيضة. يحاكَم فيها الإنسان على أيديولوجيته، أو على دينه، في ظل عصر يُفترض أن يكون براغماتيا أكثر منه أيديولوجيا.
الحادثة حقيقية وإن بدت خيالية وأسطورية وغريبة أيضا. كيف يمكن لحشرة ضعيفة ليست لها حتى قوة غريغوري صامصا، حشرة كافكا، في روايته «المسخ» أو «التحــــول». حشــــرة عادية نراها، عشرات المرات تمر أمـــام أعيننا، فنعافها وقد ننشها أو نقتلها: الذبابة.
ترامب يصدر قانونا بطرد المسلمين من أمريكا، أو منعهم من الدخول إليها، حتى المعترف بإقامتهم قانونا من حملة الغرين كارد، لتفادي انتشار الإرهاب في أمريكا. ما أشبه البارحة باليوم، ليس في المسار العام فحسب، ولكن أيضا في التفاصيل الخاصة. جاء قرار ترامب تتويجا لمسبقات عنصرية كثيرة على مدار السنوات الأخيرة.
حدثان جريا في يوم واحد، الجمعة 20 كانون الثاني/ يناير 2017. تجاورا بشكل غريب حد التماهي، لا تفصل بينهما إلا المسافات: تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في احتفالية كبيرة منقولة عبر كل شاشات العالم، وتنصيب الرئيس الغامبي أداما بارّو في المنفى كأنه سارق، وهو الذي فاز بانتخابات بلاده بشكل طبيعي.
(سنونوة واحدة لا تصنع ربيعا)، المثل فرنسي، لكنه ينطبق بامتياز على وضعنا الثقافي والإعلامي العربي. يمكننا أن نجادل كثيرا حول جريدة «السفير» التي لم تكن حيادية كلما تعلق الأمر بالفعل القومي، أو من يمثله من الرؤساء والملوك العرب. فلا أحد ينفي أن السفير علامة ثقافية عربية وليست مجرد جريدة يومية.
قبل فترة وجيزة، تلقيت ثلاث دعوات متتالية للمشاركة في اليوم العالمي للغة العربية، الذي يصادف 18 كانون الأول/ ديسمبر. لم أشارك في أي منها، على الرغم من احترامي لهذا اليوم الكبير الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها في ديسمبر 1973، والذي يقر بموجبه إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية.
السينما العظيمة هي سينما النصوص عندما تنجز بشكل جيد ومدروس؛ لأن مساحات التخييل الروائي فيها، والسّنيرة الجيدة للنص المقتبس، توفر إمكانات واسعة للنجاح. لنا في اسم الوردة لأمبرتو إيكو، وإخراج جون جاك آنو، وبطولة شين كونري، مثال نموذجي لنجاح الاقتباس.
هناك ثقافة غريبة أصبحت جزءا حيا من لاوعي المواطن العربي، وتعطيه دفعا داخليا لكي يظل يدور حول نفسه، بلا جدوى، حتى الموت، ظنّا منه أنه يتحرك ليتغيّر ويغيّر من محيطه. ثقافة انغرست حتى أصبح من الصعب على العربي التفكير خارجها. دائرة مغلقة كلّيا.
مثلما الأوضاع الاقتصادية والمالية والسياسية والاجتماعية منهارة عربيا، الأوضاع الثقافية لا تقل تمزقا وتهتكا. فما يحدث اليوم من حروب خداعية تتسع بشكل مخيف في الظل أو في العلن، إذ كلما اجتمع مثقفان في الخلوة كان ثالثهما مثقفا ضحية يجب نهشها، يدفع إلى تأمل استعجالي
ليس عبثا أن يكون المسرح، وهو أبو الفنون تاريخيا، نمطا يتسع لاحتواء بقية الفنون الأخرى. فهو الحد الفاصل، والجامع أيضا، بين الحقيقة والتخييل. حتى ولو كانت المسرحية عمليا تخييلا، فالذين يؤدونها عمليا بشر حقيقيون، يشبهوننا في كل شيء، ويتحدثون معنا بصوت عال. يتلونون بحسب الأدوار الموكولة إليهم.
هناك ظلاميات متعددة متأتية من كل الجهات؛ ظلامية الحركات الإسلاموية المتطرفة التي اختزلت حضارة بكاملها في سلسلة من الممارسات الطقوسية افترضتها أساسية، أدمت المجتمعات الإسلامية قبل أن تتحول إلى إرهاب عابر للقارات. وظلامية العنصرية التي لا تقل خطرا عن الأولى لأنها اختزالية وشديدة الخطورة.