مقالات مختارة

رياء الغرب… تصدير السلاح وجني المال قبل الحق في الحياة

عمرو حمزاوي
1300x600
1300x600

تظل حماية وظائف الأمريكيين العاملين في مصانع إنتاج العتاد العسكري أهم من الدفاع عن الحقوق والحريات في الشرق الأوسط، وتأخذ مواصلة توريد السلاح للمملكة العربية السعودية حتى وإن ثبت تورط حكامها في اختفاء الصحافي جمال خاشقجي مكان الصدارة على سلم أولويات صانع القرار في البيت الأبيض فيما خص إدارة تداعيات الاختفاء ومصير مقيم دائم في الولايات المتحدة. هكذا تحدث دون مواربة دونالد ترامب خلال الأيام الأخيرة، جاهرا بما تستند إليه سياسة حكومته تجاه أوضاع حقوق الإنسان في بلادنا وما تستند إليه أيضا سياسة الحكومات الأوروبية ذات الثقل الدولي على الرغم من إيغال الأوروبيين في إنكار أولوية المال على الحرية في حساباتهم الشرق الأوسطية واجترارهم المستمر لخطاب دعم الديمقراطية خارج ديارهم.


تصدر الحكومات الأمريكية والفرنسية والبريطانية والألمانية والإيطالية السلاح لبلادنا، وتضمن لمصانع العتاد العسكري إبرام عقود سخية مع الحكومات السعودية والإماراتية والمصرية والبحرينية والقطرية وغيرها. ولكي يستمر تدفق مئات المليارات من الدولارات إلى الخزائن الغربية، يصمت رؤساء ورؤساء حكومات «العالم المتحضر» عن استخدام سلاحهم في حرب جائرة على اليمن تشنها السعودية والإمارات وتغض الطرف عن تدهور أوضاع حقوق الإنسان في مصر والبحرين ولا تمانع في توظيف قطر لعقود السلاح كوسيلة لشراء تأييد الغرب.


وفي مواقع شرق أوسطية أخرى، تتجاهل الحكومات الغربية استخدام سلاحهم إما لقتل وقمع وترويع شعب يطالب بحقه في تقرير المصير والانعتاق من الاستعمار الاستيطاني كما في فلسطين أو للضغط العسكري على مجموعات عرقية تنشد اعترافا بهويتها وشيئا من الحكم الذاتي كما هو حال الأكراد في شرق تركيا. لا يتجاهل الغربيون حروب إسرائيل المتتالية على الفلسطينيين ولا الحملات العسكرية المتكررة للجيش التركي في الشرق طمعا في المال، بل تغلب هنا التحالفات الاستراتيجية والمصالح الأمنية على الادعاء الأمريكي والأوروبي الزائف المتعلق بالاهتمام بحقوق الإنسان والحريات. والحصيلة الدامية هي آلاف القتلى من الفلسطينيين ومئات القتلى من الأكراد في حروب وحملات عسكرية، وإفلات إسرائيلي وتركي دائم من العقاب.


لا قيمة لدماء سكان بلادنا المنكوبة بتسلط المستبدين عند الغربيين، ولا وزن لحق العرب في الحياة الآمنة وطلب الحرية وصون الكرامة الإنسانية


في التحليل الأخير، لا تختلف سياسات الحكومات الغربية فيما خص تصدير السلاح لبلدان الشرق الأوسط (وكذلك تصدير تكنولوجيات التعقب الأمني للمعارضين ولأصحاب الآراء التي لا تروق لحكومات بلادنا) عن السياسات الروسية والصينية التي تغرق الأسواق بعتاد عسكري أرخص سعرا ولا ترتفع حفنة من الأصوات داخل برلماناتها مطالبة بالامتناع عن إعطاء السلاح لمنتهكي حقوق الإنسان وقامعي الحريات. فحكومتا روسيا والصين ترتكبان من انتهاكات الحقوق والحريات (من إخفاء المعارضين والصحافيين المشاكسين في روسيا إلى التعقب والتوقيف الجماعيين لمسلمي الايغور في الصين) ما لا يقل كما ولا يتفاوت كيفا عن انتهاكات حكومات الشرق الأوسط، ولم يحدث أن اعتبرت السياسة الخارجية الروسية والصينية بقضايا حقوق الإنسان أو أن ادعت زيفا بحرصها على حريات المواطنين في بلادنا. حكام قمعيون يصدرون السلاح إلى أشباههم بين ظهرانينا دون تحايل أو إنكار أو ضجيج فارغ المضمون في الأروقة البرلمانية.


مثل ذلك الضجيج يظل حاضرا في البرلمانات الأمريكية والأوروبية، حيث ترتفع بين الحين والآخر أصوات تطالب هنا بإلغاء عقود السلاح وهناك بفرض عقوبات على من يستخدمونه في حروب عدوانية أو يوظفونه بقوة مفرطة ضد المدنيين. لا أتقصد أبدا الاستخفاف بالنوايا الطيبة والمواقف المبدئية لأصحاب تلك الأصوات (وهم في الأغلب الأعم برلمانيون ينتمون للأحزاب ذات الميل اليساري)، غير أن فعاليتهم السياسية تتسم بالمحدودية الشديدة نظرا للنفوذ الكاسح للبرلمانيين المرتبطين بجماعات المصالح المؤيدة لتصدير السلاح الغربي وعادة ما تخبو جذوة معارضتهم لصفقات وعقود السلاح إن بعد تمريرها أو ما أن تقترب مواعيد الانتخابات الجديدة وتسيطر على الفضاء العام هواجس الحفاظ على وظائف العاملين في مصانع إنتاج العتاد العسكري.


تستطيع الحكومات الأوروبية ذات الثقل الدولي أن تواصل إنكار أولوية المال على الحرية في حساباتها الشرق أوسطية، وقطعا لن يتوقف إصدار لندن وباريس وبرلين وروما لبيانات فارغة من المضمون تدين الاختفاء القسري للصحافيين وتندد بالحروب العدوانية على اليمن وكذلك ضد الفلسطينيين في غزة والأكراد في شرق تركيا. غير أن عدم اكتراث الرئيس الأمريكي بمقتضيات «المقبول قوله» في الدوائر الدولية وتفكيكه للمتوارث غربيا من ادعاءات الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات عبر الجهر بعدم اهتمامه بها مقارنة بتدفق الأموال إلى خزائن مصانع السلاح وضرورات الحفاظ على وظائف مواطنيه ومساعدة حلفائه الاستراتيجيين، عدم الاكتراث والتفكيك هذان يفضحان رياء الأوروبيين ويظهران بجلاء تناقض سياساتهم وأفعالهم مع بياناتهم العلنية وتصريحاتهم الدبلوماسية التي سأمنا جميعا زيفها وتهافتها. لا قيمة لدماء سكان بلادنا المنكوبة بتسلط المستبدين عند الغربيين، ولا وزن لحق العرب والأكراد وغيرهم من أهل الشرق الأوسط في الحياة الآمنة وطلب الحرية وصون الكرامة الإنسانية إذا ما تعارض مع مقتضيات جني الأموال وحماية مصالح الحكومات الغربية وحلفائها.


عن صحيفة القدس العربي

1
التعليقات (1)
احمد
الثلاثاء، 16-10-2018 02:11 ص
لما الزج باسم تركيا في الموضوع الا يمكن للكرد العيش طمن الوطن الكبير من تمزيق الأوطان ... عمرو حمزاوي ستظل كما انت ...