كتاب عربي 21

دلالة منع القاهرة عقد اجتماعٍ لتكتل جنوبي موال للرئيس هادي

ياسين التميمي
1300x600
1300x600

حتى اللحظة، تبدو الساحة في جنوب اليمن نهباً للقوى الإقليمية والدولية، ولم تتبلور بعد قيادة وطنية جامعة، ولن يتحقق ذلك في المدى المنظور، في ظل التشظي الذي تعاني منه الساحة الجنوبية، مثلها مثل بقية ساحات الصراع في اليمن.

أقول ذلك لأن المبادرة التي دعمها الرئيس لتأمين قيادة جنوبية فاعلة، يفترض بها أن تنهي العبث الحاصل حالياً وتعيد تصويب الوعي الجنوبي نحو الالتحام بالمشروع الوطني اليمني وفي القلب منه استعادة الدولة الاتحادية، قد واجهت أولى التحديات الجوهرية والتي تمثلت في فشل الائتلاف الوطني الجنوبي في الانعقاد بالعاصمة المصرية القاهرة، رغم الموافقة المسبقة من سلطات هذا البلد على عقد الاجتماع.

سلوك السلطات المصرية، جاء حصيلة ضغوط مارستها أبو ظبي عليها للحيلولة دون عقد هذا الاجتماع في القاهرة، وإيعازها كذلك لأدواتها في الجنوب بهاجمة هذا الائتلاف واتهامه بأنه تكتل يمثل الإخوان المسلمين، وهي تهمة تدرك أبو ظبي أنها تسترعي انتباه السلطات الانقلابية في مصر التي تخوض حرباً شرسة ضد الإخون، بعد أن نجحوا بسهولة في تصدر المشهد السياسي المصري إثر أول انتخابات برلمانية ورئاسية حرة ونزيهة تشهدها البلاد منذ العام 1952.

 

يفترض أن تسعى هذه الأطراف، ومعها الشرعية، إلى إيجاد بدائل وخيارات تتناسب وهذا الحصار المتعدد الأبعاد الذي تتعرض له السلطة الشرعية

لم يعد بوسع الأطراف اليمنية المنضوية تحت مظلة الشرعية أن تجد مكاناً لعقد اجتماعاتها، بعد أن تعذر عليها أن تنجز ذلك في الداخل اليمني الذي تتحكم الإمارات والسعودية بمنافذه البرية والبحرية والجوية، ولم يعد بوسع هذه الأطراف أن تعقد اجتماعاتها في العواصم العربية بسبب الضغوط التي تأتي من دول "تحالف دعم الشرعية".


لهذا، يفترض أن تسعى هذه الأطراف، ومعها الشرعية، إلى إيجاد بدائل وخيارات تتناسب وهذا الحصار المتعدد الأبعاد الذي تتعرض له السلطة الشرعية.

على مدى أكثر من ثلاث سنوات، عملت الإمارات على توليف "قيادة جنوبية" من شخصيات أقل شأنا في الحياة العامة، وتنتمي (بالإضافة إلى ذلك) إلى مرجعيات فكرية وجهوية متصارعة، ولم يكن لها حضور مؤثر من قبل على الساحة الجنوبية وفي معارك المواجهة مع الحوثيين، بل إن بعضها كان جزءا من مشروع التحالف القائم بين الحراك الجنوبي والحوثيين برعاية إيرانية، ومع ذلك ما تفتأ هذه القوى والشخصيات تدّعي أنها تمثل الجنوب ومطالبه الأكثر تطرفاً، وهو الانفصال.

 

عملت الإمارات على توليف "قيادة جنوبية" من شخصيات أقل شأنا في الحياة العامة، وتنتمي (بالإضافة إلى ذلك) إلى مرجعيات فكرية وجهوية متصارعة

والأغرب أن الإمارات، وقبل أن تبادر إلى الإتيان بالتوليفة الحالية من القيادات الانفصالية الجنوبية، كانت قد استكملت تأسيس التشكيلات العسكرية والأمنية التي تعمل تحت نفوذها وبتمويل منها، بهدف معلن هو مكافحة "الإرهاب"، وأهداف خفية تتمثل في إنشاء نفوذ جيوسياسي راسخ لها في جنوب اليمن.

وقد سهّل وجود هذه التشكيلات وسيطرتها الأمنية الكاملة على عدن ومعظم المحافظات الجوبية، من إنشاء هيكل سياسي مواز للسلطة الشرعية في الجنوب، يمثله المجلس الانتقالي الجنوبي، وذلك في أيار/ مايو 2016.

لم يعد خافياً إذاً أن الإمارات قد قررت أن تكتفي بتواجد رئيس الحكومة وبعض وزراء الحكومة في عدن، والعمل من العاصمة السياسية المؤقتة. وفي مقابل ذلك، استمرت في وضع الخطوط الحمر أمام عودة الرئيس ونائبه، والشخصيات السياسية التي تنضوي تحت إطار الشرعية.

 

الأمور تتجه نحو تقسيم الدولة اليمنية، خصوصاً أن تحقيق هدف كهذا يتم عبر تفجير الوضع الداخلي، وتكريس حالة عدم الثقة بين المكونات اليمنية وتغذية الصراع فيما بينها

ومن الواضح أن السلوك الإماراتي قد فتح الباب واسعاً أمام حقيقية أساسية لم تعد تحتمل أي تأويل، وهي ان الأمور تتجه نحو تقسيم الدولة اليمنية، خصوصاً أن تحقيق هدف كهذا يتم عبر تفجير الوضع الداخلي، وتكريس حالة عدم الثقة بين المكونات اليمنية وتغذية الصراع فيما بينها، وإضعاف السلطة الشرعية وشل قدرتها على التأثير في كافة المجالات.

وأمام تحد كهذا، أبدى الرئيس هادي للأسف قدراً من عدم الاكتراث، وتثاقل في اتخاذ التدابير رغم العناد الدي اتسم به أداؤه طيلة الفترة الماضية، بل إنه عمل ولدوافع تتعلق بالحرص على نفوذه الشخصي، على إجهاض أكثر من مبادرة لبناء تحالف وطني كان يفترض اليوم أنه قد نجح في تأليف الصف الوطني وجذب القيادات الجنوبية الوازنة لصالح مشروع الدولة اليمنية الاتحادية.

 

أبدى الرئيس هادي قدراً من عدم الاكتراث، وتثاقل في اتخاذ التدابير رغم العناد الدي اتسم به أداؤه طيلة الفترة الماضية، بل إنه عمل ولدوافع تتعلق بالحرص على نفوذه الشخصي

اكتفى هذا الرئيس بإبقاء نظره موجها نحو المهددات التي تقترب من نفوذه الشخصي الذي يمارسه عبر القرارات الرئاسية والموازنة، ومن موقعه الرئاسي الذي بات رمزياً إلى حد كبير.

وأخيراً، سمح لإحدى المبادرات أن ترى النور، وتمثلت في تكوين ائتلاف وطني جنوبي، تحت إشرافه الشخصي وبتدبير من نائب مدير مكتبه للشؤون الاقتصادية، رجل الأعمال أحمد العيسي، المتهم بأنه صاحب النفوذ الأكبر في رئاسة الدولة المقيمة في المهجر.

وبالتأكيد، هذا الائتلاف لا يشكل بديلاً لائتلاف وطني كبير يمثل اليمن من أقصاه إلى أقصاه، ولكنه مهم في سياق المواجهة مع المشروع الإماراتي الذي يريد إغلاق الجنوب على مشروعه الوحيد والخطير؛ الذي يضع على رأس أولوياته الإطاحة بالدولة اليمنية.

خسر الرئيس هادي معركته بسهولة كبيرة أمام التعنت الإماراتي، بعد أن ضاقت القاهرة عن تأمين قاعة اجتماعات لفعالية يمنية تتم بإشراف الرئاسة التي تعترف بها مصر، وبرهن بذلك على كارثية الأداء الرئاسي، وعلى انعدام الخيال السياسي، وأثبت أن دائرة اهتمامه لا تتجاوز الجنوب، وهو اهتمام صحيح أنه يندرج ظاهريا في إطار الحرص على وحدة البلاد عموماً، لكنه في الحقيقة يعكس مخاوف شخصية من الخروج المهين من دائرة النفوذ الجنوبية، رغم كل التسهيلات التي قدمها لشخصيات وقوى تعمل لحساب اللاعبين الإقليميين، من إيران إلى الإمارات.

التعليقات (0)