ملفات وتقارير

كل شيء مباع.. "عربي21" ترصد تغلغل روسيا بالساحل السوري

الجيش الروسي يحظى بنفوذ واسع في الساحل السوري لا سيما في اللاذقية- جيتي
الجيش الروسي يحظى بنفوذ واسع في الساحل السوري لا سيما في اللاذقية- جيتي

شهد الساحل السوري، معقل النظام السوري، تغيرات كبيرة، منذ أواخر أيلول/ سبتمبر 2015، مع بدء تاريخ التدخل الروسي المباشر في سوريا، فتحولت بوصلة الولاء الشعبي في هذه المناطق تدريجيا تجاه موسكو وجنرالاتها وجيشها، بدلا من نظام بشار الأسد.

وترصد "عربي21" في هذا التقرير، حجم النفوذ الروسي المتصاعد في الساحل السوري، الذي حُيد عن الصراع السوري إلى حد كبير، لأسباب كثيرة، من أبرزها اعتباره من الروس، منطقة نفوذ خاصة بهم، مركزها "قاعدة حميميم".

مراكز القوة 

في عام 2016، قررت روسيا توسعة القاعدة العسكرية التي كانت معدة لاستقبال الطائرات المروحية في حميميم، بعد أن وقعت اتفاقا مع النظام السوري في آب/ أغسطس 2015، حصلت فيه على حق استخدام هذه القاعدة دون مقابل، ولأجل غير مسمى.

وتقع قاعدة حميميم بين محافظة اللاذقية ومدينة جبلة، ومنها أقلعت المقاتلات الروسية، ولا تزال، لضرب وتدمير المناطق السورية الخارجة عن سيطرة الأسد، بحجة محاربة "الإرهاب".

وتحتوي القاعدة على تشكيلة واسعة من طرازات الطائرات الروسية العسكرية، إلى جانب منظومات للدفاع الجوي، وأخرى للاتصالات والتجسس والاستطلاع.

 

اقرأ أيضا: روسيا تسيطر على اقتصاد الساحل السوري وتسعى لتوسيع نفوذها

وإلى جانب قاعدة حميميم، أنشأت روسيا قاعدة عسكرية بحرية في طرطوس، تستوعب سفنا حربية  كبيرة.


وخلال عام 2017، تم الإعلان عن توقيع اتفاقية بين موسكو ونظام الأسد، تقضي ببقاء القاعدة الروسية في مدينة طرطوس السورية لمدة 49 عاما، قابلة للتمديد، وتحديثها وتوسعتها لاستيعاب حاملات الطائرات والغواصات النووية.

لماذا الساحل السوري؟

وتحت تأثير عوامل عدة، وقع اختيار روسيا على الساحل، بوابة للتدخل العسكري في سوريا، وفق الباحث المتخصص بالشأن الروسي، الدكتور محمود الحمزة.

وقال الحمزة، من موسكو، لـ"عربي21"، إن روسيا تنظر بأهمية كبيرة إلى الموقع الاستراتيجي للسواحل السورية على الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، مبينا أن "الوصول إلى هذه المنطقة وإقامة قواعد عسكرية فيها، يعد حلما تاريخيا للروس".

وأضاف، أن روسيا تدرك جيدا مدى أهمية أن يكون لها موطئ قدم لها في البحر المتوسط الذي يربط القارات الثلاث (آسيا، أوروبا، أفريقيا)، لأن ذلك يعني تواجد لروسيا في قلب العالم.

وإلى جانب الأهمية الجيوسياسية للساحل السوري، بحسب الحمزة، فإن الجانب الاجتماعي، أي تركز "الطائفة العلوية" في هذه المنطقة، يعد عاملا مساعدا لروسيا للبقاء الطويل المدى في سوريا.

وأكد أن "الوجود الروسي يقابل بترحيب شعبي من الأهالي في الساحل السوري"، متسائلا: "هل كان سيحظى الروس بقبول في إدلب، أو في درعا؟".

 

اقرأ أيضا: مصادر: روسيا تشكل "مليشيات علوية" في الساحل السوري


وذهب إلى حد اعتبار أن الأهالي هناك يرحبون بالوجود الروسي، أكثر من الوجود الإيراني، وذلك بسبب الخلافات العقدية المتجذرة بين الشيعة والطائفة العلوية، وفق قوله.

وفي السياق ذاته، أشار الحمزة إلى وجود عدد كبير من الضباط السوريين من أبناء الساحل السوري الذين تلقوا العلوم العسكرية في الأكاديميات الروسية.

وتشير المعطيات الراهنة التي جمعتها "عربي21" إلى أن روسيا شرعت منذ وصولها الساحل، إلى ترسيخ سيطرتها اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، إلى جانب السيطرة العسكرية.

اقتصاديا

وفي الوقت ذاته، تدير روسيا ميناء طرطوس بشكل شبه كامل، متحكمة بذلك بالصادرات والواردات السورية، بحسب الصحفي السوري حسام الجبلاوي.

وأضاف لـ"عربي21"، أن روسيا قامت بتوقيع اتفاق مع روسيا في تموز/ يوليو، لتوسيع مرفأ طرطوس، ضمن ورقة العمل الخاصة بالتعاون المشترك بين روسيا والنظام السوري.

وأشار الجبلاوي، إلى توجه روسيا مؤخرا لإحكام السيطرة على مرفأ اللاذقية، وذلك لقطع الطريق على إيران التي بدأت بالتخطيط للسيطرة عليه.

 

نفوذ بخطوط حمر

وقبل مدة وجيزة، تداولت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، صورة لوثيقة تكشف عن قيام النظام السوري بتشكيل فريق عمل استشاري، بهدف التباحث مع الجانب الإيراني بخصوص إعداد "مسودة عقد" لإدارة المرفأ من قبل إيران، التي تسعى إلى جعل المرفأ منفذا لها على البحر المتوسط.

وبعيد الكشف عن تلك الوثيقة، أعلنت روسيا عن عزمها إرسال فرق للتنقيب عن الآثار الغارقة في السواحل السورية، الأمر الذي فسره ناشطون حينها، بأنه رسالة من موسكو لطهران، مفادها أن الاقتراب من الساحل السوري خط أحمر.

 

وفي تعليقه على ذلك، استبعد الجبلاوي أن تسمح روسيا لإيران بمنافستها على منطقة نفوذها الرئيسية في سوريا (الساحل السوري)، معتبرا أن "الساحل السوري كان الثمن الذي قدمه الأسد للروس، مقابل مساندته عسكريا وسياسيا".

 

إدارة الموانئ السورية

ولفت الجبلاوي، إلى إنشاء شركة شحن بري تربط جمهورية القرم مع سوريا، موضحا أن الشركة تقوم بشحن الحبوب الروسية إلى سوريا، ونقل الحمضيات التي تنتج بكثرة في الساحل السوري إلى السوق الروسية.

وكانت إدارة مرفأ طرطوس أعلنت في حزيران/ يونيو الماضي، وصول أول شحنة حبوب روسية، من جزيرة القرم إلى ميناء طرطوس، موضحة أن عملية شحن الحبوب تمت من ميناء سيفاستوبول البحري (الواقع في شبه جزيرة القرم)، وذلك في إطار اتفاق التعاون بين ميناءي طرطوس وسيفاستوبول، كاشفة عن وجود خطط لشحن 200 ألف طن حبوب خلال عام.

وإلى جانب إدارتها للموانئ السورية، أعطت روسيا لشركاتها امتيازات لتطوير المشاريع السياحية في الساحل السوري.

وكشفت وسائل إعلام روسية عن اعتزام شركات روسية تأهيل قرية المنارة السياحية بمحافظة طرطوس، وذكرت أن كلفة المشروع تبلغ حوالي 90 مليون دولار، موضحة أن المشروع هو عبارة عن مشروع لفندق 5 نجوم يقع على شاطئ مدينة طرطوس، يتضمن أسواق تجارية ومول تجاري ومسابح وملاعب أطفال وفيلات وصالة مؤتمرات.

وبحسب قناة "روسيا اليوم"، فإن المشروع مقدمة لمشاريع سياحية أخرى ستقام بالتعاون بين البلدين، حيث دخلت 80 شركة استثمار روسية إلى سوريا منذ مطلع 2018 الجاري للتعرف على واقع الاستثمار على الأراضي.

يضاف إلى ما سبق، قيام النظام بمنح عقود استثمارية لشركات نفط روسية، تقضي بمنح الأخيرة حقوق التنقيب عن النفط والغاز في الساحل السوري، لمدة 25 عاما.

وذهبت بعض التحليلات إلى القول بأن "النظام باع كل شيء في الساحل السوري لروسيا، مقابل ضمان البقاء في الحكم".

نفوذ اجتماعي وثقافي

وعلى الصعيد الاجتماعي، يقول ناشطون إن روسيا تستغل حاجة الأهالي، والأوضاع الاقتصادية المتردية، لتنشط داخل المجتمع السوري في الساحل، من خلال توزيع الحصص الإغاثية.

وقال مصدر من اللاذقية، لـ"عربي21"، إن النفوذ الروسي لا يقتصر على الشأن العسكري، وإنما يتعداه إلى الجانب الاجتماعي والثقافي.

وأضاف أن المعاهد التي تعلم اللغة الروسية تنتشر انتشارا كبيرا في الساحل السوري، لما تلقاه من إقبال متزايد من الأهالي على تعلم اللغة الروسية.

ومن خلال تتبع "عربي21" للنشاطات الروسية الثقافية في الساحل السوري، اتضح قيام المركز الثقافي الروسي (مقره دمشق) بالعديد من النشاطات الثقافية، وآخرها إحياء فرقة "يارمركا" الموسيقية الروسية للرقص الشعبي بالتعاون مع فرق راقصة أخرى تابعة للجالية الروسية حفلات في طرطوس واللاذقية، في آذار/ مارس الماضي.

وبهذا الخصوص أوضح المصدر، أن الثقافة الروسية باتت المسيطرة على عقول الشباب واليافعين، مشيرا إلى ظهور العديد من المشاهد التي توضح حجم "الغزو الثقافي الروسي"، منها الاستماع إلى الموسيقا الروسية، وكذلك تقديم الوجبات الروسية في العديد من المطاعم التي سميت بأسماء روسية، منهيا بالإشارة إلى أن مشاهد تجول الجنود الروس في مدن الساحل السوري باتت أمرا اعتياديا.

التعليقات (1)
محمود
الثلاثاء، 02-04-2019 11:48 م
كل الي بنته روسيا بلحظة وبقرار أمريكي للنظام السوري طلبه من روسيا ان تخرج ستخرج كما حصل مع مصر أيام حكم السادات بعد عبدالناصر فطلب منها ان تخرج من مصر فخرجت وكانت وقتها الاتحاد السوفيتي .