كتاب عربي 21

هل يتكرر السيناريو في السودان؟

عبد الرحمن يوسف
1300x600
1300x600

ما أكثر العِبَر، وما أقل المعتبرين!

كتاب الثورة المصرية مفتوح للمعتبرين، ولا أحد يريد أن يقرأه!

كان كتابا مذاعا على الهواء مباشرة.. إنها أعوام مشحونة بآلاف العظات، كتاب الثورة المصرية الممتد، بكل ما فيه من آلام وآمال، وبكل ما فيه من عناء ودماء، وبكل ما فيه من انتصارات وانكسارات.

في مصر أوحى العساكر للإخوان المسلمين بأنهم حلفاؤهم من دون الليبراليين، تماما كما يفعل عسكر السودان اليوم مع الشيوعيين السودانيين، وفي النهاية لا هدف للعساكر سوى أن يأكلوا الجميع.

تصدر مجموعة من "غير الإسلاميين" للحراك السوداني ودعواتهم لاستئصال "الكيزان"، وتعميمات بعض متطرفيهم بضرورة القضاء على التيار الإسلامي كله، والتصريحات العلنية المضادة للشريعة، كل ذلك دعوة صريحة للتيار الإسلامي للتحرك وفق أجندات خاصة بالتيار الإسلامي فقط. ولعل المسيرة التي خرجت يوم الجمعة الماضي مطالبة بالحفاظ على الشريعة ورافضة اتفاق المجلس العسكري مع قوى التغيير؛ هي باكورة التحركات الاستقطابية العلنية.

 

تعميمات بعض متطرفيهم بضرورة القضاء على التيار الإسلامي كله، والتصريحات العلنية المضادة للشريعة، كل ذلك دعوة صريحة للتيار الإسلامي للتحرك وفق أجندات خاصة بالتيار الإسلامي فقط

مشاركة غالبية مكونات التيار الإسلامي في مشهد الثورة السودانية أمر لا خلاف عليه، وإنكار ذلك أو تجاهله ليس سوى دعوة مجانية لاستقطاب سياسي يسهل اختطاف الثورة داخليا وإقليميا.

* * *

إن المؤامرة (الإقليمية) على الثورة السودانية أوضح من أن توضح، والغريب أن بعض مكونات الحراك الثوري تسهل مهمة التدخل الإقليمي، فبدلا من توحيد الصف الثوري نرى البعض يصر على إثارة قضايا أيديولوجية لا محل لها من الثورة، والبعض يمارس نهجا إقصائيا يؤدي إلى تفتيت الصف، وتسهيل القضاء على الجميع.

لقد حدث هذا في مصر، بدأ الإسلاميون بالتقارب مع العسكر، وفي النهاية كان مصيرهم معروفا، وأصبحت مصر مجرد بيدق في رقعة شطرنج يحركه تارة الإمارات أو السعودية أو إسرائيل أو أمريكا، فلا الشريعة حكمت، ولا الدولة المدنية تحققت، بل أصبحت مصر تحت حكم فاشية عسكرية على رأسها عميل إسرائيلي لا يخجل من عمالته.

اقرأوا كتاب الثورة المصرية يا قوم.. فوالله إن فيه لعبرا تغنيكم عن كثير مما أنتم فيه اليوم.

* * *

يظن البعض أن السودان في انتظار "سيسي" جديد، وهذا احتمال، ولكنه في رأيي احتمال مرجوح، والاحتمال الراجح أن السودان (إذا لم ينتبه الشعب لما يحاك) سيكون في انتظار "حفتر" سوداني!

إن تكوين السودان القبلي، والنعرات التي يمكن تغذيتها بين مناطق السودان المختلفة، ووجود أكثر من مؤسسة تحمل السلاح (الجيش، وقوات الدعم السريع، وما خفي أعظم)، والوضع الاقتصادي المزري الذي تمر به البلاد، سيجعل السودان اليوم عرضة للابتزاز الإقليمي الذي قد يؤدي في النهاية إلى حرب أهلية، أو إلى تفتيت البلاد.

 

يظن البعض أن السودان في انتظار "سيسي" جديد، وهذا احتمال، ولكنه في رأيي احتمال مرجوح، والاحتمال الراجح أن السودان (إذا لم ينتبه الشعب لما يحاك) سيكون في انتظار "حفتر" سوداني! إ

إن وجود قوات للجيش السوداني خارج حدود البلاد يجعل التدخلات الإقليمية تتسم بخشونة أكبر، واستمرار هذه القوات في موقعها ليس سوى إجهاض للثورة، وسحب هذه القوات سيكون بمثابة إعلان حرب مبكر على حلف الثورة المضادة.

هذه التحديات الكبيرة لا يمكن أن تخاض بميدان منقسم على نفسه، وبثوار يعير بعضهم بعضا بأنهم "كيزان" أو "شيوعيون".

هذه التحديات تحتاج إلى قيادة تستطيع أن تستثمر هذا الحراك الجماهيري العظيم، لتحقيق تحول ديمقراطي، واستقلال وطني، وإلا فالبديل سيكون أسوأ مما يظن الجميع.

إن النخب السودانية اليوم لا بد أن تكون عند حسن ظن الأمة، ليس الأمة السودانية فحسب، بل الأمر أكبر؛ لأن نجاح التجربة سيؤثر على الإقليم كله، والعكس بالعكس أيضا.

 

هذه التحديات تحتاج إلى قيادة تستطيع أن تستثمر هذا الحراك الجماهيري العظيم، لتحقيق تحول ديمقراطي، واستقلال وطني، وإلا فالبديل سيكون أسوأ مما يظن الجميع

* * *

قد يلوم البعض الكاتب على لغته الحادة، أو لهجته المتشائمة، ولكن.. هذا حال الشعراء دوما، ولعل هذه اللهجة تسمع بعض الذين يظنون أن في الأمر فسحة، وأن مساحة المناورة كبيرة، ذلك أن نشوة الانتصارات الكبيرة تعمي العين عن رؤية التحديات المتتالية.

هذا ما حدث لنا في مصر، حين نجحنا في خلع مبارك أعمانا حجم الانتصار عن رؤية كثير مما يحاك في الظلام.. لم نكن نتوقع أن هذا الانتصار الكبير ليس إلا خطوة صغيرة جدا في مسيرة صعبة، وحين ظهرت لنا تلك المؤامرات لم يكن من الممكن مواجهتها بكفاءة، بعد أن أصبح رفقاء الميدان أعداء يرمي بعضهم بعضا بأبشع الاتهامات، ويحمل بعضهم البعض نتيجة الدماء التي سالت، والأعراض التي انتهكت، والفرص التي أهدرت.

* * *

كلمتي الأخيرة... أوجهها للذين سيقولون "لا تتحدث في الشأن السوداني، أنت لست سودانيا، ولا تعرف تعقيدات المشهد السوداني ... والخ... الخ"!

أقول: بالنسبة لي لا مجال لهذه الحساسيات، حبنا للسودان وأهله هو ما يدفعنا إلى الجهر بمثل هذه النصائح، والله وحده يشهد أننا لا نتحدث من منطق التعالي أو التعالم، بل نتحدث بلغة "النذير العريان" كما قالت العرب. إننا نصرخ في كل إخوتنا العرب، ونرفع أصواتنا لكل الشعوب التي بدأت مسيرة التغيير... لا تسقطوا في الحفرة التي سقطنا فيها!

ولا أظن أن هناك عاقلا يرى في ذلك عيبا!

نقول ذلك لإخوتنا في السودان، وفي ليبيا، وفي اليمن، وفي الجزائر وفي كل مكان... نقول ذلك بكل تواضع، فإن أصبنا فبها ونعمت، وإن أخطأنا فمن أنفسنا!

موقع الكتروني: www.arahman.net
بريد الكتروني: [email protected]

التعليقات (6)
محمود المصري
الإثنين، 20-05-2019 10:57 م
يا دكتور وليد الخير الاسلاميين الذين يقصدهم الاستاذ عبدالرحمن هم الاخوان المسلمون بني جلدته . اما عن انك اول مرة تعرف ان للاخوان سلاح طيران ,, و تضيف ان ما تعرفه ان البشير تخلص منهم اي و استفرد بالحكم فاود ان اشير الي ان حكومة البشير اخوانية و جيشه الذى به سلاح طيران يقصف اهل جبال النوبة اخواني , لم يتخلص البشير من الاخوان , هم كانوا في حكومته الي اخر يوم .
Dr. Walid Khier
الإثنين، 20-05-2019 02:16 م
إلي محمود المصري: خلاص بلاها اخوان..... لكن هل كل الاسلاميين اخوان؟ خلاص بلاها اسلاميين.... لكن إشرح لنا كيف سيتمكن السودانيون من تجنب الإستقطاب الذي سيؤدي حتماً لركوب العسكر. وعلى فكرة، أول مرة أعرف أن الاخوان لهم سلاح طيران. ما أعرفه أن البشير تخلص منهم جميعاً واستفرد بالحكم.
محمود المصري
الإثنين، 20-05-2019 11:23 ص
للاسف تحدث الاستاذ عبدالرحمن من نظرته الاخوانية للامور و هذه ماساة العقل العربي عموما . كان تواجد التيار الاسلامي في الحراك الحالي ضعيف جدا جدا , بل العكس لقد اصطف الاسلاميون ضد رغبة الشعب السوداني ايما صطفاف و قتل امنهم المتوحش اكثر من مائه متظاهر سلمي في الثورة الحالية , و كانما 30 عاما من الحكم الاخواني ليس كافيا . تحدث ايضا الاستاذ عبدالرحمن عن الاقصاء الذى يمارس علي التيار الاسلامي في السودان و عن امكانية صنع اما سيسي او حفتر جديد في مقبل الايام . لكان الرجل كان في رحلة خارجية خارج كوكبنا خلال الثلاثين سنة الماضية . لقد مارس اخوان السودن المسلمين اخوان عبدالرحمن يوسف في التنظيم كل انواع الاقصاء و التهميش علي الشعب السوداني بكل اطيافه , و يكفي ان تعلم ان نظام الانقاذ الاخواني البغيض في الفترة من 1989 و حتي العام 1997 احال مليون موظف سوداني للصالح العام , اي حوالي خمس مليون تم القذ بهم الي المجهول ,, لا لشىء سوي ورود التقارير عن انهم ليسوا اخوانا مسلمين ؟؟ قال اقصاء للاسلاميين قال .. احب ان اذكر لك يا ايها الاخواني الشاعر بعض منجزات اخوانكم المسلمين و مخازيهم في السودان .. في حرب الجنوب التي قالوا انها جهاد ازهقت ارواح 2 مليون انسان الغالبية العظمي منهم من ابناء الجنوب . هذا الجهاد قاد الي انجاز اخر هو فصل ثلث مساحة السودان في العام 2011 . مارست قوات امن النظام الاخواني السوداني كل انواع التنكيل و التعذيب و التقتيل ضد مواطني دارفور و كانت النتيجة ان قتل خلال اقل من خمس اعوام حوالي 300 الف مواطن اعزل من ابناء دارفور صاحب اعلي نسبة لحفظة القران الكريم في السوادن .منذ العام 2011 و حتي اواخر العام الماضي ظل سلاح جو جيش نظام اخوان السودان تقصف يوميا المواطنين العزل في مناطق جبال النوبة و قتلت و شردت مئات الالاف منهم . تمت سرقة خيرات السودان و امواله من قبل الحزب الحاكم و يكفي ان تعلم ان ممتلكات حزب الاخوان المسلمين الحاكم بالسودان تبلغ 30 مليار دولار تم نهبها من خزينة السودان المغلوب علي امره . اوضحت عدة وكالات انباء و صحيفة الاندبندنت ان احد اخوان السودان المسلمين و هو عوض الجاز وزير النفط السابق يملك ارصدة في بنوك اوربا باسمه تبلغ 64 مليار دولار . بعد الاطاحة بنجيب عبدالرزاق في ماليزيا علي اثر فضائحه المالية , فتحت كل ملفات الفساد علي مصراعيها . حينما تقدم الحزب الحاكم قبل سقوطه باشهر الي ماليزيا طلبا للعون المالي ابدى احد المسؤولين الكبار في الحكومة الماليزية دهشته لان عددا من المسؤولين في الحزب الحاكم السوداني لديهم ارصدة في بنوك ماليزيا يكفي مجموعها شراء اصول شركة بتروناس الماليزية . اما عن قولك عن ان من المتوقع ميلاد سيسي او حفتر جديد في السودان , فاحب ان اشير اليك ان المشير البشير المخلوع الذى سام السودانيين و السودان سوء العذاب و قتل الملايين و اخرهم شهداء الثورة السودانية العظيمة هو و ان كان يتبع للمؤسسة العسكرية فانه ايضا اخ مسلم و اكثر من 80 بالمائه من ضبط الجيش السوادني هم اخوان مسلمون . اذن لن يصنع اي حفتر او اي سيسي سوداني افظع مما صنع البشير الاخواني و جيشه الاخواني و حزبه الاخواني . ادعوك الي القراءة بترو عن الشان السوداني و الابتعاد عن العاطفة حين تناول هذا الشان فان عينك عن كل عيب للاسلاميين كليلة ,, و لكنها لمعارضيهم المغلوبين علي امرهم تبدي المساويا . قال اقصاء للاسلاميين قال .
الله العزيز
الأحد، 19-05-2019 11:57 م
الحراك السوداني مركوب عليه، الإعلان الدستوري المقدم من الحرية والتغيير يقول ذلك، في الأعلى بسم الله الرحمن الرحيم والباقي كلام أخر، الحرية والتغيير تقول الأعلان الدستوري هو هو، ولماذا ذكرتم بسم الله الرحمن الرحيم وبعدها كتبتم مشرحة وسكين وسطور.
مصري جدا
الأحد، 19-05-2019 07:36 م
من يومها الأول في السودان والجزائر وأنا أتوقع تكرار السيناريو المصري تارة مشوه وتارة نسخة طبق الأصل ،،، انها إشكالية طبيعة وعقول سكان هذه المنطقة من العالم ،، حيث أنهم لا يملكون عقول بل بقايا عقول ،،، لذا فهم جميعا دون استثناء يلدغون من نفس الجحر الف مرة ثم يعودون إليه للمرة الواحد بعد الألف ،،، سيدي لا امل إلا بجيل جديد ونخبة جديدة وقواعد لعب ومشاركة جديدة ،، نعم لا امل ولا رهان على احد ،،