ملفات وتقارير

الإنجليزية مكان الفرنسية في الجزائر.. شعبوية أم تحوّل حقيقي؟

 فكرة التمكين للإنجليزية في الجامعات رغم النقد الموجه لها تجد جاذبية عند كثير من الشباب الجزائريين
فكرة التمكين للإنجليزية في الجامعات رغم النقد الموجه لها تجد جاذبية عند كثير من الشباب الجزائريين
صنع وزير التعليم العالي الجزائري، الطيب بوزيد، لنفسه حضورا بين باقي أعضاء الحكومة في الجزائر بإحيائه فكرة أن تحل اللغة الإنجليزية مكان الفرنسية في التدريس والبحث العلمي بالجامعات.

ويحاول الوزير اتخاذ قرارات تدعم فكرته، التي أصبحت مثارا للجدل، فوجّه قبل يومين تعليماته إلى رؤساء الجامعات تُطالبهم بكتابة ترويسة الوثائق الرسمية والإدارية باللغتين العربية والإنجليزية.

وقبل ذلك، أطلق الوزير سبر آراء على صفحته على فيسبوك حول الموقف من تعزيز اللغة الإنجليزية في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، ثم نشر نتائجه التي جاءت بنسبة 94.4 بالمئة لصالح هذا المشروع، مع رفض 5.6 بالمئة فقط.

لكن هذا الموضوع رغم أنه في ظاهره علمي، سرعان ما تحول في الجزائر إلى نقاش أيديولوجي حاد بين المدافعين عن الإنجليزية بدافع العداء للنخبة المتكلمة بالفرنسية، والرافضين لتهميش لغة فولتير كُرها في التيار العروبي والإسلامي الذي يحاول القضاء عليها.

وظهر منتقدون لقرارات وزير التعليم العالي؛ لأنها تتعامل، حسبهم، بمنطق شعبوي مع قضية بالغة الحساسية، من خلال محاولة استمالة شريحة في المجتمع لأغراض سياسية بالنظر إلى الرفض الشعبي الذي تواجهه الحكومة الحالية الموروثة عن نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

"مناورة أيديولوجية"

ويعتقد سفيان جيلالي، رئيس حزب جيل جديد، بأن ما يجري هو مناورة سياسية من النظام القائم لمحاولة استغلال الشعور العدائي الموجود في الجزائر اتجاه فرنسا، لكسب مساحات من التعاطف.

ويقر جيلالي الذي كتب في المسألة اللغوية، بأن الجامعات الجزائرية بحاجة لتطوير استعمال الإنجليزية بها كونها اللغة الأولى في مصادر البحث بالعالم، إلا أن ذلك يجب ألّا يكون وفق منطقي أيديولوجي يقصي لغات أخرى.

ويبرز جيلالي في حديثه مع "عربي21" بأنه ينبغي التعامل مع الحقائق التاريخية في الجزائر، فالفرنسية يمكن اعتبارها "غنيمة حرب، كما قال الروائي الجزائري كاتب ياسين، وهي تفتح أمامنا أبوابا لا تفتحها اللغة العربية، تماما مثلما تفتح الإنجليزية آفاقا جديدة لا توفرها الفرنسية المتراجعة عالميا".

ويشير المتحدث إلى أن "هناك خلطا متعمدا بين فرنسا واللغة الفرنسية، يتم توظيفه سياسيا من قبل السلطة التي تحاول بناء نموذج للوطنية مبني على العداء لفرنسا أو من طرف تيارات سياسية تحاول أن تربط الفرنسية بمشرع التغريب".

"عطش الشباب"

لكن فكرة التمكين للإنجليزية في الجامعات، رغم النقد الموجه لها، تجد جاذبية عند كثير من الشباب الجزائريين الذين يربطون بين تراجع مستوى التعليم الجامعي وبين عدم الانفتاح على لغة العلم والبحث الأولى في العالم، ما يجعل الجامعات الجزائرية في العادة خارج التصنيفات الدولية.

ويظهر العطش للإنجليزية في الإقبال الكبير على المركز الثقافي البريطاني ومركز اللغة بالسفارة الأمريكية والمدارس الخاصة التي تقدم دروسا في هذه اللغة، لكن الإشكال يبقى في أن هذا المنتوج ليس متاحا سوى للفئات الميسورة.

ويقول المدون والناشط السياسي، عتيق حمزة، إن مصدر هذه الجاذبية "يكمن في أن الإنجليزية تفرض نفسها بقوة أدواتها وقوة المنتجات العابرة للحدود، حيث خلق الفن والسينما والألعاب الإلكترونية جيلا يميل للغة شكسبير أكثر، بينما أصبحت الفرنسية محصورة لدى جيل الكهول والمسنين".

ويرى عتيق في حديثه مع "عربي21" أن "الجيل القادم لديه قابلية للتعامل مع الإنجليزية؛ لأن كل المقومات مهيأة لذلك، من بحث علمي وفن وثقافة وريادة أعمال وسفريات وتقنية".

ويضيف أنه لن تكون هناك مشكلة أمام الإنجليزية سوى لجزء له منطلق أيديولوجي وهناك جزء له علاقة بالعمر، وهم من درس التعليم بالفرنسية في سبعينات القرن الماضي.

"غياب الجدية"

لكن هل تمتلك الجزائر فعلا مشروعا واضحا لإحلال الإنجليزية؟ يجيب الباحث المعروف في علم الاجتماع ناصر جابي عن هذا السؤال بالنفي، "لأنه لا يمكن تغيير لغة بين عشية وضحاها حسب المزاج والاعتماد على استطلاع للرأي بمقاييس غير علمية على مواقع التواصل الاجتماعي".

ويلمح جابي في حديثه مع "عربي21" طابع "عدم الجدية" في قرار الوزير كتابة الترويسة في مقدمات الوثائق الرسمية باللغة الإنجليزية، متسائلا: "هل هذا بإمكانه نقل الجزائر إلى مصاف الدولة الناطقة بالإنجليزية؟".

ويقول جابي، الذي استقال من الجامعة قبل سنة؛ احتجاجا على أوضاع التدريس بها، إن قرارا كبيرا كاستبدالنا بالفرنسية الإنجليزية في التعليم العالي لا يمكن اتخاذه إلا على المدى الطويل، وتسبقه دراسات معمقة في مجالات متداخلة اجتماعية ونفسية واقتصادية، لأن الأمر يتعلق بتغيير كامل لمنظومة متوارثة منذ الاستقلال".

التجربة المغربية

ويعتقد جابي بأن دوافع ما يقوم به الوزير تصب في اتجاه الرغبة لتحوير أنظار الرأي العام، وخلق بؤر توتر بالاعتماد على المواضيع اللغوية المُختلف فيها، من أجل إبعاد الناس عن قضية التغيير الجذري المركزية في الوقت الحالي.

ويرى الباحث في علم الاجتماع، أن الأسباب التي تُحوّل قضايا اللغة إلى مادة للاستقطاب الأيديولوجي تكمن في أن الجزائر لم تحلّ هذا المشكل المتوارث منذ الاستقلال، من خلال فتح نقاش جاد حوله، وإبقائه رهينة قرارات يتخذها أشخاص موجودون في مراكز المسؤولية، رغم أنه موضوع يهم المجتمع بأكمله.

وينظر جابي عكس ذلك، بإعجاب لما تقوم به المغرب التي ناقش برلمانها مسألة تدريس المواد العلمية باللغات الأجنبية بكل حرية، وهو ما تحتاجه الجزائر، حسب رأيه، إذا أرادت تجاوز الإشكال اللغوي.

ويرفض التيار الإسلامي والعروبي بشكل مطلق أي عودة عن مكتسبات سياسة التعريب التي انتهجها الرئيس الراحل هواري بومدين في التعليم، ويطالب أنصار هذا التيار باستكمال القضاء على بؤر استعمال الفرنسية في الوزارات والإدارات وبعض شعب التعليم الجامعية، ما يجعل من المستبعد، وفق آراء أخرى، مناقشة هذه المسألة على الطريقة المغربية.
التعليقات (3)
حسان رقاني
الأربعاء، 24-07-2019 01:54 ص
نعم رغم ان المغرب يناقش هذه المواضيع في جلسات مفنوحة الا انه و بالرغم من معارضة الاغلبية الساحقة لاستعمال اللغة الفرنسية في تدريس المواد الاساسية الا ان القانون اصدر اذا ما فائدة اعجابك بهم
ناقد لا حاقد
الأربعاء، 24-07-2019 01:20 ص
البارحة العلم الامازيغي و اليوم اللغة الانجليزية مسرحية ركيكة بطلها النظام الفاسد
adem
الثلاثاء، 23-07-2019 10:15 م
بعيدا عن السياسة و الإديولوجية هل نريد لتعليمنا السير إلى الأمام في محاولة للحاق بركب التقدم العلمي أم لا ؟ بحجة استحالة ذلك باللغة العربية ؟!!! كيف يتحقق الأمر ؟ مؤيدوا الفرنسية أقلية ثقافية إيديولوجية سياسية بينما مؤيدي الانجليزية أغلبية ثقافية ايديولوجية سياسية ، الفريق الأول متمسك بقناعته مستبد في محاولة فرض رأيه بعيدا عن الشعب ،الفريق الثاني متمسك بقناعته خلافا للفريق الأول يقبل تحكيم الشعب في القضية أو على أقل تقدير منح حرية الاختيار بين اللغتين للطلبة و النتيجة حينها ستكون للانجليزية بحكم ربط الكثيرين بين الاستعمار و الفرنسية .