قضايا وآراء

محور الشر إلى زوال

محمد شريف كامل
1300x600
1300x600
تعيش المنطقة العربية الآن أسوأ عصورها، حيث ضاعت الحقوق وقسمت الشعوب، بل وقسمت العائلات، ولم يكن ذلك أمرا مفاجئا أو وليد مصادفة، بل هو نتاج تدبير محكم قام به أعداء الأمة في الداخل والخارج.

تدبير قامت به أنظمة عربية اعتادت الوقوف ضد مصالح شعوبها وضد مشروعات النهضة والرقي، فلم يكن آل سعود إلا عونا للاستعمار والصهيونية العالمية منذ نشأت دولتهم وحتى يومنا هذا. فقد تظاهروا بالوقوف مع الحق ليعينوا على وأده، وتظاهروا بالدفاع عن مصالح ليضمنوا عدم تحقيقها.

ثم انضم لهم أبناء زايد ليزيدوا من المأساة ويبددوا ثروات العرب، بالمشاركة مع آل سعود وباقي الحكام الفسدة في المنطقة. إن ما يقوم به أبناء سعود وأبناء زايد ليس من باب الجهل، وليست نزوات شباب طائش، كما يحلو للبعض تصويرها، بل هي حملة منظمة تؤتى ثمارها وتحقق أهدافها، وقد عادت على الأمة بالخراب.

إن مثلثهم الذي يكتمل بدحلان (حلقة الوصل مع أبناء صهيون) وبعض توابعهم؛ يمثل أداة تخريب لا يسلم منها أي مدافع عن حق، وكل من يسعى للتغير والنهوض. لقد وقفوا ضد الثورات العربية، وامتلأت قلوبهم غلا وحقدا لمجرد أنه قد لاح في الأفق احتمال نجاح تلك الثورات، وأن بداية نهضة بعض الدول، كتركيا وقطر، وتحرر مصر، قد تنعكس على باقي المنطقة العربية، ليخسر أبناء سعود وأبناء زايد ملكهم وما تم تنشئتهم من أجله.

فكان وما زال سعيهم لترتيب الانقلابات في مصر وتركيا، وغيرها كثير، وافتعالهم حرب اليمن ليدمروه وليحولوا البحر الأحمر من بحيرة عربية صامدة من تيران وصنافير إلى باب المندب؛ إلى بحيرة صهيونية تسيطر عليها أذرعة من الحكام العرب. وقد بدأ مخططهم يجني ثماره بتقسيم اليمن، وأعتقد أن ترحيل اليمنيين من الجنوب للشمال بينما تدعي الإمارات سحب قواتها هو أكبر دليل على ذلك، فقد أبرمت اتفاقا مع الحوثيين بترك شمال اليمن لهم واستقطاع جنوب اليمن ليصبح منطقة نفوذ إماراتية تضمن به إحكام السيطرة على باب المندب من الجنوب، وللسعودية السيطرة عليه من تيران وصنافير في الشمال.

والمأساة مستمرة على كل الدروب بمشاركتهم المباشرة في محاولة تدمير ثورات الجزائر والسودان وليبيا وتونس، وحصار شعب فلسطين، ناهيك عن إفشالهم المتعمد للثورة السورية، وما كل هذا إلا صورة جلية لما ينضح به إناء الشر.

ولم يكن حصار قطر الذي دخل عامه الثالث إلا قمة جبل الثلج، أو بالأصح قمة جبل القمامة الذي أصاب منطقتنا بما لم يتوقعه أحد؛ من تزييف حقائق وشتات عائلات بين حدود اصطناعية، وطعن في أقرب الناس إليهم لصالح منظومة البلطجة برئاسة ترامب؛ منظومة تستنفد موارد منطقة بأسرها لصالح الصهيونية العالمية وحسابات ترامب الشخصية وحكام العرب المستبدين.

إن صمود شعب قطر وقدراته على تحويل الحصار إلى نقطة انطلاق للأفضل أمام منظومة حصار ظالمة؛ يعتبر مثلا حيا ودليلا على أن الشعب العربي قادر على تحدي الصعاب، وقادر على الصمود وبناء مستقبل مشرق إذا تسلم قيادته من يعمل لصالحه. فحصار قطر أسقط دعاوى الظالمين من أنهم هم آلهة الخير، وأثبت أن الخير والحق قادران على التغيير ورفض الواقع المظلم المفروض عليه.

وما رأيناه منذ ثلاث سنوات من تصدى الشعب التركي الأعزل لانقلاب موّله وخطط له شياطين الجزيرة العربية والخليج، وحصارهم غير المُعلَن، ليس إلا دليلا آخر على قدرة الشعوب على التصدي حين تحس الخطر وتدركه، وتعلم كيف تتعامل معها قبل أن يطيح بها.

وعلى الجانب الآخر، فإن استمرار أبناء سعود وأبناء زايد في وقوفهم صفا واحدا خلف الفساد والديكتاتوريات؛ ما هو إلا مثال حي على مشروع إفساد الأمة، والذي يشارك فيه سيسي مصر بكل إمكانياته، حيث أضاع ثرواتها الطبيعية، ويدمر ما بقي من ثروتها البشرية، ويستهلك كل قرش في جيوب المصريين لتدمير ما بقي منها.

وما زالت قوى الشر تلوّح بالخطر القادم من إيران، ففتحت خزانتها لمصانع السلاح لتستنفد ثرواتها، متوهمة أن ترامب الذي أعانته للوصول للحكم سوف يحارب إيران ويدمرها كما فعل سابقوه بالعراق، ولم يدرك هؤلاء أن الولايات المتحدة السابقة قد ولت للأبد، فإن ذلك البلطحي ساكن البيت الأبيض ليس الكاوبوي الأمريكي الأرعن، بل هو السمسار البلطجي الذي لا يدفع أي قرش ولا يضحي بأي شيء، ولكنه يُتقن ابتزاز ضحيته حتى آخر قرش في جيب رواد حانته.

ولا دليل على ذلك أكبر من هرولة الإمارات للتفاهم مع إيران حتى لا تكون فريسة الاستفزاز الأمريكي لإيران، والذي لا يهدف إلا لتدمير المنطقة واستنفاد ما بقي من ثرواتها؛ باندلاع حرب خليجية محلية تستنفد كل ثروات المنطقة وتطيح بسراب الحضارة الهشة.

وإن كنا نُقر بأن أبناء زايد وسعود هم عملاء للحركة الصهيونية، إلا أننا يجب ألا ننسى أن الحركة الصهيونية لا تُبقي على عملائها بعد القيام بدورهم، ففناؤهم وفناء ثرواتهم جزء من المخطط.

إن الشعب العربي الواعي أدرك تماما أن مخاوف النظام السعودي ليست مخاوف على السنّة من الشيعة، كما يصورونها هم، ولكنها خوف من أن تُسقط إيران حكم العائلات في منطقة الخليج. ولذلك، فإن الدليل قائم على أن الشعب العربي يدرك الحقيقة وسوف يُنجح تجربته، وسوف يُسقط بجهد أبنائه المخلصين الثورات المضادة، ولعلنا بجهدنا جميعا نحقق ما نصبو إليه في القريب العاجل بزوال محور الشر.
التعليقات (0)