قضايا وآراء

درب الآلام

هشام عبد الحميد
1300x600
1300x600
قد تندهش عزيزي القارئ عندما تعلم أن فيلما مصريا صُنّع بوقت مبكر، كان قد تناول حياة السيد المسيح عام 1938.

وسيزداد اندهاشك عندما تعلم أن الممثل الذي قدم دور السيد المسيح هو الفنان المخضرم أحمد علام، وأن التي لعبت دور مريم المجدليه هي الفنانه الكبيرة سميحه أيوب.

وستندهش أكثر وأكثر عندما تعلم أن هناك فيلما آخر اسمه "حسن ومرقص وكوهين" كان قد أُنتج في وقت مبكر أيضا، وهذا الفيلم الظريف يصّور العلاقة التي تنم عن حسن التعايش بين المصريين، سواء كانوا مسلمين أم مسيحيين أم يهود.

نعم هذه نماذج أوردها على سبيل المثال لا الحصر، لتدلل على وعي المجتمع المصري وقتذاك وعلى تسامحه وتراحمه. فمن الطبيعي أن تبدأ عزيزي القارئ بطرح السؤال التقليدي: ماذا جرى؟

فقد أصبحت روح التنمر، بدلا من التراحم والتسامح، هي المسيطرة، وأصبح الاحتقان بين أطياف المجتمع المصري بل وداخل الأسرة المصرية هو السائد. وتمدد هذا الاحتقان إلى مواجهات بين أفراد الشعب مع بعضهم البعض، وطغت الانقسامات، وتشرذمت العلاقات التي هزت كل مناحي الحياة. لقد انتشرت المحسوبيات والشلل والتحزبات، وبدأنا نسمع، عن حوادث عنف وخطف واغتصاب بحق إخواننا المسحيين، وبدأ مفهوم المواطنه يتخلخل. كذلك تعرض مصطلح حريه الاعتقاد لكثير من خلط الأوراق. وأصبح الشارع المصري، يعيش حاله من التخبط وعدم وضوح الرؤية، بطريقة غير مسبوقة في تاريخ بلادنا.

ولكنني، برغم كل هذه الصور القاتمة، لم أفقد إيماني بالمعدن الطيب للمصريين، وبرغم من المتغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي أثرت، بلا شك، في تركيبه سلوك المصريين، إلا أنني ما زلت أحلم بالعودة إلى ما كنا عليه من قيم التراحم والتسامح، وأن نعبر ونتجاوز الكثير من المنزلقات النقاشية، وأن نتخلى عن أسلوب الأزقة والحواري، والنزق المتعصب الذي لا يجدي ولا يساعد، إلا بالهبوط للهاوية.

ما زلت أحلم في أن نصل لمرحلة نحاول فيها مناقشه أمورنا وقضايانا المصيرية بترو وحكمة ومسؤولية، وأن نعرف جميعا، أننا في خندق واحد، ومركب واحد.

أحلم بأننا سندرك قيمة التعايش الإنساني، وأهمية قبول الآخر، حتى نتجنب جميعا درب الآلام.
0
التعليقات (0)