سياسة عربية

32 عاما على الانتفاضة الفلسطينية.. الكف بمواجهة المخرز

بعد توقيع اتفاقية "أوسلو"" انخفضت المشاركة في الانتفاضة- فيسبوك
بعد توقيع اتفاقية "أوسلو"" انخفضت المشاركة في الانتفاضة- فيسبوك

توافق هذه الأيام ذكرى اندلاع "انتفاضة الحجارة" أو "الانتفاضة الأولى" كما يسميها الفلسطينيون، والتي غلب على مقاومتها طابع الأدوات بسيطة في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية.


بدأت الانتفاضة من مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين شمالي قطاع غزة، وانتقلت إلى كافة المدن الفلسطينية الأخرى، لتكون من أهم الأحداث التي أثرت على تاريخ فلسطين المعاصر، كما يرى محللون سياسيون.

ومن أبرز تداعيات هذه الانتفاضة على الساحة الفلسطينية تغييرها للخارطة الحزبية، فقد دفعت باتجاه ظهور أحزاب جديدة من جهة، وإعادة إحياء الأحزاب التي كانت موجودة آنذاك.

استمرت هذه الانتفاضة لمدة 6 سنوات، قبل أن تنتهي بتوقيع اتفاقية "أوسلو" بين دولة الاحتلال الإسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية، عام 1993.

 

اقرأ أيضأ: خبراء إسرائيليون: الاغتيالات ضد الفلسطينيين عديمة الجدوى

وبحسب بيانات رسمية، تقدّر حصيلة الضحايا الفلسطينيين الذين استشهدوا بفعل الاعتداءات الإسرائيلية خلال انتفاضة الحجارة، بحوالي 1162 فلسطينيا، بينهم حوالي 241 طفلا، فيما أصيب نحو 90 ألف آخرين.

أما عن الجانب الإسرائيلي، بحسب بيانات سابقة صادرة عن مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم"، فقد قتل نحو 160 شخصا.

 

شرارة الانتفاضة

 

اندلعت الشرارة الأولى لهذه الانتفاضة مساء الـ8 من كانون الأول/ديسمبر 1987، على إثر حادثة دهس سائق شاحنة إسرائيلي لمجموعة من العمّال الفلسطينيين، أدت لاستشهاد 4 منهم، على حاجز بيت حانون (إيرز)، شمالي قطاع غزة.

في اليوم التالي، بعد صلاة الفجر، قرر الفلسطينيون البدء بترتيب مظاهرات غاضبة ضد الاحتلال الإسرائيلي من مخيم جباليا شمالي القطاع.

كما أن السياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، واستمرار سرقة الأراضي، وبناء المستوطنات، وجباية الضرائب، ومواصلة اعتقال الفلسطينيين وقياداتهم ومحاصرة المدن والقرى، كلها أسباب دفعت باتجاه اندلاع الانتفاضة واستمراريتها.

الشهداء الأوائل لهذه الانتفاضة كانوا، بحسب مراجع تاريخية، من التيار الإسلامي (جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين) وهما "حاتم أبو سيس ورائد شحادة".

وبحسب ما أورده الكاتب الفلسطيني، محسن صالح، في كتابه "القضية الفلسطينية.. خلفياتها التاريخية وتطوراتها المعاصرة"، فإن هذه الانتفاضة تميّزت بأربعة مظاهر.

المظهر الأول أن الفلسطينيين داخل "إسرائيل" أخذوا زمام المبادرة النضالية وشاركوا في الانتفاضة، وأما الثاني مشاركة التيار الإسلامي بقوة وفاعلية، وأما المظهر الثالث أنها شملت كافة قطاعات الشعب وفئاته العمرية، وأخيرا فقد اتّسمت بالجرأة والتضحية والإصرار على القضاء على العمالة والفساد.

 

 

تنظيمات جديدة


تلازمت أحداث انتفاضة الحجارة مع ظهور تنظيمات فلسطينية جديدة غيّرت من الخارطة الحزبية للفلسطينيين، مثل تأسيس حركة المقاومة الإسلامية "حماس".

وبعد نحو أسبوع من اندلاع انتفاضة الحجارة، تحديدا في 14 كانون أول/ديسمبر 1987، تأسست "حماس" على يد مجموعة من قادة جماعة الإخوان المسلمين في قطاع غزة، كان أبرزهم الشيخ أحمد ياسين.

وأدى انخراطها، الذي وصفه مراقبون سياسيون، بالقوي في أحداث انتفاضة "الحجارة" ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي، إلى انتشار نفوذها بشكل واسع في الساحة الفلسطينية.

وحملت حركة حماس السلاح، عام 1987، من خلال تأسيس جهاز عسكري أسمته "المجاهدون الفلسطينيون"، ثم أسست جناحها المسلح الحالي (كتائب عز الدين القسام) عام 1992، والذي يقول محللون إنه ساهم في تغيير معادلة "الصراع مع الاحتلال".

الكتاب والمحلل السياسي، تيسير محيسن، يقول لـ"الأناضول"، إن البيئة "السياسية التي كانت حاضرة قبيل انتفاضة الحجارة ساهمت إلى حد كبير في إذكاء جذوة الانتفاضة، خاصة عند بداية ظهور تشكيلات تنظيمية سياسية جديدة".

وتابع قائلاً: "التيارات الاسلامية تفاعلت بشكل كبير قبل بداية انطلاق الانتفاضة وساهمت في رسم معالم ديمومتها، لذا تفاجأ الاحتلال من القوة والتنظيم والإعداد والسيطرة والحشود؛ وهذا ترجم عمليا خلال التظاهرات التي كانت تظهر وحالة الاشتباك في كل المحاور".

وبيّن أن التيار الإسلامي في فلسطين كان "له عمل ضخم"، في العقود التي سبقت الانتفاضة.

في الوقت ذاته، ساهمت انتفاضة الحجارة في إعادة إحياء التنظيمات الفلسطينية التي تأسست في أوقات سابقة، وأبرزها حركة "فتح"، ومن التيار الإسلامي حركة الجهاد الإسلامي، والتيارات اليسارية المنضوية تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية.

فتم تشكيل إطار متابع للانتفاضة تحت مسمّى "القوى الوطنية الفلسطينية" (يضم فصائل منظمة التحرير).

 

اقرأ أيضا: في ذكراها الـ 19.. تعرف على انتفاضة الأقصى (إنفوغراف)

 

وصدر أول بيان عن القوة الوطنية الفلسطينية في الثامن من كانون ثاني/يناير 1988، دعا الشعب للمشاركة في فعاليات الانتفاضة والإضراب العام رفضا للاحتلال.

واستمرت المشاركة الفصائلية في فعاليات ومظاهرات انتفاضة الحجارة حتّى توقيع اتفاقية "أوسلو"، عام 1993، حيث شهدت هذه الفترة انخفاضا كبيرا لمشاركة حركة فتح وعدد من فصائل منظمة التحرير، وفق محيسن.

في حين أن التيار الإسلامي الرافض لاتفاقية "أوسلو"، الممثل بحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" إضافة لتنظيمات يسارية، واصلوا العمل النضالي بأشكاله المختفة، كما يقول محيسن.

مواجهة بأدوات بدائية


استخدم الفلسطينيون، خلال انتفاضة الحجارة، أدوات بدائية في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي الذي يملك أعتى وأكثر الأسلحة تطورا.

الحجر، كان السلاح الأول الذي قارع به أطفال وشباب ونساء فلسطين جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي يتخّذ آليته العسكرية درعا واقيا له.

المؤرخ الفلسطيني، سليم المبيض، يقول لـ"الأناضول"، إن الحجر اعتبر آنذاك نوعا من أنواع الإبداع في المقاومة.

وأضاف: "إرادة الشعب في التحرك ضد المحتل كانت العامل الأساسي في إنجاح هذه الانتفاضة لكثرة الظلم الذي تعرّض له الشعب بغزة والضغوطات الاقتصادية والسياسية".

وأوضح أن الإضراب العام كان من إحدى أدوات الاحتجاج التي استخدمها الشعب آنذاك، وشارك فيها فئة التجّار بشكل واضح.

كما استخدمت جدران الشوارع في تحريض الشعب للمشاركة والاستمرار في هذه الاحتجاجات، لتعتبر هذه سمة عامة منذ دخول الفصائل الفلسطينية على خط تنظيم الاحتجاجات، بحسب المبيض.

إلى جانب ذلك، استخدم الفلسطينيون السكاكين والزجاجات الحارقة في مقارعة جنود الجيش الإسرائيلي.

حرق إطارات المركبات، كانت أيضا إحدى وسائل الاحتجاج واستخدمها الفلسطينيون لتشويش الرؤية على الجنود من خلال الدخان الأسود الكثيف الذي يشكّل حاجزا يعيق الرؤية.

إلى جانب ذلك، لجأ الفلسطينيون لـ"العمليات الاستشهادية"، كنوع من المقاومة ردا على الاعتداءات الإسرائيلية، وفق المبيض.

لكن عمليات خطف الجنود كانت إحدى الوسائل النادرة والتي تم تنفيذها مرة واحدة خلال الانتفاضة الأولى.

عمليات نوعية

- تفجير حافلة 405 الإسرائيلية، تابعة لشركة "إيجد"، وهي "عملية استشهادية" نفّذها عبد الهادي غانم، أحد أعضاء حركة الجهاد الإسلامي، في 6 يوليو/تموز 1989، ما أدى إلى مقتل 16 راكبا وإصابة 27 آخرين بجراح مختلفة.

- عملية خطف الجندي الإسرائيلي "نسيم تولدانو"، التي نفّذتها كتائب عز الدين القسّام، الجناح المسلّح لحركة "حماس"، في 13 أيلول/سبتمبر 1992، وأطلقت عليها اسم "عملية الوفاء للشيخ أحمد ياسين؛ والذي كان معتقلا آنذاك، في السجون الإسرائيلية ومحكوم عليه بالسجن مدى الحياة.


جاءت عملية خطف الجندي من أجل التفاوض مع الجانب الإسرائيلي والإفراج عن "ياسين"، وسلّمت حركة "حماس" مطالبها للجنة الدولية للصليب الأحمر وأمهلت "إسرائيل" 10 ساعات للتحقيق مطالبها وإلا ستقتل الجندي الأسير لديها، لكن الأخيرة رفضت المطالب، وما كان من "حماس" إلا أن نفّذت تهديدها.

وبعد توقيع اتفاقية "أوسلو" انخفضت المشاركة في الانتفاضة، لكن المنتسبين للتنظيمات الإسلامية استمروا بتنفيذ "العمليات الاستشهادية"، التي اعتبروها جزءً من الحالة النضالية، وردا على الاعتداءات الإسرائيلية بحقّ الشعب.

انتفاضة جديدة

الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم يرى أن البيئة السياسية الحالية غير مهيّأة لاحتضان انتفاضة فلسطينية ثالثة.

وقال إبراهيم لـ"الأناضول": "شهدنا في الأعوام السابقة نحو 3 هبّات شعبية في القدس، كانت بدافع ذاتي شبابي وجماهيري بعيدا عن القيادات والفصائل الفلسطينية".

 

اقرأ أيضا: الأمن الإسرائيلي يعارض السياسيين بضم غور الأردن

وأوضح أن الانتفاضة بحاجة إلى عمل جماهيري تراكمي إلى جانب حاضنة تنظيمية، الأمر الذي لم يكن موجودا في السابق.

واستكمل قائلاً:" لم يكن للهبّات أهداف طويلة الأمد كإشعال الضفة الغربية، ولا خلفية عمل تنظيمي موحّد".

وعلى الرغم من تصنيف تلك الهبّات ضمن المقاومة السلمية، إلا أن القيادة الفلسطينية الرسمية التي تتخذ من هذا النوع من المقاومة شعارا لها لم تتبنَّ تلك الهبّات، على حدّ قوله.

إلى جانب القصور الفصائلي عن احتضان المقاومة الشعبية، فإن السياسات الإسرائيلية القائمة على عزل المدن عن بعضها البعض تقلل من احتمالية نشوء أو نجاح أي بوادر لانتفاضة جديدة، التي يجب أن تقوم على مواجهة الاحتلال، على حد تعبيره.

التعليقات (0)