كتاب عربي 21

إيران تكون.. أو لا تكون!

سليم عزوز
1300x600
1300x600

ليس اغتيال الرجل القوي في إيران، قاسم سليماني، بالعمل العشوائي، فالخصم اختار فريسته بعناية، ووجه ضربته إلى هدف ثمين، وبرصاصة اخترقت الدولة الإيرانية، قبل أن تنال من رجل المهام الصعبة فيها!

فقاسم سليماني ليس مجرد قائد عسكري لإيران، ولكنه عنوان القوة فيها، الذي ينتقل بين الدول، ومن لبنان إلى سوريا، ومن هناك إلى بغداد كاشفاً عن امتدادات الإمبراطورية الفارسية الجديدة في مرحلة النشأة والتكوين، والتي تحقق انتصارات في المشهد اليمني الذي يوشك أن يقع ضمن النفوذ الإيراني، الذي حقق انتصارات في الربع قرن الأخير لم يكن الآباء المؤسسون يحلمون بها، وجعلت طهران تتحدى الولايات المتحدة الأمريكية، فتبدو القوة الوحيدة في العالم عاجزة عن لجمها، أو تهديدها!

وحيثما وصل كانت لقاسم سليماني بصماته العسكرية الواضحة، وانتصاراته المدوية، حتى صار اسمه أشهر من المرشد الديني للدولة، أو للدقة للإمبراطورية الناشئة، تنفيذا لفتوى الإمام الخميني بتصدير الثورة، لكن الجديد هو التمدد ولو من باب الثورة المضادة، ولو كان الثمن أرواح الناس، ومساندة الاستبداد، وإنكار الحق في الثورة، فالمستهدف هو الهيمنة الإيرانية على المنطقة، بالثورة أو بالثورة المضادة!

 

الخصم الكبير لإيران مأزوم، وهو في أزمته يبحث عن أي انتصار، وترامب شأنه شأن الحكام الطغاة، الذي يرون أن الحروب فيها الشفاء من كافة الأمراض

ترامب إلى الأمام:

الخصم الكبير لإيران مأزوم، وهو في أزمته يبحث عن أي انتصار، وترامب شأنه شأن الحكام الطغاة، الذي يرون أن الحروب فيها الشفاء من كافة الأمراض. وقد أوشكت دورته الأولى على الانتهاء ويطمع أن يزيد، فقد جرب أسلوب التهديد فلم يفلح مع كوريا الشمالية، أو مع فنزويلا، أو مع تركيا، وفشل كذلك في إخضاع إيران أو تركيعها، فسياسته مع الخارج فشلت، إلا مع العرب. وهو يريد أن يسابق الزمن، والانتخابات الجديدة على الأبواب، فكانت خطة اغتيال قاسم سليماني، بدلاً من الدخول في حرب تكون فاتورتها نهاية له، تماما كما انتهى أولمرت رئيس الحكومة الإسرائيلية بالحرب على غزة، التي مني فيها بهزيمة باعتراف إسرائيلي وإنكار عربي لا تخطئ العين دلالته!

لا أعتقد أن طهران، وهي تعلن التحدي لمن في البيت الأبيض، كانت تدرك أنه قد يلجأ إلى هذا الأداء الذي يليق بمليشيا، ولو كان الصيد ثمينا بحجم قاسم سليماني. فالجيش الإيراني ليس هو المذكور فقط، وإن كانت جودة الأداء لا ينكرها أحد، فالجيوش القوية لا تقوم على فرد مهما كانت قوته!

في تقديري أن طهران بنت تصوراتها على أن واشنطن بين خيارين، إما حربا، وقصف منشآت في الداخل الإيراني، أو أن يظل العداء في حدود التهديدات. وفي حالة الحرب الواضحة، فإنها تملك أن توجه الضربات الموجعة للمصالح الأمريكية في المنطقة، وتمثل إسرائيل هدفاً سهلا، يمكن بقصفه إحداث تغير في المنطقة! وقد هدد حسن نصر الله بذلك، إذا تعرضت إيران للاعتداء.

 

ترامب اختار طريقة التعامل بعناية، فاستهدف قاسم سليماني، وهو على قيمته ونفوذه في الداخل الإيراني، فإن اغتياله ليس حربا مفتوحة، بل إن رد الفعل غير المحسوب قد ينتج حرباً ضد إيران، ليست مستعدة لها، وهي إن لم تتمكن من أن تنتقل بها إلى خارج التراب الإيراني،

إسقاط الحكم:

بيد أن ترامب اختار طريقة التعامل بعناية، فاستهدف قاسم سليماني، وهو على قيمته ونفوذه في الداخل الإيراني، فإن اغتياله ليس حربا مفتوحة، بل إن رد الفعل غير المحسوب قد ينتج حرباً ضد إيران، ليست مستعدة لها، وهي إن لم تتمكن من أن تنتقل بها إلى خارج التراب الإيراني، فقد تمهد الطريق لإسقاط الحكم، وقد تنشط المعارضة الداخلية، إذا وجدت النظام في حالة ضعف. وطهران بلد مغلق وإن وجد مراسلون لوسائل إعلام عالمية فيه، فلا يمكن لنا قياس قوة السلطة في الحفاظ على الجبهة الداخلية متماسكة إذا حدثت المواجهة، فالإعلام يخضع لرقابة السلطة.

وفي المقابل، ليس أمام إيران إلا أن ترد، وقد هددت برد مزلزل، لست على ثقة من حرصها عليه، فقد تلجأ إلى الدواء المر، ممثلاً في الرد "الأكليشيه" المحفوظ من قبل النظام الحليف في سوريا عندما يتم التعرض لهجمات إسرائيلية: "لا أحد يحدد لنا موعد الحرب".. لكن إيران ليست سوريا، فالأولى تتصرف على أنها دولة كبيرة في المنطقة، وتحلم بعودة الإمبراطورية الفارسية، أما سوريا فدولة صغيرة وهي في حدود إحدى ملحقات هذه الإمبراطورية، فلا تخشى على سمعتها من شيء!

 

إذا لم يكن هناك رد موجع من الجانب الإيراني، فقد انتهت إيران من حيث كونها دولة إمبراطورية، لتكون قد أنهت على الفكرة التوسعية، التي بدأت مع الثورة الإسلامية بفتوى السلف بتصدير الثورة

وإذا لم يكن هناك رد موجع من الجانب الإيراني، فقد انتهت إيران من حيث كونها دولة إمبراطورية، لتكون قد أنهت على الفكرة التوسعية، التي بدأت مع الثورة الإسلامية بفتوى السلف بتصدير الثورة، وانتهت في ظل حكم الخلف إلى استدعاء التاريخ، فالتوسع لبناء إمبراطورية الأجداد. فالوفاء ليس لمرحلة الثورة ولكن لما قبلها، حيث التاريخ الموغل في القدم.

وبابتلاع المهانة، تصبح إيران كسوريا، وخامنئي كبشار الأسد، ويصبح سقوط دولة الملالي في المستقبل أمراً وارداً، فلا أخطر على حكم أكثر من ضياع الهيبة، وافتقاد المكانة، لا سيما إذا كان مثل الحكم الإيراني، الذي أصبح يتحرك في وسط معاد، كان في السابق على مستوى الطبقات الحاكمة في المنطقة، فصار الآن على مستوى الشعوب أيضاً، وانتهت مكانة حزب الله من حزب يمثل قيمة في نفوس الناس، وعابرا للطائفية، إلى مجرد حزب طائفي، لا ينسى الناس أنه كان شريكا متضامنا في وأد الثورة السورية والانحياز للطاغية المجرم بشار الأسد، وهو ما لا ينسونه لحكام طهران، الذين تجلت طائفيتهم في سوريا وفي العراق، وكان مشهد إعدام صدام حسين، في يوم عيد الأضحى للمسلمين السنة، درساً بليغاً.

إن إيران أمام خيارين لا ثالث لهما: تكون أولا تكون!

التعليقات (8)
Amine
الثلاثاء، 07-01-2020 06:42 م
رائع
احمد حسن
الثلاثاء، 07-01-2020 07:52 ص
ما قام به المهطول ترمب إما أن يكون بدراسة كبر العمل وما سيؤول إليه الوضع بعده وما هي الرؤية المستقبلية التي يتبناها أو أن يكون عمل متهور قام به لئيلام ايران بعد حادث اقتحام ساحة السفارة الأمريكية في بغداد .. هل قصد أن يكون هذا الحادث على الأراضي العراقية تأديبا للحشد الشعبي دون النظر لما سوف يحدث بعدها .. لا أتصور أن هذا القرار كان عشوائيا ولكن بني على أن تخرج القوات الأمريكية من العراق .. فقد يكون القرار الأمريكي في الدوائر السياسية ببقائها وأراد ترمب بالتعجيل بخروجها .. وهل ستكون العراق هي المحطة الأولى لخروج القوات الأمريكية من العراق وتليها محطات أخرى في دول أخرى لتكون المنطقة خالية من القوات الأمريكية التي هي في الواقع تحت أعين الأيرانيين وحلفائهم .. هل هذا تمهيد لقادم أسوء بعد خروج القوات الأمريكية من المنطقة .. مما يهم الأمريكان في المنطقة هي اسرائيل والباقي هم على الهامش فهل ستحمي اسرائيل حماية مباشرة من سيناء والأردن والتحضير للأسوء .. نحن هنا لمنتظرون
جاثم
السبت، 04-01-2020 10:36 ص
نتمنى الربيع الايراني والعربي ووحدتهما ضد الاحتلال الأميركي الغاشم ،ضد الشركات النفطية الاميركية التي تمص نفط البصرة وتذهب به
لاجئ سوري
السبت، 04-01-2020 07:56 ص
مقال غني نقدر المجهود المبذول به، ولكن قد نختلف مع معك استاذنا سليم عزوز في بعض ما أوردت - مع احترامنا وتقديرا الكامل لشخصك الكريم، مثال أن " طهران تتحدى الولايات المتحدة الأمريكية، أو أن أمريكا بوجود " قاسم سليماني " كانت عاجزة عن لجم ايران، أو تهديدها، أو انها تبدو كذلك، بالرغم من كونها القوة الوحيدة في العالم..! ما نراه وقد نكون مخطئين في ذلك، هو ان المصلحة الامريكية اقتضت وجود الورم الطائفي والالتهاب المذهبي في المنطقة، وقاسم سليماني كان محرك نشط لهما بتوجيهات علي خامنئي، وذلك لكون التكاليف بوجوده اقل والفائدة اكبر، وللتدليل على ذلك انظر الى كميات الأسلحة التي استوردتها الدول العربية بسبب ايران، وعدد الصفقات والمعاهدات التي تمت ردا على مخاطر السلوك الإيراني بالمنطقة.. ايران لا تهدد أمريكا ولا تستطيع ولا حتى تقبل بتهديدها الفعلي، وأمريكا بالمقابل من مصلحتها بقاء او دعم التحالف الاقلوي الذي تقوده ايران، وبالتالي دعم السلطة الدينية المذهبية الحاكمة في ايران ضد أكثرية المنطقة، وغض الطرف عن ادواتها، لكن الواضح ان " قاسم سليماني " تعدى الخطوط الحمراء المرسومة له، واعتبر نفسه " كورش" العصر .. فكانت ازاحته ضرورة من ضرورات المرحلة الامريكية في المنطقة للانتقال الى المرحلة التالية...
أحمد إبواهيم
السبت، 04-01-2020 05:10 ص
تحليل وتعليل ممتاز للجانب الإيراني وقد لا اتفق ان القرار الامريكي هو قرار الرئيس ترامب فقط بل الأكثر دقة قرار المؤسسة العسكرية التي تتحّكم بها مجموعة من اللولبيات اصحاب المصالح القوية التي لها أذرع قوية في الكونغرس ومجلس النواب ويبدو واضحاً ان تحريك وتنشيط الصناعة العسكرية هو استباقاً للكساد المتوقع في نهاية السنة الحالية حيث يتوقع في استطلاع أجري في أغسطس 2019 شمل 226 خبيرًا اقتصاديًا أجرته الرابطة الوطنية لاقتصاديات الأعمال ، قال 38 بالمائة من المشاركين أنهم يعتقدون أن الولايات المتحدة ستدخل فترة ركودها القادمة في عام 2020 ، واختار 34 بالمائة 2021 ؛ 14 في المئة فقط يقولون أنه سيحدث بعد ذلك. في 22 ، 2019