قضايا وآراء

تصعيد إسرائيلي انتخابي ضد غزة

ماجد عزام
1300x600
1300x600
بدا التصعيد الإسرائيلي الأخير ضد غزة انتخابي بامتياز، علماً أنه ومن الزاوية المنهجية تتحمل إسرائيل المسؤولية الأساسية عن كل ما يحدث، كونها القوة القائمة بالاحتلال، وهي من تحاصر غزة وتتحكم تماماً بأجوائها البرية والبحرية والجوية. أما مسؤولية أو كيفية مواجهة الحصار بشكل ناجع وحكيم ومسؤول، فهذه قصة أخرى وهي وبرسم الساحة الفلسطينية بكافة أطيافها السياسية الحزبية والمجتمعية.

للتذكير، بدأت الجولة الأخيرة صباح الأحد مع استهداف الاحتلال لمقاومين يزعم قيامهم بزرع عبوات ناسفة على الشريط الحدودي، وهو حدث كان يمكن أن يمر مرور الكرام ودون الذهاب إلى تصعيد لولا التنكيل الإسرائيلي المتعمد بجثة الشهيد محمد الناعم، بما يتعارض مع كل القيم الدينية والمعايير الأخلاقية والقانونية.

التنكيل بالجثة ينسجم طبعاً مع الطابع الإجرامي التاريخي لجيش الاحتلال، إلا أنه في هذه الحالة تحديداً يعبر عن سياسة جديدة لوزير الحرب المتطرف، بل الأكثر تطرفاً، نفتالي بينيت، القاضية باحتجاز جثامين الشهداء من أجل ابتزاز حماس والضغط عليها لإنجاز صفقة جديدة تبادل للأسرى من موقع قوة. وهذه السياسة الجديدة الفاشلة وغير المجدية بإجماع المعلّقين الإسرائيليين وحتى المؤسسة الأمنية والعسكرية نفسها؛ تهدف إلى حصد أصوات انتخابية في ظل الانزياح الشعبي الإسرائيلي المستمر نحو التطرف، ومن جهة أخرى التغطية على فشل بينيت الذريع والجوهري تجاه غزة، وافتقاده للحلول الناجعة المجدية وعجزه عن ترميم ما تسمى قدرة الردع الإسرائيلية، مع انهيار قاعدته وقاعدة اليمين المفضلة القائلة بأن ما لم يتحقق بالقوة في مواجهة الفلسطينيين يتحقق بالمزيد منها.

حركة الجهاد الإسلامي ردت على الجريمة الإسرائيلية في ظل تأييد شعبي وسياسي كبير في غزة، ورغم ذلك جاء ردها محسوباً واستهدف مناطق محيطة بمستوطنات غلاف بغزة، دون توسيع دائرة الرد لتشمل مدن كبرى مثل عسقلان وأسدود. والرد سعى أساساً للتنغيص على المستوطنين وتحويل حياتهم إلى جحيم، مع الحذر من إيقاع ضحايا أو الذهاب إلى تصعيد واسع وممتد. أما إسرائيل فردت بضجيج عسكرى انتخابي عبر عشرات الغارات التي استهدفت كذلك مؤسسات أو مباني فارغة تم إخلاؤها أصلاً، في ظل حالة الاستنفار التي سادت القطاع مع فشل الاحتلال فى النيل من خلايا إطلاق الصواريخ.

الغرض الإسرائيلي الانتخابي لم يتحقق في غزة، لذلك جاءت الغارة ضد قاعدة لحركة الجهاد بدمشق استهدفت دون نجاح المسؤول العسكرى للحركة أكرم العجوري، كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من أجل تحقيق صورة انتصار، كما لربط ما يجري في غزة بإيران، ونزع الجوهر الوطني الفلسطيني عنه، وربما لاستسهال القصف في سوريا في ظل التفاهم التام مع الاحتلال الروسي، والاطمئنان إلى أن لا أحد سيجرؤ على الرد؛ لا النظام العاجز الفاقد الإرادة ولا إيران وحشودها الطائفية العراة المكشوفون دون التغطية الجوية للاحتلال الأمريكي في العراق والروسي في سوريا.

جولة التصعيد الأخيرة أكدت الملاحظات والاستنتاجات من جولات التصعيد السابقة، حيث ردت الجهاد حفاظاً على الكرامة الوطنية، كما أقر المعلق العسكرى أليكس فيشمان في يديعوت أحرونوت الثلاثاء (25 شباط/ فبراير)، حتى مع الحضور والتأثير الإيراني عليها، لكن أيضاً بشكل حذر، مع حرص على عدم الذهاب إلى جولة قتال واسعة لا تبدو غزة مهيأة لها، وأصلاً لا يمكن الذهاب إليها دون حضور وانخراط قوة المقاومة الأكبر وصاحبة القرار الفعلي في القطاع، أي حركة حماس.

فيما يتعلق بهذه الأخيرة، فقد كانت حاضرة سياسياً، وبدت كمن يرسم معالم أو خطوط المعركة، وتحديد أهدافها الأساسية دون الانخراط الفعلي، مع رسالة واضحة أيضاً بعدم الرغبة في الذهاب إلى تصعيد كبير، ولذلك لم يكن مفاجئاً أن تقود هي لا الجهاد من الجانب الفلسطيني؛ الحوارات غير المباشرة مع إسرائيل عبر الوسطاء الإقليميين والدوليين حول التهدئة وشروطها، بما في ذلك إعادة فتح المعابر وتسهيل حركة البضائع والتجار عبرها، وإعادة مساحة الصيد إلى مداها المتفق عليه، أي 15 ميلا بحريا، باستثناء شمال قطاع غزة الملاصق للمستوطنات حيث ستبقى بحدود ستة أميال بحرية.

كما الجولات السابقة، كانت تدخلات إقليمية دولية في الجولة الأخيرة لتحجميها وتبقيها في أقصر وأضيق مدى زمني ممكن، وهو ما تحقق فعلاً في ظل قرار إسرائيلي واضح أيضاً بعدم الذهاب إلى تصعيد كبير على أعتاب الانتخابات البرلمانية المبكرة المقررة بعد أيام، كما في ظل قرار إقليمي ودولي واضح، أيضاً بعدم السماح بالانفجار وتقديم كل التسهيلات والمساعدات الضرورية واللازمة لمنعه.

طبعاً، ثمة نقطتان أساسيتان لا يمكن رسم المشهد دونهما، الأولى تتعلق بضرورة ترتيب البيت الفلسطيني ببعديه المقاوم والسياسي العام، حيث أكدت الجولة الأخيرة ضرورة إعادة الاعتبار لغرفة العمليات المشتركة التي تم تجاوزها وتحييدها للمرة الثانية، بعد جولة تشرين الثاني/ نوفمبر الماض، والتي أعقبت القيادي في حركة الجهاد الشهيد بهاء أبو العطا.

كما أكدت من جهة أخرى ضرورة ترتيب البيت السياسي الفلسطيني بشكل عام لبلورة الاستراتيجيات العريضة، وتنسيق السياسات والآليات التفصيلية، بما يتعلق برفع الحصار عن غزة ومواجهة صفقة القرن الأمريكية أو "النكبة الجديدة" ضمن إدارة عامة وشاملة للصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.

أما النقطة الثانية فتتعلق بطبيعة التهدئة الهشة التي تمت العودة إليها بعد الجولات السابقة والجولة الأخيرة، والتي ستستمر إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية المقررة أوائل آذار/ مارس القادم، ودون تنفيذ التفاهمات السابقة بشكل جدي وبمراحلها الثلاث المتفق عليها (القصيرة المتوسطة والطويلة المدى)، بما يكفل رفع الحصار نهائياً، فلا ضمان أو أمل للهدوء في غزة، وحتى في فلسطين بشكل عام.
التعليقات (0)