حول العالم

تقرير مثير لـ(BBC) عن مقرات سرية لشركات كبرى بظل كورونا

في حالة حدوث أوضاع طارئة تؤدي المقار الاحتياطية دورا حيويا على صعيد تمكين الشركات على البقاء وتحقيق هدف الاستدامة- جيتي
في حالة حدوث أوضاع طارئة تؤدي المقار الاحتياطية دورا حيويا على صعيد تمكين الشركات على البقاء وتحقيق هدف الاستدامة- جيتي

تناول تقرير مثير لموقع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) كيفية عمل الشركات الكبرى في ظل أوضاع العزل والإغلاق، التي تعيشها معظم بلدان العالم جراء تفشي فيروس كورونا المستجد.

 

ويتحدث التقرير عن مبان ومقرات احتياطية لتلك الشركات لضمان استمرارية عملها، في حال حدوث كوارث طبيعية أو عمليات إرهابية.

 

وتقع هذه المباني في مناطق مُؤَمنَة بضواحي المدن؛ وتبقى في حالة تأهب - في صمت وسرية - لسنوات طويلة، إلى حد أن البعض يسميها "مقار الأشباح".


لكن الأمر يختلف داخل تلك المباني، يقول التقرير، إذ تتراص صفوف من المكاتب المُعدة للاستخدام حال وقوع أي حدث طارئ أو حتى كارثة، إذ تشكل أماكن مثل هذه، ملاذا تأوي إليه بعض الشركات، عندما يتعذر عليها استخدام مقرها الأصلي، أو حينما يلحق به دمار شديد.


ومن بين الأحداث التي تدفع إلى اتخاذ قرارات من هذا القبيل: الهجمات الإرهابية والكوارث الطبيعية، وكذلك تفشي الأوبئة. فحينها، يمكن أن تقرر بعض المؤسسات ترك مقارها، والانتقال إلى نظيرتها الاحتياطية، التي تُعرف بمواقع "التعافي من الكوارث" أو أماكن "ضمان استمرار العمل".


الآن، صرنا بالفعل بصدد كارثة، تتمثل في الانتشار الوبائي لفيروس كورونا المستجد، ذاك الفيروس الغريب من نوعه الذي يتفشى بسرعة في مختلف أنحاء العالم. ففي مواجهة ذلك الخطر، بدأ الكثير من الشركات، ومن بينها مصارف كبرى، الإسراع بتفعيل خطط الطوارئ الخاصة بالانتقال إلى مقارها البديلة.

 

ويتمثل الهدف من وراء ذلك، في تمكين فريق العمل في المقر الاحتياطي، من مواصلة تسيير أعمال الشركة، إذا ضرب الفيروس مقرها الرئيسي. ويشكل هذا بديلا عن العمل من المنزل، ذلك الخيار غير المتوافر لكل الموظفين، بمن فيهم أولئك الذين يتعاملون مع معلومات حساسة من الناحية التجارية، على سبيل المثال.


وتعمد بعض هذه الشركات إلى وضع بطاقات بأسماء موظفيها على المكاتب الخاوية في المقار البديلة، حتى يعلم الموظفون فور وصولهم إلى هناك المواضع التي يتعين عليهم الجلوس فيها.

 

وللغرض نفسه، تحرص تلك المؤسسات، على أن تظل أجهزة الكمبيوتر والهواتف والبرامج التي يتم استخدامها في أغراض العمل، على أهبة الاستعداد في مبانيها الاحتياطية. أما الأبنية نفسها، فقد تكون محاطة بإجراءات أمنية مشددة، أو شُيدت على نحو يجعلها قادرة على مقاومة الزلازل والأعاصير.


ورغم أنه لا يتسنى لكل الشركات، تحمل التكاليف اللازمة لاستئجار مقار كهذه، فإن بوسع تلك الأماكن إثبات فاعليتها، على صعيد تمكين مؤسسات بعينها من البقاء وتوفير الأمن لموظفيها، حال وقوع أي أزمات. اللافت أن الشركات التي تتبنى ذاك الخيار -الذي يتم اللجوء إليه عادة لأيام أو أسابيع قليلة- قد تضطر لاستخدام مقارها الاحتياطية هذه المرة لفترة أطول من أي وقت مضى، في ظل التوقعات بأن تستمر الأزمة الناجمة عن تفشي كورونا حتى عام 2021.


"شُيّدت لأوقات الكوارث"


وقد أدى الوضع الراهن إلى زيادة الطلب على الشركات التي تعمل في مجال تجهيز المقار البديلة والتقنيات الخاصة بها، مثل شركة "صنغارد أفايلابيلتي سيرفيسيس"، التي يقول باتريك مورلي، نائب مدير إدارة المنتجات التي تُسوّق هذه الشركة عالميا: "لدينا عملاء في كل المناطق يستخدمون المنشآت التي نوفرها، وهو أمر لم يحدث مطلقا من قبل".


ويبلغ عدد المقار الإدارية الاحتياطية، التي توفرها "صنغارد" لعملائها نحو 60، تتوزع على تسع دول، من بينها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والهند. ويقع عدد من هذه المباني في مدن بريطانية، من بينها بالطبع العاصمة لندن. وبينما تستأجر الشركات -بوجه عام- عددا محددا من المكاتب داخل المساحات المتوافرة في هذه الأماكن المخصصة للاستخدام في حالات الكوارث، بل وقد تتشارك بعضها مع بعض في تلك المقار، هناك مؤسسات ذات ميزانيات ضخمة تستطيع استئجار مساحات مخصصة لها وحدها، تظل جاهزة دائما للاستخدام حال حدوث أي طارئ.

 

ومن خلال توزيع موظفيها على عدد أكبر من المقار والمواقع، تأمل الشركات والمؤسسات، في تخفيف المخاطر المترتبة على كورونا. لكن مراقبين يقولون إن العمل من المنزل، ربما يشكل خيارا أفضل من اللجوء إلى مقار بديلة، نظرا لأن أي بيئة عمل يوجد فيها العديد من الموظفين، قد تشكل بؤرة لانتشار الفيروس. ويقول مورلي إن عملاء شركته يضعون مسألة الحفاظ على الصحة العامة نصب أعينهم، ويطلبون القيام بعمليات تنظيف مكثفة - من تلك التي يُطلق عليها اسم "تنظيف عميق" - للمكان، قبل أن يأتوا إليه.


ولذا تضع "صنغارد" الكثير من مُطهرات الأيدي في المباني التي توفرها لعملائها، بجانب لافتات تُذكِّر الموظفين بضرورة غسل أيديهم. كما أن لديها فريق تنظيف مستعدا على الدوام، لإجراء عمليات "تنظيف عميق" كلما لزم الأمر، ليلا كان ذلك أو نهارا.


ومع أن المصارف ووكالات الخدمات المالية تشكل أكثر الشركات، التي يمكن أن يوجد لديها مقار بديلة كتلك التي نتحدث عنها، فإن القائمة تشمل كذلك مؤسسات تعمل في قطاعات مثل التأمين والعقارات والخدمات والبتروكيماويات. وعادة لا تكشف هذه الشركات -لدواعٍ أمنية- عن أماكن أو مواصفات ملاذاتها السرية في حالة الطوارئ والكوارث. 


وبالرغم من السرية المفروضة على أسماء عملاء "صنغارد"، فإن بعض التفاصيل الأساسية المتعلقة ببعض المنشآت المملوكة للشركة، معروفة للعامة. فلديها مثلا مبنى في شارع ساثرك بريدج رود في وسط لندن، يضم مساحة إدارية تتسع لنحو 1700 موظف.


ويعني اتخاذ أي شركة قرارا بالبدء في استخدام مقرها البديل، أن تطلب أولا من مجموعة من موظفيها، تغيير المكان الذي يعملون فيه. وقد يُطلب من هؤلاء القيام بذلك على الفور، أو يُحدد لهم موعد للشروع في العمل من المكان الاحتياطي. وفي هذا الإطار، يُسمح للبعض منهم بزيارة المقر البديل مسبقا خلال فترة الاختبارات والتجارب التي تُجرى عليه للتأكد من جاهزيته، بينما يزوره آخرون للمرة الأولى عندما يبدؤون العمل فيه، وهو ما يجعله مكانا غريبا عليهم بشكل كامل.


وفي حالة حدوث أوضاع طارئة كبرى وخطيرة، تؤدي المقار الاحتياطية دورا حيويا على صعيد تمكين الشركات التي تتعامل مع المعلومات التجارية الحساسة تجاريا على البقاء وتحقيق هدف الاستدامة.

وفي الوقت الذي يمكن فيه القول، إن وجود الكثير من المقار الاحتياطية في الوقت الحالي، يعود جزئيا إلى ما يمكن تسميته "إرث 11 أيلول/سبتمبر"، يتساءل البعض عن السبب، الذي يحول دون أن تكتفي الشركات بأن تطلب من موظفيها العمل من المنزل، بدلا من تكبد عناء استئجار أماكن بديلة.


للإجابة عن هذا السؤال، تقول ديمروفسكي إن بعض الشركات تتعامل في إطار نشاطها مع معلومات تتسم بالحساسية الشديدة، وهو ما يعني أن سماحها لموظفيها بالعمل عبر أجهزة الكمبيوتر الشخصية الخاصة بهم، أو باستخدام خدمة الإنترنت التي تُزود بها منازلهم، ربما لا يكون خيارا آمنا بما يكفي، ولعل السبب الذي يدفع هذه الشركات للتعامل بجدية مع مسألة أمن البيانات، يتمثل في إمكانية أن تكون مُلزمة بمتطلبات محددة في هذا الصدد، من قبل الجهات المُنظمة للعمل في المجالات التي تمارسها.


ويُضاف إلى ذلك احتمالية وجود مشكلات عملية في بعض الأحيان، تحول دون أن يشكل العمل من المنزل خيارا مطروحا. من بين هذه العقبات، اعتماد بعض الشركات على أجهزة كمبيوتر فائقة السرعة في معالجة البيانات الواردة إليها من أسواق المال، بحيث تتدنى إمكانية التأخر في نقل هذه المعلومات إلى أقل نسبة ممكنة. وتمثل عوامل مثل هذه، الأسباب التي ربما تحدو بهذه الشركة أو تلك، إلى اختيار استئجار مكتب احتياطي للجوء إليه في أوقات الأزمات، بدلا من تبني سياسة العمل من المنزل.

 

التعليقات (0)