مقالات مختارة

اليمن على حافة الهاوية ما لم يتداركه الرجال الأوفياء

محمد صالح المسفر
1300x600
1300x600

ثمانية وخمسون عاما مضت منذ قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 واليمن لم يهدأ، انقلاب عسكري يتبعه انقلاب عسكري آخر ضحايا تسقط لا شأن لهم بهذا الانقلاب أو ذاك.

 

فجر قيام ثورة الشعب اليمني المجيدة بقيادة السلال ورفاقه اشعل الجوار اليمني حربا ضروسا على اليمن دامت اكثر من خمس سنين عجاف لم يبن مدرسة ولا مستشفى ولم تعبد طريق. حرب سعودية مصرية على صعيد اليمن الأول يريد عودة الإمامة ومكوناتها والآخر يريد تثبيت قواعد الثورة والانتقال باليمن من ربقة التخلف والجهل والأمية إلى معراج التقدم والازدهار.

 

انتصر الفريق الثاني وبقي النظام الجمهوري، لكنه لم يهدأ، مؤامرات تلو أخرى لإرباك اليمن وجعله يدور حول نفسه، انقلاب على السلال قادته النخبة ( حركة 5 نوفمبر ) والرئيس في زيارة رسمية خارج اليمن. ثم جاء القاضي عبد الرحمن الأرياني من خارج دائرة العسكر وبقي يحكم سبع سنين لم يهدأ اليمن ثم زهد في الحكم واستقال، أتى بعده رجل اليمن النزيه الوطني إبراهيم الحمدي وكان رجلا يحمل مشروع أمة لكنه اغتيل، وجاء احمد الغشمي ليكمل المسيرة لكنه أيضا اغتيل قبل أن يتم عامه الأول في السلطة.

 

وجاء علي عبد الله صالح إلى سدة الحكم وهو يسير في بحر من الدماء وبقي يحكم اكثر من ثلاثين عاما والحق أن علي عبد الله صالح لو استخدم عبقريته لصالح اليمن لبنى يمنا سعيدا لكنه بنى لنفسه ثروة وجاها لا يستحقه وما برح اليمن يترنح.

في جنوب اليمن كانت ثورة أكتوبر 1967م المجيدة على الإنجليز وأخرجت تلك الثورة بريطانيا من جنوب اليمن بعد ما يقارب 150 عاما من الاحتلال والهيمنة. كان أحد أبرز قادة تلك الثورة قحطان الشعبي وبقي يحكم حتى 1969م ثم عزل من قبل الرفاق ووضع تحت الإقامة الجبرية حتى وفاته 1981م. خلفه سالم ربيع علي وحكم من ( 1969ــ1978 )، ولصراع على السلطة تم إعدامه من قبل زملائه في سدة الحكم، وخلفه علي ناصر محمد(1978 ــ 1986 ) وتفجرت الأوضاع في الجنوب وسالت الدماء بين الرفاق وانقلبوا على رفيقهم وتم إبعاد الرئيس علي ناصر إلى خارج البلاد.

 

وجاء عبد الفتاح إسماعيل ليحكم ( 1978 ــ 1986 ) وأخيرا اعدم من قبل الرفاق، ثم أتى علي سالم البيض حكم ( 1986 ــ 1990 ) وأعلنت الوحدة بين الشطرين الشمال والجنوب وعين البيض نائبا لرئيس الجمهورية ولكن لم يناسبه الحال فتمرد على الوحدة حقا أو باطلا وانتهى به المطاف في المنفى.

يلاحظ القارئ الكريم أن اليمن لم يهدأ، ويعود عدم سيادة الهدوء في اليمن إلى أسباب كثيرة ومتعددة نورد بعضها على سبيل المثال لا الحصر. في الشمال لم ترحب الدولة السعودية في عهدي الملك سعود ومن أتى بعده من إخوانه الملوك بقيام نظام جمهوري على حدودهم الجنوبية فتصدوا لها عسكريا مستعينين في ذلك بقيادات أمامية لكنهم فشلوا لأن الشعب اليمني عانى من نظام الإمامة قرونا من الزمن فالإمامة في كل مراحلها كما يعتقد أهل اليمن أنها " مزيج من العنصرية والطائفية والفاشية والجهل والأمية والتخلف والقتل والتدمير " ولن يقبل بها الشعب اليمني بأي حال.

 

راحت السعودية تؤلب النعرات القبلية على النظام الجمهوري مستخدمة الدين والمال والتخويف من المستقبل وبقيت تمارس تلك الطريقة الجاهلية حتى تاريخنا المعاصر. لقد أنفقت مليارات الدولارات لتسييد طرف على آخر ولكنها فشلت إلا في حالة واحدة وهي بقاء الرجل اليمني في حاجة لا يملك غير " ميزر وخنجر ونعال مصنوع من بقايا عجل ( تاير) السيارات البالية وزمزمية ماء وحزمة قات وبندقية وذخيرة ويذهب ليقاتل في جانب من يدفع.

في هذه الأجواء الموحشة انطلق الحوثيون من صعدة شمالا قاصدين الاستيلاء على السلطة في صنعاء وحققوا هدفهم في أغسطس 2014 وتفككت الدولة اليمنية، وجاء الداعي لإنقاذ الشرعية ( عبد ربه منصور هادي ) فكانت عاصفة الحزم بقيادة السعودية في مارس 2015 اندفعت لاسترداد الشرعية لأصحابها واستبشر الناس خيرا ولكن كما يقول المثل "يا فرحة ما تمت"، فالحوثيون يتوسعون في كل أرجاء اليمن وعاصفة الحزم كأنها لم تكن يقول خبير في الشأن الاستراتيجي " أن السعودية استلهمت تكتيك عاصفة الصحراء الأمريكية لتحرير الكويت عام 1991 فهي أي أمريكا استغلت الفرصة لتحطيم العراق وتدميره وكانت قادرة على إنهاء الأزمة مع العراق بعد ما تمكنت من إخراج آخر جندي عراقي من الكويت.

 

لكنها مارست على العراق كل أنواع العدوان سياسيا وعسكريا وإعلاميا ونفسيا وشنت عليه غارات على مدى اثني عشر عاما تحت ذرائع متعددة وعندما أيقنت أن العراق لم يعد قادرا على الصمود والتصدي انقضت عليه فأسقطت الحكومة الشرعية وأعلنت أن العراق دولة محتلة ومن بعدها نصبت عملاءها على العراق وهذا العراق ما انفك يترنح بين ايران وأمريكا والقوى في الداخل. يقول ذلك الخبير في الشأن اليمني أن السعودية لا ترغب ولن تسمح بإلحاق الهزيمة بالحوثيين وفي نفس الوقت لن تسمح لقوى الشرعية بالانتصار واستعادة هيبة الدولة على اليمن الموحد.


ما هو الحل إذا؟


إن الحل بيد اليمنيين لن تجدي كل المحاولات الراهنة لأنها ليست جادة. على اليمنيين أن يترفعوا جميعا عن السعي لتحقيق المصلحة الذاتية سواء الأفراد أو الأحزاب، أو منظمات دينية، عليهم أن يجعلوا مصلحة بلادهم فوق كل اعتبار يجب أن يدركوا بأن يمنا موحدا خيرا من يمن مفكك تتناهشه المصالح من الداخل والخارج لن تنصركم الدول المحيطة بكم وإنما سيستنزفونكم حتى تهنوا وتضعفوا ثم يتقاسمونكم بذريعة محاربة الإرهاب وأي إرهاب يعنون ؟!

(الشرق القطرية)

0
التعليقات (0)