كتاب عربي 21

الثورة السودانية "المختطفة" بين الأيديولوجيا وسياسة المحاور

فراس أبو هلال
1300x600
1300x600

منذ انطلاق الثورة السودانية ضد نظام البشير وقف معظم إسلاميي العالم العرب معها، ولم يمنعهم أن النظام كان محسوبا على التيار الإسلامي في مرحلة طويلة منذ قيامه، واستمراره بادعاء تمثيل هذا التيار حتى ساعاته الأخيرة.

 

لم يقف إسلاميو السودان باستثناء حزب المؤتمر القومي الحاكم ضد الثورة، وكان بعضهم قد عانى طويلا من النظام مثلهم مثل غيرهم من التيارات، وخصوصا حزب المؤتمر الشعبي الذي أسسه الترابي وكان شريكا لعقد كامل أو أكثر بالنظام، قبل أن يحصل الفراق بينهما.

 

تأثر الإسلاميون العرب عموما بتجارب الربيع العربي، وصاروا أكثر التزاما بمفهوم الشرعية الديمقراطية أو الانتخابية، وأكثر احتراما لحركة الشعوب، ولو كانت على حساب أيدولوجيتهم.

 

صحيح أنهم لم يغيروا أساس الأيديولوجيا المنشئة لتيارهم، وليس مطلوبا منهم ذلك بالطبع، ولكنهم صاروا أكثر قبولا للتداول السلمي على السلطة، وممارسة السياسة وفق آليات الدولة الحديثة، وعانوا أكثر من غيرهم من الانقلابات، خصوصا في مصر بعد انقلاب يوليو 2013.

ولكن مسار الثورة السودانية بدأ يطرح تساؤلات على هذا التيار، خصوصا بعد أن اتخذت السلطة الجديدة بعض القرارات التي رأى فيها كثيرون انحيازا للأيدولوجيا، والاجتثاث، بدلا من الانحياز لقيم الثورة وعلى رأسها الحريات، وحقوق الإنسان، والحكم الرشيد. مثل هذه القرارات، ونعني بها بعض الإجراءات ضد مؤسسات تعليمية أو خيرية "إسلامية" والاتهامات بالتعسف باعتقال الإسلاميين، ومنعهم من حقوقهم الأساسية في السجون، باتت تشكل تساؤلات خطيرة، يجب على السلطة الجديدة أن تجيب عليها.

وإذا أردنا التحدث بحذر شديد عن هذه الإجراءات لعدم وضوحها للمتابع العربي البعيد عن السودان، فإن السلطة الجديدة على الأقل فشلت في توضيحها، وعجزت حتى الآن عن طمأنة الإسلاميين، وخصوصا أولئك الذين لم يستمروا في سلطة الحكم السابق، ولم تستطع أن تقنعهم بأنها لا تستهدف تيارا معينا، وأنها تريد بناء نظام جديد قائم على العدالة الانتقالية، وليس على الانتقام الأيدولوجي.


ولكن الأهم والأخطر هو تلك السياسات التي لا تنتمي لقيم الثورة، بعيدا عن التجاذبات العلمانية- الإسلامية، وهي التي باتت تشكل قلقا لدى العرب الحريصين على نجاح الثورة بمعزل عن الانتماءات الأيدولوجية، ونعني بها سياسة المحاور التي أدت لارتكاب السلطات الجديدة لأخطاء جعلت الكثيرين يشعرون بالخوف من "اختطاف" الثورة، وحرفها عن مسارها.

لا يمكن لبلد ينتمي لقيم العدالة والثورة أن يساهم مثلا في إرسال جنود يعملون "كمرتزقة" في الصراع الليبي، خصوصا إذا كانت مساهمتهم لصالح الطرف الذي يبشر بحكم عسكري، ويسعى للانقلاب على مخرجات الاتفاقات السياسية في ليبيا، وخصوصا اتفاق الصخيرات الذي ينظم العملية السياسية في ليبيا.

 

اقرأ أيضا: مؤشرات إرسال قوات سودانية إلى ليبيا

 

وإذا كانت السلطة الجديدة في السودان لا تستطيع تقديم الدعم للحكومة الشرعية الليبية بحكم وضعها، وهو أمر متفهم ومقبول، فإنها على الأقل يجب أن لا تساهم بزيادة المحرقة الليبية بإرسال السودانيين لحرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.


وعلى الرغم من نفي السلطات السودانية هذه المشاركة، إلا أن تقارير دولية وصحفية كتبت من لجان مرموقة، أكدت هذه المشاركة، التي لا يمكن أن تنتمي لأخلاق ومبادئ الثورة.

يتفهم الجميع وضع الدولة السودانية المرتبك، ويدرك أنها لا يمكن أن تواجه مصر أو تعاديها، وليس مطلوبا منها أصلا أن تمارس العداء ضد دولة كبيرة ومحورية مثل مصر، بل الأصل أن تقيم معها علاقات ندية قائمة على حسن الجوار والتعاون، ولكن ليس مقبولا من سلطة أنتجتها ثورة شعبية عظيمة أن تسلم "مطلوبين" سياسيين مصريين إلى سلطة لا تقيم القانون، وتفتقد إلى أدنى المعايير الدولية في القضاء وحقوق الإنسان، ما يجعل مصير هؤلاء المعارضين السجن المحقق دون عدالة أو محاكمات حقيقية.

وفي البعد القومي أيضا، لا يمكن قبول توجه السلطة الجديدة، التي يفترض أنها سلطة مؤقتة انتقالية، نحو التطبيع مع الاحتلال، وتتويج ذلك بلقاء رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان برئيس حكومة الاحتلال، دون مناسبة، وبدعم وإيحاء من لوبيات أقنعته أن هذا الانفتاح على الاحتلال قد يخفف وطأة الصراع مع الولايات المتحدة، وهي حجة واهية، فضلا عن كونها ساقطة أخلاقيا، ولا تنتمي للثورة.

 

اقرأ أيضا: هل يجني نظام السيسي ثمار التنسيق الأمني مع السودان؟

ولعل المثير للغرابة، أن مثل هذه الأخطاء كانت تتم في السنوات الأخيرة لحكم البشير، وأنها استمرار لسياسته، التي ثبت بالوجه القطعي أنها لم تتمكن من حمايته، ومنع إسقاطه.

ولكن الأسوأ في هذا المسار، هو خفوت صوت المعارضة لمثل هذه الإجراءات، وكأن داعمي الثورة وتياراتها الرئيسية تقبل بها، وإن لم يخل الأمر من بعض الانتقادات الخجولة، بينما المتوقع من ثورة شعبية لا تزال تحتفظ ببعض زخمها أن تكون بالمرصاد لأي إجراءات تحرف الثورة عن طريقها الصحيح، وتختطفها لصالح أجندات تنتمي للنظام السابق أكثر من انتمائها للثورة ومبادئها.

 

إذا كانت الثورات الشعبية العربية قد حققت إنجازات قليلة خلال العقد الماضي، فإن أهمها على الإطلاق هو الإيمان بدور الشعوب بحماية منجزاتها، وإدراك أن الثورات لا يمكن أن تستمر بمبادئها السامية إذا لم تلعب هذه الشعوب دورها بالدفاع عنها.

 

ثمة قلق شعبي عربي على ثورة السودان، ولكن الأمل لا يزال معقودا على الشعب وقواه الثورية لتصحيح مسارها، كما ينبغي لثورة شعبية أن تكون.

التعليقات (2)
adem
الإثنين، 18-05-2020 09:58 م
ما ذكرتموه معلوم للعامة ما لم أفهمه ما جاء في حوار مرشد إخوان السودان معكم و الذي يناقض الكثير ممّا جاء في المقال !!! بالنسبة لانحراف مسار الثورة سيظهر جليا الفرق بين العلمانييين أدعياء الديموقراطية و الإسلاميين بين من يرفض الانتخابات و نتائجها و يقبل أن يكون ذيلا للعصابات الحاكمة و الغرب و أحفاد أبي لهب و أُبَيْ و يقيم ويقعد الدّنيا ويتوعّد لأتفه الأسباب ولكم في العلمانيين الأتراك التوانسة المصريين خير مثال على ذلك بينما يقبل الطرف الآخر الاحتكام إلى الشعب في كلّ كبيرة و صغيرة ، حقّا معضلة كبيرة جدا ألّا تجد للإسلاميين معارضة حقيقية تقبل التحدّي و نتائجه وتلتزم بالديموقراطية قولا و فعلا و لا ترهن مصيرها و مصير الأوطان إمّا للإجرام الدّاخلي أو الحقد الخارجي مؤسف !
الصعيدي المصري
الإثنين، 18-05-2020 08:23 م
ولماذا لا نكون اكثر صراحة .. ونقول ان اليسار السوداني باه ثورة الشعب السوداني للعسكر نكاية وكيدا في اي مكاسب او مشاركة محتملة لتيارات الاسلام السياسي .. والذي لعب اليسار مبكرا على نغمة ان المخلوع البشير بنظامه العسكري الديكتاتوري كان يمثل الاسلام السياسي .. وانطلت الخدعة على كثير من الشعب السوداني.. تكاد الثورة السودانية ان تفشل بعد ان نام اليسار في حضن العسكر .. وبعد ان فاموا بطلاء المجلس العسكري صاحب السلطة الحقيقية بمجموعة ديكورية من المدنيين امثال حمدوك وشلته والذين ارتضوا ان يكونو واجهة مزيفة للحكومة في السودان .. سخرية من الشهب وثورته ..