قضايا وآراء

المتاجرون بقميص فرج فودة

عصام تليمة
1300x600
1300x600

لا أدري لماذا في الآونة الأخيرة يجري افتعال مواقف غير مفهومة، يقوم بها فصيل معين، وأفراد معينون باستدعاء قضية الراحل الدكتور فرج فودة، وقضية مقتله، ورفع قميصه من جديد، وكأن القضاء المصري لم يحكم في القضية، ولم يتم محاكمة قتلته، ليقوم أفراد لم يقرأوا كتب فرج فودة، ولم يلموا بقضيته، ليفتعلوا موقفا أو قضية من الموضوع، وهي غير مطروحة بالمرة.

ففي يوم ميلاد فرج تعاد نفس القصة، وفي يوم وفاته، وفي يوم وفاة دكتور محمد عمارة يتم استدعاء القصة، رغم أن عمارة لا علاقة له البتة بموضوع فرج فودة، وإذا جاء ذكر الشيخ الشعراوي، يتم تلفيق اسمه مع فرج فودة وقضيته، لدرجة أنه أصبح أي ذكر من قريب أو بعيد يتعلق أو لا يتعلق بفرج فودة، يتم استدعاء قضيته، للحديث عن الإسلام السياسي كما يطلق عليه، أو الجماعات الإسلامية، أو رموز الأزهر والمشايخ. وأصبح فرج فودة شماعة يعلقون عليها طرح أفكارهم.

أمس تم الإعلان على السوشيال ميديا، ومواقع التواصل الاجتماعي، أن موقع الهيئة العامة للكتاب ستقوم ببث المناظرة التي جرت بين الإسلاميين والعلمانيين، والتي كان مشاركا فيها فرج فودة، ومحمد خلف الله، من الطرف العلماني، والشيخ محمد الغزالي، ودكتور محمد عمارة، والمستشار محمد المأمون الهضيبي ممثلا عن الإسلاميين. وقد كانت في معرض الكتاب سنة 1992م. وتم التركيز في الإعلان على مقاطع لفرج فودة!!

ليست لدي مشكلة في إعادة أحداث في سياقها، لكن مشكلتي هنا، أن في مصر مشكلات مصيرية، تهدد مستقبل مصر وشعبها، لن أتكلم عن الحاضر السياسي وقتامة الصورة التي نراها منذ يوليو 2013م، وما بعدها، بل ما تعيشه مصر الآن من مصيبة (كورونا) وأداء النظام المصري معه، وهو أداء يصيب الشعب المصري بالرعب، وكم الوفيات والمرضى المخيف، والإهمال واللامبالاة من هذا النظام، وإلقاء اللوم على الشعب.

 

إن من يهرب من مواجهة الواقع، للحديث عن الماضي، هو جبان، مهما ادعى التنوير وادعى الشجاعة، وهو يمارس لونا أسميته من قبل: النضال الطري، أما النضال الذي سيغضب منه السلطة الغاشمة، فلن يقترب منه،

 



ومصيبة سد النهضة، وفشل المفاوضات مع إثيوبيا، والتي أعلنت أنها ستبدأ في ملء السد، ولن تنتظر أحدا، ومصر لا حول لها ولا قوة، بعد أن تنازلت عن كل حول لها وقوة، لكي ينال منقلبها وديكتاتورها السيسي الرضا الدولي عنه بعد مجزرة رابعة، فتنازل عن كثير من مقدرات مصر، سواء من الغاز في البحر المتوسط، أو في الحق التاريخي في النيل، وأصبحت مصر مهددة بعطش لم يحدث لها من قبل.

في ظل هذه التحديات الخطيرة، والتهديدات المرعبة لمصر شعبا ونظاما، حين أجد من يقدمون أنفسهم بالنخبة، أو التنوير، يتركون كل هذا للنبش في الماضي، وليت الماضي الذي ينبشون فيه له علاقة بالحاضر، بل ماضي انتهى تماما، فالقاتل والمقتول بين يدي الحكم العدل سبحانه وتعالى، ولم يعد هناك امتداد حقيقي في الواقع لا للقاتل ولا للمقتول، لكن هناك من يريد بأي شكل ما، صنع امتداد فكري أو تاريخي، المهم أن يوجد هذه العلاقة بأي شكل، وأي وضع.

وإذا كانت المناظرة التي كان فرج فودة طرفا فيها ضد طرف الإسلاميين، كان الحديث فيها عن الدولة الدينية والدولة المدنية، فمصر الآن لا يجري فيها نقاش، ولا مجرد إعداد لنقاش حول الدولة الدينية ولا المدنية، مصر الآن مفروض عليها منذ يوليو 1952 دولة عسكرية بامتياز، فعندما يتم استدعاء الحديث عن الدولة الدينية، بينما يتم التغاضي تماما عن واقع بل كابوس اسمه: الدولة العسكرية، والدولة البوليسية، بكل ما تعنيه الكلمة. 

فعندما نترك الحديث عنها، لنذهب إلى قبر الماضي البعيد، أو الماضي القريب، لنستدعي نقاشا لا وجود له، تاركين النقاش الحقيقي، فعندئذ يكون في الأمر ريبة، وفي الأمر إلهاء عن مشاكل الناس الحقيقية، إلهاء وصرف للناس عن مصائب الحكم العسكري.

والسؤال هنا: لو كان فرج فودة في هذ المناظرة قد تحدث عن الحكم العسكري، هل كان موقع الهيئة العامة للكتاب، سيحتفي بالمناظرة، ويرفعها على موقعه بعد مرور 28 سنة عليها؟ وهل كان سيتم تناول حياته وفكره وموقفه بأي درجة من الرضا لو كان له رأي في الحكم العسكري، واشتهر به كموقف، الحقيقة المعروفة للجميع، أنها لا، بل ربما كان سيتم طمس كل ما يقال عنه.

لست هنا في مقام الحديث عن فرج ولا عن فكره، بل حديثي هنا عن قميص يتم المتاجرة به، وجر الناس للحديث عن قضايا لن تفيد في حاضرهم، بل هي أشبه بمخدر وإلهاء لهم عن الواقع المعيش بكل مصائبه ومخازيه.

يا من تدعون التنوير والدعوة للدولة المدنية: دونكم ميدان الإصلاح والتنوير، فحدثونا عن الدولة المدنية، وعوائق قيامها، ودور الدولة العسكرية في الحيلولة دون ذلك، وعن إقصاء الدولة العسكرية لكل مدني، وضياع مقدرات الوطن على يد هذه الدولة، وعندما تفرغون من الحديث عن هذا الواقع المرير، سننتظر حديثكم عن الماضي، وما جرى فيه.
 
وقبل أن تحدثونا عن محاكم التفيش في الماضي، أمامكم واقع ماثل أمام أعينكم، وأعين العالم كله، مع مدنيين لا يمكن أن يتهموا بالتطرف أو الإرهاب، فهل تحدثتم عن محاكم التفيش لهم ولذويهم، ومنذ أيام نشرت صورة الدكتور ليلى سويف وهي تنام على الأرض أمام سجن طره، لإرسال رسالة لابنها علاء عبد الفتاح المضرب عن الطعام، فهل من حبس علاء هي الدولة الدينية، أم الدولة العسكرية؟

إن من يهرب من مواجهة الواقع، للحديث عن الماضي، هو جبان، مهما ادعى التنوير وادعى الشجاعة، وهو يمارس لونا أسميته من قبل: النضال الطري، أما النضال الذي سيغضب منه السلطة الغاشمة، فلن يقترب منه، هم يحسنون النضال ضد من في القبور، أما من في القصور، فهم يسبحون بحمدهم ليل نهار، لأنهم يعلمون ضريبة الحديث ولو بالتلميح عنهم، فنماذج من في السجون خير عبرة لهم على ما يمكن أن ينالهم.

[email protected]

التعليقات (2)
مصطفي جابر
السبت، 23-05-2020 02:56 ص
عفوا لكن كتابتك ليس الا محاوله ان تاخذنا الي موضوع اخر غير الموضوع الاساسي ولا يوجد ما يمنع من اعاده نشر قضيه فرج فوده وارءاه و ان يُرد عليها في نفس السياق وليس بتوجيه القاري لمواضيع اخري
الكاتب المقدام
الجمعة، 22-05-2020 12:33 ص
فرج فودة اعطي من الاهتمام في حياته وبعد مماته من زمرته وممن عارضه أكثر مما يحتمل، وسواء صحت مزاعمه في أنه حامل للدكتوراة في الاقتصاد الزراعي أو لم تصح، أو إدعاءه أنه عمل كأستاذاً جامعياً في العراق في تخصصه فليس هذا موضوعنا، فليس فيما تركه من كتابات منشورة أو كلامه المرسل المنقول عنه دليلاُ على أستاذيته المزعومة في الاقتصاد الزراعي، ولعله كان صادقاُ ولكنه لم يجد في ذلك التخصص ما يرتزق من وراءه على أهميته لمستقبل وطنه الذي كان يدعي استماتته في خدمته، فقد تحول إلى مجال يدرك أنه يستطيع الاسترزاق منه ونيل التصفيق والتطبيل عليه من أمثاله من مسوخ الحضارة الغربية الذين كرسوا حياتهم للطعن في تاريخ المسلمين وشرائعهم وعقائدهم والسعي للنيل من علماءهم، وإلى الإشادة بكل ناعق بصرعة علمانية، تأتي ممن احتلوا بلادنا ونكلوا بنا وذقنا منهم ويلات عنصريتهم البغيضة، وسموه استعماراً وهو في حقيقته استحماراً للسذج من أبناء اوطاننا، فمرة يدعوننا إلى دكتاتورية البروليتاريا، ويبشروننا بموت الإله والتقدم تحت لواء العلمانية المنفلتة من الأديان، وأخرى يسوقوننا إلى جنة الليبرالية، وغالبيتهم من الكذبة الفجرة، فما أن يسمعوا وقع بيادة العسكر حتى يمدون أيديهم إليهم ويضعونهم في مصاف الآلهة الذين بيدهم ملكوت كل شئ، ويكون قولهم كما قال أحد كبار طوائفهم لكبير العسكر: "أموت عشقاً فيك"، فتلك هي بضاعتهم ولا يملكون إلا إلهاء الناس بهرطقاتهم.