صحافة دولية

هكذا تحول فيسبوك وتويتر إلى متحدثين باسم اليمين المتطرف

هل تخشى مواقع التواصل من الأنظمة الحاكمة؟ - CC0
هل تخشى مواقع التواصل من الأنظمة الحاكمة؟ - CC0

 نشرت صحيفة "بوبليكو" الإسبانية تقريرا تحدثت فيه عن منصتيْ تويتر وفيسبوك اللتين تحولتا من أداتين ديمقراطيتين ووسيلتين لفائدة المواطنين إلى منصتيْ الدعاية السياسية، تعملان حتى لاضطهاد المعارضين والناشطين.
 
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه يمكن للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب تغيير وسائل التواصل الاجتماعي إلى الأبد. يبدو أن الصراع المفتوح الذي يحافظ عليه رئيس الولايات المتحدة مع تويتر، والصراع الذي تسبب فيه بشكل غير مباشر على فيسبوك، يلمح لنقطة تحول لهذه المنصات. في هذا السياق، يتزايد انتشار الأكاذيب والمناخ المعادي والمستقطب بشكل أكثر وضوحا، الأمر الذي أجبر المنصات على العمل لحماية صورتها.
 
وأوردت الصحيفة أنه في مواجهة عدم اليقين بشأن شكل قراراتهم الحالية في المستقبل، كشفت الأحداث الأخيرة عن تغيير في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ أنها لم تتحول على الإطلاق إلى الأداة المدنية والديمقراطية التي شاهدها المجتمع في الربيع العربي.

 

اضافة خبر متعلق

ونقلت الصحيفة عن الأستاذة في جامعة نورث كارولينا والخبيرة في المجتمع والتقنيات الرقمية، زينب توفيكسي، أن "التقنيات الرقمية لم تعد تعمل كأدوات للحرية وتحولت إلى طرف مذنب ومسؤول عن الاضطرابات في الديمقراطيات الغربية، لأنها سمحت بمزيد من الاستقطاب وزيادة الاستبداد والتدخل في الانتخابات".
 
التسييس والدعاية


تقول باحثة البيانات الاجتماعية في جامعة كارلوس الثالث بمدريد، ماريلوث كونغوستو: "تحتقر الأحزاب السياسية مواقع التواصل الاجتماعي، باستثناء أولئك الذين لم يكن لديهم إمكانية نشر إعلانات تلفزيونية وصحفية". في هذا السياق، تتذكر الباحثة كيف كان أوباما أول مثال عظيم لسياسي غيّر مفهوم التواصل على هذه المنصات.
 
وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس الأمريكي السابق استخدم بالفعل البيانات التي احتفظ بها فيسبوك حول مستخدميه لحملته. ظهر هذا في مقال حوله في صحيفة "الغارديان" خلال عملية إعادة انتخاب أوباما سنة 2012، ومع ذلك، انتقلت انتصاراته في استطلاعات الرأي إلى الخيال الجماعي باعتباره أحد الأمثلة العظيمة الأولى للاستخدام الناجح لمواقع التواصل الاجتماعي من الناحية الانتخابية. تقول كونغستو: "لقد أصبحوا اليوم أداة دعائية"، مشيرة إلى وصول السياسة إلى مواقع التواصل الاجتماعي كأحد الأسباب الرئيسية للتغيير الذي مروا به.
 
وأضافت المجلة أنه فيما يتعلق بهذا التغيير، أكد أستاذ الصحافة في جامعة جاومي الأول في كاستيلون ومؤلف العديد من الدراسات الأكاديمية في هذا الصدد، أندرو كاسيرو، أن الوباء قد يكون نقطة تحول لفرض تغيير جديد في مواقع التواصل الاجتماعي. ويقول على ضوء ذلك إنه "بدلا من استخدام هذه التقنيات لإحداث التغيير الاجتماعي، أصبح استخدام منظمات اليمين المتطرف لهذه التقنيات سائدا".

 

اضافة خبر متعلق
وأوضحت الصحيفة أنه في السياق ذاته، تؤكد كونغستو أنه "اعتبارا من أيلول/سبتمبر 2018، كانت هناك زيادة في الحسابات الخاصة باليمين المتطرف"، على الرغم من أنها أشارت أيضا إلى أنه على تويتر، كانت الأغلبية العظمى من الحسابات يسارية، لذلك سنكون الآن أكثر قربا من التوازن. وأفاد كل من كاسيرو وكونغستو أن هذه الحسابات تستخدم أنظمة مماثلة لتلك التي شوهدت في حركة 15-إم، من قبيل خلق مواضيع شائعة لزيادة مدى وصولها للمتابعين. ومع ذلك، يحذر كلاهما من أن هذه الحسابات تجلب أيضا عنصرا جديدا لم يقع رؤيته في حركة 2011 والذي يتمثل في انتشار الأكاذيب والخدع.
 
يقول كاسيرو: "إننا نعيش حربا إعلامية غير معلنة"، مشيرا إلى التدخل الانتخابي من دول مثل روسيا أو مراقبة الرأي المنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي حول البلاد، كما تفعل المملكة العربية السعودية. وأشار قائلا إن "اليمين المتطرف فهم هذا المناخ جيدا."
 
درس الربيع العربي


نقلت الصحيفة قول الباحثة توفيكسي في سنة 2018 أن "السلطة يقع تعلُّمها دائما، والأسلحة القوية تقع دائما بين يديها. إنه درس تاريخ صعب، لكنه درس قوي". إذا كان وصول المؤسسات والطبقة السياسية على مواقع التواصل الاجتماعي حاسما في الغرب، فقد كان الأمر أكثر حسما في مختلف البلدان العربية والآسيوية.
 
وبالنسبة إلى الربيع العربي، بالإضافة إلى كونه مثالا لحشد المواطنين المدعوم بموقع التواصل الاجتماعي، يمثل الربيع العربي أيضا درسا تعلّمته العديد من الحكومات والدول الاستبدادية بسرعة. في البداية، حاول الرئيس المصري آنذاك، حسني مبارك، أن ينهي صخب المعارضة دون جدوى من خلال إغلاق الوصول إلى تويتر في جميع أنحاء البلاد، وهو الأمر الذي لم ينه الاحتجاجات على الإطلاق والذي انتهى بعد أيام قليلة بالإطاحة بالرئيس.
 
وأضافت الصحيفة أنه سرعان ما تعلمت دول مثل سوريا من هذا الخطأ، من خلال المرور إلى استخدام هذه المواقع مثل فيسبوك للتعرف على النشطاء والمعارضين واعتقال أولئك الذين ينشرون رسائل ضد حكومة بشار الأسد. يقول كارلوس دي لاس هيراس، المتحدث باسم منظمة العفو الدولية، إن "حكومات دول معينة، حتى أكثرها استبدادية، تعتبر هذه الوسائل كأداة لتمديد قوتها، وللحد من حرية التعبير".
 
الاستقطاب المتزايد


أفادت الصحيفة بأنه بالإضافة إلى غزو المجال السياسي للمنصات واستخدام الخدع، تحتوي مواقع التواصل الاجتماعي حاليا على مكون آخر يفصلها عن كونها أداة التغيير التي كانت تمثلها ذات يوم، وهي الاستقطاب المتزايد. إلى جانب ذلك، حوّل المناخ العدائي الذي تشهده هذه المنصات التصريحات التي تحث على الكراهية أو تحرض على العنف إلى أمر اعتيادي. وهو ما حدث بالأساس مع ترامب.

 

ومن جهتها، غالبا ما تجادل هذه الشركات بأنها ليست مسؤولة عما يعبر عنه المستخدمون على المنصة. ومع ذلك، فهم أكثر إدراكا للاستقطاب الذي تسببه خوارزمياتهم بين مستخدميهم. ويتضح ذلك من خلال تحقيقين أجرتهما صحيفة وول ستريت جورنال. أشار أحد التحقيقين إلى كيفية قيادة يوتيوب لمستخدميه، من خلال التوصيات، إلى المحتوى الأكثر تطرفا على منصته، وهو ما يكون لصالح منشئي نظريات المؤامرة والخدع والتضليل بشكل غير مباشر. وكشفت دراسة أخيرة عن تجاهل فيسبوك للتقارير الداخلية التي تحذر من الاستقطاب الناتج عن الخوارزمية الخاصة به.
 
وفي الختام، نقلت الصحيفة عن كاسيرو بشأن موقف هذه الشركات أنه "أحيانا ننسب لهم مفهوما ديمقراطيا أو مدافعا عن الديمقراطية الذي لا يملكونه بالضرورة، لأنها ليست سوى شركات". ومن جانبها، تشير كونغستو إلى أنه "كلما طالت فترة وجودنا على المنصة، زاد المال الذي يكسبونه والمزيد من المعلومات التي يمتلكونها عنّا. علاوة على ذلك، فإن نوع المحتوى الذي يجعل الناس أكثر إدمانا عليها لا يتعلق بالحب والسلام، بل بالعكس تماما بالسخط والغضب".

التعليقات (0)