قضايا وآراء

من آيا صوفيا إلى تونس.. إيقاعات متنوعة "للنخب"

نزار السهلي
1300x600
1300x600
كثيرة هي المواضيع التي انشغلت به المنابر الإعلامية العربية، في الأسابيع الأخيرة، ليتحول جدل تحويل موقع آيا صوفيا في تركيا من متحف إلى مسجد؛ لنوع من التبارز الإعلامي مع حالة تسخين هستيرية وصلت لأرجاء الفضاء الإعلامي العربي المسير من قبل الأجهزة الأمنية العربية وللعالم الغربي، والتي تتخذ بعض دوله مواقف عدائية من كل حركة يتنفس فيها الموقف التركي شرقاً وغرباً.

وبغض النظر عن مدى صوابية القرار الذي اتخذه الرئيس أردوغان بما يخص "آيا صوفيا"، الا أن ما شهده مسرح الصراع من تحويل المتحف إلى مسجد من قبل "نخب عربية" يفتح الباب لأسئلة ثقيلة الظل على المشهد العربي واستحقاقاته المختلفة، خصوصاً بما يتعلق بالملفات الداخلية التي تهم الشارع العربي وتحدياته، بعد سلسلة من الإخفاقات التي رزحت تحتها نخب النظم الرسمية وبعض ما كان محسوباً على تيارات تنويرية وتقدمية وثورية.

الانشغال الثاني والمهم، كان في رصد جلسة مجلس النواب التونسي "التاريخية" لسحب الثقة من راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة ومجلس النواب. فقد اعتبرت بعض النخب العربية قبل انعقاد الجلسة، أن فكرة التصويت هو انتصار "شخصي" لهم لا للديمقراطية التونسية التي رسختها الثورة منذ العام 2010 وأن كل نقاش التوانسة في ما يخص عمل الحكومة والبرلمان والرئاسة هو نتيجة عملية ديمقراطية، ولأنه لا منتصرين بدون مهزومين، بدأ يصدر بعد فشل عملية سحب الثقة من خلال التصويت ما يوحي من المهزومين في العملية الديمقراطية؛ برفض تلك العملية لأسباب متعلقة برفضهم الكلي لرؤية حركة النهضة ممثلة في البرلمان أو الشارع، ونعتها بكل أوصاف الطعن والتخوين، والكشف عن رغبة دفينة لرؤية عسكري يتسيد مقام الرئاسة مع نوابه يشرفون على الحياة السياسية والاقتصادية في المجتمع التونسي.

الأسبقية على رمزية الحدث، والمعنى العميق للمهمة التاريخية للديمقراطية الناشئة في تونس، عقب عليها الغنوشي إثر فشل التصويت على سحب ثقة المجلس منه؛ بأن تونس "تحتاج لمزيد من الديمقراطية ومزيد من ثقافة الحوار"، وتعهد بالحفاظ على مسافة واحدة من الجميع خلال مواصلته مهام رئاسة المجلس. وقال إن لتونس مستقبلا ما دامت متمسكة بالحرية.

لكن في المقابل انهمكت الماكينة الإعلامية لبعض النظام العربي الذي يقود الثورة المضادة مع "نخبه" في تقديم رغبتها وأحلامها عن مستقبل تونس. فمن كان يرى في الثورة التونسية نموذجا ديمقراطيا غير مسبوق في الربيع العربي؛ انقلب على فأكاره نكاية بما أفرزته الديمقراطية وأظهر التصاقا واضحا بالديكتاتورية، وأرجع فشل الرئيس قيس سعيد في ترتيب المشهد الديمقراطي لتغول حركة النهضة أو التيار الاسلامي، مع إطلاق دعوات لتظاهرات شبيهة لما آلت إليه الأوضاع في مصر الانقلاب.

من بين الأسئلة الضاغطة، التي فتحت لها الأبواب، في ظل الانشغال والحماسة المنقطعة في مراقبة المشهد التركي ومن ثم التونسي، هي: هل الفشل في تلمس خصوصية المصلحة الداخلية للمجتمع التركي، وإغفال المصلحة الذاتية المتعلقة بتعزيز قيم الديمقراطية في تونس والاستجابة للحدود الدنيا من متطلبات هذه الخصوصية؛ باستطاعتهما إعادة عهد الاستبداد و التطبيل له كمنقذ وحيد لمآزقها؟

انتقال الاهتمام إلى مواقع جديدة، بإيقاعات متنوعة لنخب عربية على وتر تشويه الثورات والديمقراطية، وتزوير الوقائع، مع ترافق عملية طحن مستمر لمجتمعات أخرى، يزيد من حدة الفصل بين الوعي والسلوك، وبروز الاشكاليات التي عاشتها وتعيشها نخب عربية محسوبة على تيارات ديمقراطية التسمية وحرية المبتغى والتحرر، وهي مقاربة بين ما رفعته من شعارات طيلة عقود، وبين ما تفعله أو أقصى ما تستطيع فعله "الإشادة المستمرة" بدكتاتوريي المنطقة والخلط بينهم وبين بقاء الأوطان أو حرقها، ولعن مستمر لما جلبته الثورات على الطغاة.

في النهاية، تسجيل هذه الإيقاعات وغيرها، جاء على أرضية إيجابية لدور الديمقراطية في تونس وأهميتها في الحياة السياسية والاجتماعية، وكون كثير من الأحزاب والقوى قد حققت الكثير من الإنجازات بفضل الثورة التونسية، لكن فضّل الكثيرون استكمال مشوار العجز ومحاولة إعادة ترميم قصر الدكتاتور العربي وحمايته، والتحالف معه والارتهان لبرنامج الاستبداد. ومن أجل ذلك كله تبقى الخشية على التجربة التونسية مضاعفة، لضخامة المؤامرة ورعب التجربة الديمقراطية التي تقض مضجع الطغاة ونخبهم.

ويكفي النظر لمواقف الكثيرين و"خوفهم" على متحف آيا صوفيا وعلى الديمقراطية التونسية، مع مقارنتها بمواقف مماثلة من جرائم الطاغية والمستبد ضد حواضر وأوابد المجتمعات العربية، لا من أجل الديمقراطية غير المعترف بها من قبلهم، بل بسبب "الإخوانوفوبيا" والإسلاموفوبيا، وهما متراس ضخم لتغطية فشل تاريخي يعزف عليه الطاغية والمستبد ومن يدور في فلكه ممن لا يجرؤ على تقليد سحب ثقة من برلمان يمجد قتل رئيسه لمئات آلاف البشر، أو من آخر يبتلع لسانه في قضية اعتقال عشرات الآلاف بتهم فوبيا الطاغية.

twitter.com/nizar_sahli
التعليقات (0)