صحافة دولية

WP: الثقة بالحكومة الأمريكية ضحية أخرى من ضحايا جائحة كورونا

أظهر استطلاع أجري في سبتمبر أن 40% من الأمريكان إما أنهم لا يثقون كثيرا أو لا يثقون تماما بإدارة الغذاء والدواء لخدمة مصالحهم
أظهر استطلاع أجري في سبتمبر أن 40% من الأمريكان إما أنهم لا يثقون كثيرا أو لا يثقون تماما بإدارة الغذاء والدواء لخدمة مصالحهم

قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إن السياسة لوثت العملية العلمية. والنتيجة كانت جائحة فقدان ثقة، وهو ما يقوض عملية الرد على فيروس كورونا الفوضوية وغير الفعالة في أمريكا.

الصحيفة كانت تعلق على خبر إعلان شركتين عن إنتاج أدوية تسمى الأجسام المضادة وحيدة النسيلة والتي تظهر نتائج تجريبها الأولية بأنها تخفف من أعراض الإصابة، وقدمت الشركتان طلب ترخيص للاستخدام الطارئ للأدوية من دائرة الغذاء والدواء.


ولكن هذا التطور الإيجابي سرعان ما علق في سياسة عام الانتخابات، كما تقول الصحيفة، حيث كرر الرئيس ترامب تصريحاته الكاذبة والمبالغ فيها حول الدواء الجديد. فوصفه بأنه علاج وهو ليس كذلك، وقال إنه على وشك المصادقة عليه، وهو وعد سابق لأوانه وخاصة أن علماء إدارة الغذاء والدواء هم المسؤولون عن البت في طلبات شركات صناعة الأدوية.

تقول الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21" إن البيت الأبيض تدخل مكررا بقرارات الخبراء في إدارة الغذاء والدواء ومراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها وغيرها من المؤسسات العلمية. كما أن العديد من كبار العلماء بمن فيهم كبار الأطباء في الإدارة منزعجون جدا من اصطدام السياسة بالعلم ويندبون آثارها على الصحة العامة.

وقال انتوني فاوتشي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية: "لم أر شيئا يشبه هذا أبدا. إنه يشبه طنجرة الضغط".

وتضررت الثقة بتدخلات البيت الأبيض وأخطاء إدارة الغذاء والدواء في وقت سابق من هذا العام عندما سمحت بشكل طارئ باستخدام هيدروكسي كلوروكوين، علاج الملاريا الذي سوقه ترامب على أنه علاج لكوفيد -19 ثم تم التراجع عندما تبين أن العلاج يمكن أن يتسبب بتعقيدات خطيرة. وفي آب/ أغسطس انتقد مفوض إدارة الغذاء والدواء، ستيفن هاهن بسبب وصفه غير الدقيق لفوائد بلازما النقاهة، وهي تصريحات اعتذر عنها لاحقا.

وتبنى ملايين الأمريكان نسخة من نسخ نظرية المؤامرة التي تتخيل أن الجائحة تهديد مبالغ فيه بشكل كبير أو أنها مجرد خدعة ينشرها علماء تحركهم السياسة وإعلام التيار الرئيسي لتقويض الرئيس. وهذا شكل من أشكال إنكار العلم يجعل الناس يرفضون لبس الكمامات وممارسة التباعد الاجتماعي.

ويقلق العلماء في نفس الوقت من أن تسييس العملية التنظيمية قد يؤثر على طرح اللقاح حتى لو صادق عليه الخبراء في إدارة الغذاء والدواء. وهذا يشكل تحديا للحكومة؛ فالكثير من الناس يريدون معرفة من هو بالضبط الذي يعطي الضوء الأخضر للقاح.

وقالت كامالا هاريس، المرشحة الديمقراطية لمنصب نائبة الرئيس، خلال المناظرة مع نائب الرئيس مايك بنس: "إن قال خبراء الصحة العامة، وإن قال الدكتور فاوتشي والأطباء إن علينا أن نأخذه (اللقاح)، سأكون الأولى في الطابور لأخذه.. ولكن إن قال لنا ترامب علينا أن نأخذه فلن أقوم بأخذه".

بعد ذلك بلحظات قال بنس إنه من غير المعقول أن تقوم هاريس "بتقويض الثقة العامة باللقاح" وأضاف موجها كلامه إلى هاريس: "توقفوا عن لعب سياسة بحياة الناس".

وتعلق الصحيفة على تعليق بنس بأنه غريب وخاصة أن ترامب قام مكررا بتأطير اللقاح في سياق انتخابات الرئاسة بما في ذلك قبل ساعات من مناطرة هاريس وبنس يوم الأربعاء، عندما اقترب من اتهام علماء الحكومة من محاولة تأخير اللقاح. حيث قال ترامب في فيديو مسجل في البيت الأبيض تم نشره على مواقع التواصل الاجتماعي: "سيكون لدينا لقاح رائع في وقت قصير جدا، جدا. أعتقد أننا سنحصل عليه قبل الانتخابات، ولكن بصراحة تتدخل السياسة. حسنا، يريدون أن يلعبوا لعبتهم. سيكون مباشرة بعد الانتخابات. ولكننا قمنا بتحقيقه".

وقال ترامب إنه لحسن الحظ أصيب بكوفيد-19 وألمح أنه لا أحد كان سيدرك فائدة الأجسام المضادة المنتجة في المختبر لولا فطنته. ولكن الخبراء يقولون إن الرئيس أعطي مجموعة أدوية من جملتها ستيرويد قوي ومن المستحيل معرفة دور الأجسام المضادة في شفائه وإن كان شفي فعلا بشكل كامل.

وقال الرئيس إن هذه الأجسام المضادة ستكون متوفرة لكل شخص في البلد، وهو تضليل آخر. حيث قالت شركة ريجنريشن إن بإمكانها إنتاج 300 ألف جرعة حتى نهاية العام. وهذا هو عدد المصابين الجدد كل أسبوع تقريبا.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين اثنين بأن البيت الأبيض يدفع هاهن لأن يصادق على الأجسام المضادة وحيدة النسيلة. وبإمكانه نظريا أن يختصر عملية المراجعة الطبيعية ولكنه في خطاب أمام مؤتمر معهد قانون الدواء والغذاء يوم الثلاثاء قال إن القرار يتخذه موظفون حكوميون محترفون.

ولكن هاهن مسؤول أمام وزير الصحة والخدمات الإنسانية، أليكس عازار والذي بدوره مسؤول أمام ترامب والذي يدفع بقوة بسردية قرب انتهاء الجائحة.

وقال ترامب يوم الجمعة في برنامج إذاعي: "أقول لك، لدينا دواء، ليس مجرد علاج. لدينا دواء".

والعلماء ليسوا أغبياء ليظنوا أنهم يعملون في مجال خال من السياسة، ولكن ترامب وحلفاؤه استمروا في تقديم المعلومات المتناقضة مع خبراء الإدارة أنفسهم. والنتيجة هي حكومة ترسل رسائل مختلطة بشكل دائم مما زاد من عدم اتساق التعامل مع الجائحة.

لم ينتقد فاوتشي بشكل مباشر الرئيس ترامب أو غيره من المسؤولين في الإدارة عندما أشار إلى الوقت المؤسف للجائحة والذي يتداخل مع انتخابات 2020. وقال إن اللقاح "دخل في توقيت مشحون جدا سياسيا في وقت هناك انقسام غير عادي يمزق المجتمع على كل مستوى".

وقال فرانسيس كولينز، مدير المعهد القومي للصحة إن الأمر سيكون كارثيا إن أدارت البلد ظهرها للقاح آمن وفعال، مضيفا: "لن نستطيع أن نضع هذا خلفنا حتى وإن كانت لدينا الأدوات العلمية لفعل ذلك. إن ذلك نتيجة سيئة لمجتمع متقدم تكنولوجيا".

ويوم الجمعة تحدث كولينز عن الاختراق المحتمل بخصوص الأجسام المضادة وحيدة النسيلة، وقال إنه من المؤسف أن الموضوع تأثر بالسياسة فعلا.

وقال كولينز: "إن كنت تبحث عن قصة نجاح علاجي، أعتقد أن هذه تأخذ شكلا جيدا، ولكنها الآن أصبحت في الظل.. إن لم يتم الموافقة عليها لأسباب علمية سيكون الجميع متشككون من أن هناك تلاعبا سياسيا.. وذلك يحزنني فأنا واثق تماما أن إدارة الغذاء والدواء لن تسمح لذلك أن يحدث".

ولدى فاوتشي وكولينز أسباب تبرر قلقهم حيث تظهر الاستطلاعات أن الثقة بلقاح محتمل تراجعت. وأظهر استطلاع قامت به شركة بيو في أيلول/ سبتمبر أن 21% من المشاركين قالوا إنهم بالتأكيد سيأخذون اللقاح مباشرة ضد كورونا إن كان متوفرا وهو تراجع عن نسبة 42% في أيار/ مايو.

وقال آرون كسلهيم، أستاذ الطب في جامعة هارفارد إن عملية الموافقة على اللقاح "يجب أن تقوم على أعلى المقاييس العلمية والنقاش ويتضمن موازنة الفوائد والمخاطر.. ولكن هناك قلق كبير من أن العملية شوهت بشكل كبير بتعليق من شخص يفكر فقط بتأثير ذلك على مستقبله السياسي الشخصي".

ولمواجهة هذه المخاوف يؤكد الخبراء أن عملية الموافقة على اللقاحات عملية دقيقة ابتداء من التجارب السريرية والمراجعة المستقلة للبيانات ومراقبة الجهات المختصة بالسلامة بالإضافة إلى لجنة مستشارين خارجية لإدارة الغذاء والدواء. ويقولون إن النظام تم وضعه لحمايته من التدخل السياسي والمالي. ويصرون على أن محاولة التسريع في الموافقة على لقاح غير آمن أو غير فعال سيكون واضحا وسيفشل بكل تأكيد.

كما يقول الخبراء الطبيون بأن لدى شركات تصنيع الأدوية حافزا قويا لتجنب إنتاج وبيع منتوجات خطيرة.

ومع ذلك فإنه حتى الأشخاص الذين يعبرون عن ثقتهم بالعملية يقلقهم الرأي العام. فقد تفشت عدم الثقة تجاه الكونغرس وول ستريت وصناعات الأدوية والإعلام الإخباري بشكل كبير في أمريكا على مدى سنوات.

ومؤخرا تم استخدام ذلك كسلاح من ترامب لزيادة جاذبيته الشعبوية ولدعم ادعاءاته بأن "الدولة العميقة" تعارضه.

وتجاوب الديمقراطيون مع الأزمة بطرق قد تقوض إدارة الغذاء والدواء بحسب مؤيدي الإدارة. وقال المرشح الديمقراطي لمجلس الشيوخ في نورث كارولاينا كال كاننغهام بأنه سيتردد في أخذ لقاح تتم الموافقة عليه قبل يوم الانتخابات، مع أنه خفف من لهجته لاحقا.

وقال حاكم نيويورك، أندرو كومو (ديمقراطي) إنه سيأمر بإنشاء لجنة خبراء تقوم بمراجعة قرار إدارة الغذاء والدواء بشأن اللقاح وهو ما صوره مكتبه على أنه وسيلة لزيادة الثقة العامة باللقاح. ولكن اريك توبول، مدير مركز أبحاث سكريبس قال إن فكرة أن تقوم الولايات بمراجعة قرارات إدارة الغذاء والدواء أمر "سخيف".

وكان توبول قد عبر عن انزعاجه بسبب مبالغة ترامب في موضوع الأجسام المضادة وحيدة النسيلة كعلاج لكوفيد -19 فقال: "لقد دمرها نوعا ما، لأنه يقول إنه سيكمله قبل الانتخابات. لقد كان هذا أكبر شيء واعد، ولكنه الآن تشوه".

ولطالما اعتمد الناس على جيش غير مرئي من المهنيين الحكوميين والعلماء والأطباء والمهندسين والفنيين والأخصائيين لحفظ أمن العامة، ولكن الثقة في خبرة الحكومة أصبحت هشة.

وقد أظهر استطلاع أجرته شركة أكسيوس ايبوس في وسط أيلول/ سبتمبر أن 40% من الأمريكان إما أنهم لا يثقون كثيرا أو لا يثقون تماما بإدارة الغذاء والدواء لخدمة مصالحهم.

ويتم تطوير لقاح على مستوى العالم، وفي أمريكا بدأت أربع شركات المرحلة الثالثة من التجارب والتي تشمل 30 ألفا إلى 50 ألف متطوع.

هذه تجارب عشوائية حيث لا يعرف المشاركون إن حقنوا باللقاح الحقيقي أو اللقاح الوهمي. ويتم التحقق من البيانات عن طريق مجموعات مستقلة.

وقالت إدارة الغذاء والدواء بأن فعالية اللقاح يجب أن تصل إلى 50% قبل الحصول على الموافقة مع أن الفعالية أكبر تكون أفضل.

ولكن لا يمكن تسريع هذه العملية، ولأسباب أخلاقية لا يمكن للباحثين تعريض المتطوعين لفيروس كورونا للخطر. ويقوم المشاركون بالتجارب بعيش حياتهم بشكل طبيعي ويقوم الباحثون بمراقبتهم للتأكد من عدم حدوث أعراض جانبية.

وسوف يقوم فاوتشي وغيره من العلماء مثل كولينز وغيرهم في المجتمع العلمي بمراقبة عملية الموافقة عن كثب.

التعليقات (0)