قضايا وآراء

فيا أَيها المستهدفون بالإذلال والموت.. حي على الحياة

علي عقلة عرسان
1300x600
1300x600

لسان الكثيرين من البشر الفقراء المُستضعفين الطَّيبين والمُسْتَهدفين من تجار السياسة والأزمات والأوبئة.. وعلى رأسهم أكثر العرب والمسلمين، لسان حالهم يقول:
 
لقد أحيط بنا، أعداء معلَنون يحتلّون بعض أرضنا ويتدخلون في شؤوننا ويتخذون معظم قراراتنا السياسية، ويخترقون سيادتنا الوطنية، ويستولون على ثرواتنا، وينهبون أموالنا.. وأعداء متخفون في أثواب حلفاء يحتلون ويسيطرون ويستثمرون ويأمرون وينهون ويخططون لتحقيق أهداف استراتيجية أبعد بكثير من اتخاذنا أدوات وأرضنا قواعد وممرات ومحاربتنا والمحاربة بنا.. وموالون للأعداء وأتباع وعملاء وفاسدون وتجار سلاح وحروب ودماء يملكون الأوطان ويعتلون رقاب المواطنين، وساسة يبيعون ويشترون بالأرض والشعوب، ورأس اهتماماتهم "تسلُّطهم الدموي ومصالحهم الخاصة وخدمة انتمائهم الضيق"، وطبالون وزمارون وهتافون يصخبون، وإعلاميّون ينشرون الصخب ويُلَمِّعون ذوي الأمر والسلطة والقوة والمال، يقلبون الحقائق والوقائع على هواهم وكيفما يشاء مشغلون يدخلونهم في سوق مفتوحة تجعلهم أدوات وتزري بهم في حالات.. إلا مَن رحم ربُّك منهم، وهم قليل، ممَّن يتمسكون بمبدأ ويدافعون عن حقيقة وينشرون ما يفيد، فتراهم كالقابض على الجمر، يعيشون مأساة المنع والقمع والنبذ، ويعانون معاناة المستضعفين ويقبع بعضهم في السجون، ويدفع بعضهم حياته ثمناً لما يَنشُد من عدل وحرية رأي

نحن في المحنة، نلوك الكلام ونستحلي أمَرَّه وأكذبه، وندمن وخز المخارز والخناجر في الخواصر، ونفسر الأمور ونتشربها ونبتلعها كما تصدرها لنا المصادر، وبما لا يتعارض ورغبة الآمرين القاهرين والساهرين على راحة الكبار من ساسة وأثرياء وأشرار، وبما يتوافق وخطاب القوة المتوحشة ونفوذ الأعداء المعلنين والمتلفعين بأثواب الحلفاء. علتنا الكبرى أصبحت مستظلَّة في أحشائنا، تشتوي منها أكبادُنا، وتلوّث أفهامنا وأحكامنا على الأمور وتشل إرادتنا، وتدخلنا في التيه المُفضي إلى المهالك.. وقوتنا التي نبنيها لحماية أنفسنا وأوطاننا ومصالحنا تُستخدم لإضعافنا وإفقارنا وإذلالنا وتشريدنا وقتلنا، ولتفتيت شعوبنا وإضعافها ولتشويه مواقفنا وخذلان قضايانا وتدمير بنياننا. 

وعندما تُنهَك تلك القوة في" مهمة إهلاك العباد وتدمير البلاد"، يُطلب دعمها من الأعداء وقواهم المُحتلة والمهيمنة لتتابع المهمة فيأتينا الدعم استعماراً ذا بريق، مُبَهرَجاً ومُروَّجاً بتعالٍ ومغلًّفاً بالمنَّة والمطالب التي تحقق للأعداء المزيد من المكاسب، وتواكب ذلك خطابات وأخبار ومقالات وأشعار "باهية"، تزيف الواقع والوقائع والمفاهيم والمنطق والفهم، وتشوش العقول.. ويستمر التزييف والتشويش والتشويه لتحقق عبر ذلك أهدافها البعيدة بذرائع استعمارية مكشوفة منها حماية المصالح، ودفع الأخطار التي تحيق بأقليات "دينية ومذهبية وعرقية و.. و.. ؟!" من جراء سطوة الأكثرية وقسوة الظروف والفوضى التي لا ضبط لها.. يجري وتُكتَسَح الأكثرية المدَّعى خطَرُها وتُستَهدَف من جديد بالتهديد والملاحقة والتشريد، لتبقى غائبة مغيبة، مستَدَهفة مسحوقة، ومنخورة حتى العظم وملاحقة بالقتل والإرهاب والتعذيب حتى الموت.

غاية البؤس ما نعيشه نحن البشر الفقراء المستضعفين الطيبين والمُسْتَهدفين من الكبار والساسة وتجار والأوبئة، ونبقى على مشارف اليأس، نستشرفه من قنن الأحداث والأحقاف حيث يبقينا الرعب والتمزق والصمت.. يا ويلنا إن نحن شكونا، ويا ويلنا إن نحن صَبرنا، ويا ويلنا إن نحن متنا كَمداً وصبرا وخلفنا صغارنا للأرزاء والإذلال وأوطاننا للاستعمار والاحتلال.. 

في كل الأحوال نبقى الجرح والسكين، السبب والنتيجة، المجرم والجريمة، ونظلُّ موقوفين في قفص الاتهام قيد الحكم وتنفيذ الإعدام.. ولا من يحامي ولا من يدافع ولا من يحكم بعدل ولا من يجرؤ على الكلام.. فقد " اتُّخِذ القرار وكَتَب القلمُ وجفَّ الحبر.".. وطريق تنفيذ الأحكام طويلة، تمتد وتتعرج وتتلون كما كانت طريق الألفي ميل وأكثر من تلك التي قطعها الهنود الحمر والعبيد السود في الولايات المتحدة الأمريكية، يوم سُيُّروا مُقيدين مكبَّلين بالأغلال من جنوب البلاد إلى شمالها أو العكس، حتى أُبيد أكثرُ ما تبقى منهم بعد المذابح والصيد والقنص على يد البيض.. وجُمع المتبقون في "محميات طبيعية"، محميات بشرية للذكرى والفرجة، وللادعاء الوقح بخلُق ورحمة والمحافظة على نوع من البشر أوشك على الانقراض لولا عناية "البيض المؤمنين، الإنسانيين، الرحماء، الكرماء.. الـ..؟!".

 

لقد أحيط بنا، ونحن في المأساة.. إذا استخدمنا ما تبقى لنا من قوتنا الكامنة في بعض زوايا الجغرافيا البشرية والاجتماعية القصية أو المهجورة وغير المنظورة.. تنتظرنا ردَّة فعل القوة بالإبادة الجماعية بأسلحة تقليدية وغير تقليدية، نووية وجرثومية وكيميائية،

 



في هذا الخضم الواسع الممتد على طول خطوط العرض والطول في الكرة الأرضية، حيث البشر الفقراء المستضعفون الطيبون والمُسْتَهدفون من تجار السياسة والأزمات والأوبئة.. على أولئك الأحياء ألا يشعروا، وإن شعروا عليهم ألا يتحركوا، وإن تحركوا عليهم أن يتحملوا مسؤولية ما يحصل لهم لأنهم خالفوا أوامر سياسات وسلطات وقوات هي "الرحمة والقيمة والحكمة ؟!"، وأجبروها على أن تعاقبهم وتقتلهم وتخوض في دمهم، الأمر الذي تسبب بتلويث بعض الأصابع والملابس والقامات والهامات بالدماء، وبإزعاج الرهيف من مشاعر الكبار الذين تأذوا بما سمعوه ويسمعونه من أنين المُعاقبين والمعذبين والمُضيَّق عليهم والمقموعين والجوعى والمرضى والمعاقين والجرحى والمقتولين؟!.. وحيال هذا يجدد الكبارُ إنذارهم بقسوة العقاب إن تجدد ذلك، يثنون على من لم يتحرك ويَحمَدونه على جبنه ويشيدون بقدرته على التمييز بين "الحق والباطل"، وعدم الانجرار وراء الغوغاء؟!

لقد أحيط بنا، ونحن في المأساة.. إذا استخدمنا ما تبقى لنا من قوتنا الكامنة في بعض زوايا الجغرافيا البشرية والاجتماعية القصية أو المهجورة وغير المنظورة.. تنتظرنا ردَّة فعل القوة بالإبادة الجماعية بأسلحة تقليدية وغير تقليدية، نووية وجرثومية وكيميائية، وإن لم نستخدم أية قوة للدفاع عن النفس فالإبادة المادية والمعنوية مستمرَّة وزاحفة وحاصلة بصورة بطيئة أو سريعة.

فيا الكثرة من البشر الفقراء المستضعين الطيبين المُسْتهدَفين، وعلى رأسها كثرة من العرب والمسلمين الذاهلين التائهين الغائبين المغيبين، لا تتكلموا عن العدل والأخلاق والإنسانية والمجتمع البشري المتعاطف أو المتكاتف، فها هو أمامكم نزيف الشعوب الضعيفة، ومعاناة مئات الملايين من الناس في مشارق الأرض ومغاربها، وإنكم لتعرفون ما تفعله القوة المتوحشة بمليارات من البشر الضعفاء ورد الفعل البشري على ذلك الفعل.. وتعرفون أنكم تزحفون على بطونكم وتخدمون ويوظف الأثرياء والأقوياء والأشرار المتحالفون جهودكم لزيادة ثرواتهم الفاحشة ونفوذهم الوحشي وهيمنتهم على بلدانكم ومصائركم.. وأن ثروة العالم وقوته مجمَّعة في فئة أقل من قليلة من البشر، وفي عدد محدود جداً من الدول الكاسرة المُهابة النَّهابة، وتجدون الأغنياء والأقوياء الأشرار يسمسرون معاً ويتبادلون المنافع والنهب ويقمعونكم عبر البلدان والقارات، ويرهبون المليارات منكم من دون أن تتحرك كتلتكم البشرية للدفاع عن نفسها وعن قوت يومها ومصالحها وثرواتها وعن أجيالها وحقها في الحياة، وتبقون محاصرين محبوسين في الحظائر، وتؤمرون فتمشون إلى الخدمة أو الموت قطعاناً، شأنكم شأن الماشية بانتظار الحلب والذابح.. فإنه آن الأوان أن تعرفوا ويعورف العالم في أي مجتمع نحن، وفي أي عالم نحن، وأي مستقبل ومصير ننتظر؟! وأنه آن أن نواجه الحقائق ونسأل أنفسنا عمَّا ينتظرنا وما الذي نتظره في هذه المحابس والمعازل؟ وأي نوع من الكائنات أصبحنا وأي نوع من تجمعات الأحياء نحن؟ إن علينا أن نتساءل كيف آل أمر معظمنا نحن البشر إلى هذا الواقع؟ وكيف أصبحنا خرافاً في طريقها إلى المجازر، وما هو المآل والتدبير والمصير؟!.
 
لا شيء يسر مما يمُر بنا.. لا نور في العيون، ولا رحمة في القلوب، ولا شفقة في الأكباد عند المتوحشين الكبار.. نحن في واقع الأمر نعيش في عالم ينزُّ منه البؤس والإثم والدم، عالم ليس هو العالم اللائق ببشر من خلق الله أحسن خلقهم وصورهم، عالم يكتسحه الظلم والفقر وتكتسحه رأسمالية متوحشة أو نظيرة معادية لها متوحشة أيضاً، ويتسيَّد فيه الطُّغاة والعنصريون والماسونيون والصهاينة والفاسدون المفسدون والأقوياء المتوحشون، ويحكمه الجلادون ومصاصوا الدماء، ومَن هم يسوقون البشر إلى المجازر على إيقاع مدروس معلوم.. نحن في عالم هو في واقع الأمر خضم الظلم والظلمات ومُسْتَنْبَت الآفات.. أمَّا العالم اللائق بالإنسان فهو عالم افتراضي ننشده ونوعَد به وهو بعيد وشبه مفقود.

نحن في المأساة، في الحظيرة، في الحصار، في الفخ، في المصيدة إن شئتم… وفي هذه العتمة نمضي من ماغوصَة إلى ماغوصَة.. 

 

لا شيء يسر مما يمُر بنا.. لا نور في العيون، ولا رحمة في القلوب، ولا شفقة في الأكباد عند المتوحشين الكبار.. نحن في واقع الأمر نعيش في عالم ينزُّ منه البؤس والإثم والدم، عالم ليس هو العالم اللائق ببشر من خلق الله أحسن خلقهم وصورهم، عالم يكتسحه الظلم والفقر وتكتسحه رأسمالية متوحشة أو نظيرة معادية لها متوحشة أيضاً،

 



نعرف أنها الكارثة.. لكن رغم الكارثة، ورغم وجود السكين على المحز في الرَّقَبة، ورغم ضيق الوقت المتبقي بين حياة يتهددها الوباء أو يتهددها متوحشون من الأحياء بالفقر والجوع والبؤس والموت.. رغم ذلك ترفع الروح السؤال: 

".. ما الذي علينا أن نصنعه في هذا الوقت المتبقي لنا من حياة؟ أليس من حقنا الثُّغاء، رفع الصوت، وما هو أبعد منه ذلك؟ ألا نتحرك، نُلَبِّط، نتحدى أسوار الحظيرة، نناطح، ونركض هرباً من شفرة السكين ومن حاملها؟ أليس من حقنا أن نرفس ونحن في النَّزع، أن نصرخ، أن نمد أكفَّنا لنرفع السكين عن مذبَحنا، أن ننشب أظفارنا في وجه حامل الموت إلينا؟! 

إن ذلك تصرف يفرضه حب الحياة، تصرف تمليه الغريزة وتقول به الفِطرة، ويقوم به الإنسان الحي دفاعاً عن الحياة وعن حقه في الكرامة والحياة.. حياته وحياة سواه، فعلى الكل أن يحمي الكل.. ولا يحمي الكلُّ الكلَّ إلا إذا تطهرت القلوب، وصدقت النيات، ونطقت الألسُن بالحق، وامتد السَّواعد لتطيل مقبض السيف ومداها. 

هذا ما يوصل إلى الحكم الرَّشيد والحكمة والرحمة، ويفتح أمام الأحياء المتمسكين بالحياة دروبَ الأمل والعمل والرِّزق، وأبواب العدل والحرية للعيش بكرامة وإنسانية.. فيا أيها الفقراء والمستضعفون والطيبون المُستهدفون من وحوش بشرية بالإذلال والجوع والفقر والقتل والموت.. حَيَّ على الحَياة.. حَيَّ على الحَياة.. حَيَّ على الحَياة.

التعليقات (0)