سياسة عربية

اتفاق الحكومة اليمنية و"الانتقالي".. عام من خرق التفاهمات

الاتفاق الموقع في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 تم برعاية سعودية ودعم من الأمم المتحدة- أرشيفية
الاتفاق الموقع في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 تم برعاية سعودية ودعم من الأمم المتحدة- أرشيفية

تحل الذكرى الأولى لتوقيع "اتفاق الرياض"، بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا، على وقع تصعيد عسكري شرس بين الجانبين.

 

وتتهم القوات الحكومية مليشيا الانتقالي بخرق اتفاق وقف إطلاق النار، رغم التزامها بتوجيهات الرئيس اليمني بذلك، واستهداف مواقعها في جبهتي الشيخ سالم (شرقا) والطرية شمال شرق مدينة زنجبار، المركز الإداري لمحافظة أبين، التي تسيطر عليها قوات الانتقالي منذ آب/ أغسطس 2019.

 

وواجه الاتفاق عرقلة وتجاوزات عديدة تحت سمع وبصر الرياض راعية الاتفاق، من طرف المجلس الانتقالي، تخلله في كثير من الأحيان استخدام للأسلحة الثقيلة ورفض للالتزام بالهدنة والاتفاقات المكررة .

 

وقبل أكثر من أسبوع حلت الذكرى السنوية الأولى لتوقيع الاتفاق، لكنها جاءت وسط تصعيد عسكري غير مسبوق منذ ستة أشهر بين الطرفين، حيث تدور مواجهات منذ أيام في محافظة أبين (جنوبا)، خلفت عشرات القتلى والجرحى من الجانبين، بينهم قيادات، وفقا لمصادر عسكرية.

الاتفاق الموقع في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، تم برعاية سعودية ودعم من الأمم المتحدة، لإنهاء التوتر السائد بين الحكومة المعترف بها دوليا، والمجلس المتمسك بانفصال جنوب اليمن عن شماله (الشطران توحدا عام 1990).

وشهدت السعودية عقب توقيع الاتفاق زخما إعلاميا وسياسيا كبيرين، احتفاءً بالاتفاق الذي اعتُبر حينها انتصارا سياسيا للرياض، لكونها جمعت طرفين متناقضين إلى طاولة الحوار.

وكان يُفترض، بحسب بنود الاتفاق، أن يتم تنفيذه خلال شهرين فقط، أي أن عام 2020 كان مقررا أن يبدأ وقد تم حل التوتر جنوب اليمن بتنفيذ بنود الاتفاق.

ومن أبرز هذه البنود تشكيل حكومة مناصفة بين الشمال والجنوب من 24 حقيبة كأقل عدد حقائب وزارية بتاريخ اليمن، إضافة إلى تنفيذ الشق العسكري والأمني الذي يتمثل بهيكلة القوات جميعها وضمها تحت كيان وزارتي الداخلية والدفاع، بعيدا عن انقسام السلطات الأمنية والعسكرية.

لكن ورغم مرور 10 أشهر من وقت توقيع الاتفاق، فإنه لم يحصل جديد يذكر، ما جعل السعودية تجري مشاورات جديدة بين الحكومة والمجلس، تمخض عنها توقيع ما سمي بآلية "تسريع تنفيذ اتفاق الرياض"، نهاية تموز/ يوليو الماضي، حيث تحقق بعض التقدم في الشق السياسي مثل التوافق على تسمية رئيس الوزراء الحالي معين عبد الملك، رئيسا للحكومة المقبلة، وتعيين القيادي البارز في المجلس الانتقالي، أحمد حامد لملس، محافظا لعدن (جنوبا).

وتم تعيين أحمد الحامدي مديرا لشرطة عدن، لكن ما زال قرار تعيينه حبرا على ورق؛ لعدم قدرته على ممارسة مهامه؛ بسبب رفض تسليم قيادة الشرطة من جانب مدير أمن عدن السابق، شلال شايع، المعروف بانتمائه للانتقالي، وقربه من الإمارات.

مواجهات شرسة 

 
قبل أيام، تجدد تصعيد عسكري شرس في أبين، وما زال مستمرا حتى اليوم، رغم هدنة وافق عليها الطرفان، قبل أشهر، برعاية سعودية وإسناد أممي.

وقالت وسائل إعلام محلية، بينها صحيفة "عدن الغد" الشهيرة جنوب البلاد، الجمعة، إن هذه المواجهات هي الأعنف منذ ستة أشهر، ويتهم كل طرف الآخر بأنه هو من بدأ بالتصعيد، لتحقيق تقدم عسكري.

وقال الباحث العسكري، علي الذهب، إن "الخيار العسكري بالنسبة للحكومة الشرعية أصبح هو الحل الوحيد أمام تعنت المجلس الانتقالي في تنفيذ اتفاق الرياض".

وأضاف "الذهب" للأناضول: "قد يكون هذا الخيار للضغط على المجلس للقبول بتنفيذ الشق العسكري والأمني من الاتفاق"، وتابع: "ما زال كل طرف يتوجس من الآخر، فيما الموقف السعودي غامض مما يجري".

وأردف: "يُفترض أن تعمل السعودية، راعية الاتفاق، على دعم السلطة الشرعية في اليمن، لتنفيذه، لكن رغم وجود آلية لتسريع تنفيذ الاتفاق فإنه لم يتحقق شيء منذ ثلاثة أشهر ونصف".

ورأى "الذهب" أن "الاتفاق بشكل عام من الصعب تنفيذه في ظل إصرار المجلس الانتقالي على عدم تنفيذ الملحق الأمني والعسكري؛ لأنه يبيت النية لاستكمال السيطرة على المحافظات الجنوبية".

وزاد بقوله إن "الانتقالي بات عمليا هو المسيطر على عدن أمنيا وعسكريا، وحتى سياسيا كون المحافظ أحمد حامد لملس، المعين بناء على اتفاق الرياض، هو عضو الهيئة العليا للمجلس".

تأخر إعلان الحكومة


عدم التوافق على تنفيذ الشق العسكري والأمني من اتفاق الرياض أدى إلى عرقلة إعلان الحكومة المقبلة، حيث تتهم الحكومية المجلس الانتقالي برفض تنفيذ هذا الجانب، فيما يواجه المجلس الحكومة باتهام مماثل.

وعلى الرغم من أن الطرفين اتفقا على تشكيل الحكومة، بعد الموافقة على عدد أعضائها، مع منح المجلس الانتقالي حقائب وزارية، فإنه لم يتم إعلانها حتى اليوم.

وتصر الحكومة اليمنية على عدم إعلان الحكومة المقبلة إلا بعد تنفيذ الشق العسكري من الاتفاق، لبسط نفوذ السلطات الشرعية أمنيا وعسكريا على كامل الجنوب اليمني، بما ينهي ما تصفه الحكومة بـ"انقلاب الانتقالي" على الشرعية في الجنوب.


اقرأ أيضا: تجدد القتال في أبين جنوب اليمن والقوات الحكومية تتقدم


في المقابل، يصر المجلس على تشكيل الحكومة قبل تنفيذ الشق العسكري، ويطالب بإخراج القوات الحكومية، التي جاءت من محافظة شبوة إلى أبين، وتقاتل قوات المجلس هناك.

ويبرر المجلس موقفه بأن أوضاع المواطنين الصعبة في الجنوب يُفترض أن يُنظر إليها كأولوية، ومن ثم يتم تشكيل الحكومة أولا لإنهاء معاناة المواطنين وتحسين الخدمات.

بيد السعودية والإمارات


وفق الباحث السياسي عادل دشيلة، فإن "اتفاق الرياض كان فرصة مناسبة لتثبيت الأوضاع والأمن والاستقرار وتقديم الخدمات للمواطنين في المناطق المحررة".

واستدرك دشيلة، في حديث للأناضول: "لكن في ظل تعنت الانتقالي، وعدم تطبيقه للجوانب الأمنية والعسكرية، وضعف الحكومة والخلافات بين أطرافها، فلا يُستبعد أن تخرج الأمور عن السيطرة.. وهذا لن يصب لا في صالح الانتقالي ولا الشرعية".

وبشأن أسباب عدم تنفيذ الاتفاق، قال دشيلة إن ذلك لم يتم كون الاتفاق لا يصب في صالح الحركة الانفصالية (المجلس الانتقالي) ومن يقف خلفها من دول الإقليم (يقصد الإمارات).

واستطرد: "الانتقالي لديه مشروع واضح يتمثل بالانفصال، وبالتالي فإن الحديث معه في إطار الشراكة الوطنية غير مجدٍ ما دام متمسكا بالانفصال".

ورأى أن الأمر ليس بيد المجلس ولا الحكومة، فالملف أصبح بيد التحالف العربي، وتحديدا الإمارات والسعودية".

ومنذ 2015، ينفذ التحالف، بقيادة الجارة السعودية، عمليات عسكرية في اليمن، دعما للقوات الموالية للحكومة ضد الحوثيين، المدعومين من إيران، والمسيطرين على محافظات، بينها العاصمة صنعاء (شمالا) منذ 2014.

 

فيما يتهم مسؤولون يمنيون أبوظبي بإنفاق أموال طائلة لتدريب وتسليح قوات موازية ومناهضة لقوات الحكومة الشرعية، لخدمة أهداف إماراتية خاصة في اليمن. وهو ما تنفيه أبوظبي عادة.

واختتم دشيلة حديثه بأن مواجهات أبين تأتي في إطار ضغط المجلس على الحكومة لتنفيذ الشق السياسي وسرعة إعلان الحكومة، لكن المراهنة على ابتزاز الشرعية، بتقديم التنازلات للانتقالي، ربما لن تنجح.

وخلفت الحرب المستمرة للعام السادس في اليمن 112 ألف قتيل، بينهم 12 ألف مدني، وبات 80 بالمئة من السكان البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة يعتمدون على المساعدات للبقاء أحياء، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.

التعليقات (0)