قضايا وآراء

الرهان على بايدن.. فخ الخلط بين الخطاب والاستراتيجية

محمد الشبراوي
1300x600
1300x600
لم تحظ انتخابات رئاسية أمريكية باهتمام وضجيج، خاصة في المنطقة العربية، بقدر ما حظيت به انتخابات الرئاسة لعام 2020؛ ومرجع ذلك ليس فقط لأحداث هذه الانتخابات، والمنافسة حامية الوطيس بين المرشحين – الرئيس "ترامب" الجمهوري، ومنافسه "جوزيف بايدن" الديمقراطي- ولكن أيضا وجود فريقين في منطقتنا يراهن كل منهما على أحد المرشحين، وكان اللافت للنظر أكثر هؤلاء الذين يراهنون على المرشح الديمقراطي "جوزيف بايدن".

بعد إعلان فوز بايدن ثارت زوبعة من التفاؤل لدى معارضي نظم الحكم في المنطقة، وعلى جانب آخر سادت حالة من التخوف والترقب لدى أنظمة حكم كانت تراهن على ترامب، ومضت في رسم سياساتها اعتمادا على بقائه.

النخب بين "خطاب بايدن" واستراتيجية أمريكا

لقد أظهر فوز "بايدن" بالرئاسة الأمريكية أن هناك نخبا معارضة استقبلت خطابه الانتخابي، وبعض رسائله المبطنة تجاه نظم في المنطقة بمزيد من التفاؤل المفرط، خاصة في ما يتعلق بموضوع حقوق الإنسان وبعض قضايا المنطقة؛ مما استدعى طرح أسئلة بعد احتدام المعركة الانتخابية الأمريكية لمصلحة "بايدن" سيكون الوقت كفيلا بالإجابة عليها، أهمها:

أولا: هل حقا من الممكن أن نرى انعكاسا إيجابيا لفوز المرشح الديمقراطي بالرئاسة الأمريكية على القضايا العربية؟

ثانيا: لماذا تراهن النخب العربية على الخارج، وخاصة على الولايات المتحدة الأمريكية لإحداث تغيير؟

ثالثا: لماذا لا تبحث النخب المعارضة عن حلول في الداخل وتحاول إيجاد صيغة ما مع النظم الحاكمة لحل الأزمات؟

لقد وقعت النخب العربية المعوّلة على الساكن الجديد للبيت الأبيض في فخ الخلط بين الخطاب السياسي والاستراتيجية كما حدث من قبل مع أوباما، ورأى هؤلاء أن بايدن سيكمل سياسة أوباما، وكأن أوباما كان يعمل لمصلحة شعوب المنطقة؛ رغم أن المنطقة العربية في الواقع عرفت - ليس فقط على يد نظم في المنطقة؛ ولكن على يد الولايات المتحدة الأمريكية نفسها - انتهاكاتٍ غير مسبوقة وسحقا لإرادة الشعوب، وضربا للتحول الديمقراطي، وإطلاقا ليد إيران في سوريا ولبنان واليمن، وتوسعا في الاستيطان الإسرائيلي في الأرض المحتلة، وترك النظام السوري يسحق شعبه، والإبادة على أساس عرقي ومذهبي في العراق. كل ذلك كان في فترة أوباما، والذي كان بايدن نائبا له.

وانطلاقا مما سبق، فإن هذا التصور المفرط في التفاؤل لدى النخب المعارضة تجاه الرئيس المنتخب بايدن يعد خطأ في التحليل؛ إذ تجب التفرقة بين حالتين أساسيتين هما: الخطاب السياسي والانتخابي بغرض استرضاء الناخبين، وبين السياسات الاستراتيجية التي يمتثل لها الجميع، ويتم العمل بناء عليها.

السياسة الأمريكية تجاه المنطقة

المتابع للسياسة الأمريكية يمكنه أن يدرك بوضوح أن السياسة الخارجية الأمريكية تنطلق من قاعدة مؤسساتية، ولا يحكمها توجه فردي لرئيس أيا كان، وإن كان لكل رئيس - سواء كان ديمقراطيا أو جمهوريا - هامش من المناورة؛ إلا أن ذلك يكون في إطار الالتزام بالاستراتيجية الضابطة للمخرجات السياسية، أيا كانت طريقة التنفيذ سواء تقليدية أو استثنائية.

لذلك ستظل المصالح العمود الفقري للسياسة الخارجية الأمريكية؛ فمصالح الشعب الأمريكي والشعوب الغربية، واللوبيات، وجماعات الضغط، والشركات، ومصانع الأسلحة كل ذلك مقدم على حقوق الإنسان في المنطقة العربية.

ولمزيد من التعرف على حقيقة الموقف الأمريكي والغربي من حقوق الإنسان في منطقتنا العربية، فإنني أحيل القارئ الكريم إلى كتيب يضم دراسة من إعداد كاتب هذا المقال بعنوان "بعد ثلاث سنوات من المجزرة.. أين يقف الغرب من الديمقراطية وحقوق الإنسان؟"، يمكن من خلالها الوقوف بوضوح على الحقيقة.

كيف نفهم السياسة الخارجية الأمريكية؟

ولفهم أدق للسياسة الخارجية الأمريكية؛ فإن مصالح اللوبيات وجماعات الضغط والشركات هي التي تتحكم، ومقدمة حتى على مصالح الإنسان الأمريكي ذاته. فعلى سبيل المثال، نجد أن الجمهوريين يخدمون الداعمين لهم وهم: القطاع المالي، ومؤسسات التصنيع العسكري، وشركات الطاقة، في حين أن الديمقراطيين يخدمون داعميهم من شركات الأدوية، والتكنولوجيا والإعلام.

كذلك يبدو واضحا أنه ليس هناك تباين كبير بين المنظورين الديمقراطي والجمهوري في التعامل مع نظم المنطقة، ومن ثم فلن يكون هناك تغير ملموس في التعامل، كما أنه لا يمكن لإدارة البيت الأبيض أيا كانت مرجعيتها أن تتجاهل حجم المصالح الأمريكية في المنطقة؛ فالسياسة الأمريكية بطبيعتها براغماتية مطلقة، وإن كان من فرق بين الديمقراطيين والجمهوريين؛ فهو أن الديمقراطيين لديهم نزعة شعبوية، وتركيز على أساس أيديولوجي في فهم الدور الأمريكي الخارجي.

السياسة الأمريكية ليست حرة

وبناء على ما سبق، لا بد أن يدرك المعوّلون على أمريكا ورئيسها المنتخب لنصرة حقوق الإنسان ومناصرة القضايا العادلة للمنطقة؛ أن السياسة الأمريكية ليست حرة، وأي رئيس أمريكي لا يمكنه إحداث تغيير في معطيات صراعات المنطقة، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي وما يقوم به الكيان الإسرائيلي من انتهاكات خير دليل؛ لأن هناك قيودا حقيقية تقف إزاء طموحات من هذا القبيل، وهذا الواقع الذي يقيد السياسة الأمريكية لخصه الرئيس الأمريكي الأسبق هاري ترومان بقوله: "آسف أيها السادة؛ فلديّ المئات والآلاف الحريصون على نجاح الصهيونية، وليس لديّ آلاف العرب في دائرتي الانتخابية". إذًا فالولايات المتحدة الأمريكية تحكمها الحسابات الانتخابية، ونفوذ اللوبي الصهيوني المناصر لإسرائيل والمتضامن مع بعض نظم المنطقة؛ وهذا ما يدفع أي إدارة أمريكية إلى تبني سياسات متسقة مع المصالح الإسرائيلية، وتحافظ على علاقاتها مع نظم المنطقة.

قد يقول قائل إن أمريكا يوجد فيها ناخبون ومرشحون من العرب والمسلمين، وهؤلاء يمكنهم أن يتبنوا قضايا المنطقة ويدافعوا عنها، وهذا مردود عليه؛ فالمسلمون والعرب أكثر من 30 في المائة منهم صوتوا لترامب، والباقون صوتوا لبايدن. كما أن من ترشح منهم ترشحوا كأمريكيين. وعلى وجه العموم، لا يمثل العرب والمسلمون ثقلا يذكر في ميزان الانتخابات الأمريكية؛ ومن ثم فليسوا كتلة ضغط على الإطلاق.

الخلاصة:

إن الرهان على الرئيس الأمريكي المنتخب "جوزيف بايدن" ليس في محله، وبالمجمل لن ينعكس فوزه بالإيجاب على العالم العربي.

إن المراهنين على بايدن، ومن قبله أوباما يرددون كثيرا مقولة المنطقة الرمادية في السياسة؛ لتبرير تفاؤلهم بإمكانية إحداث تغيير في المشهد الحقوقي وفي القضايا العربية، لكن غاب عنهم في ظل الخلط بين الخطاب والاستراتيجية؛ أن استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية مصممة على توطين الظلم والفساد في منطقتنا، وليس من مصلحتها وجود نظم ديمقراطية في أي دولة عربية؛ لأن ذلك يمثل خطرا على مصالحها ومصالح الشركات العالمية الكبرى التي تقوم على نهب خيرات المنطقة.

إن رهان النخب المعارضة على الخارج يزيد الضغط على النظم، ويجعلها أكثر توجها وخضوعا لإملاءات القوى الكبرى؛ وهذا يجعل دول المنطقة رهينة بين يدي هذه القوى ويجعل الجميع يدورون في حلقة مفرغة من التبعية.

إن مصلحة الأوطان الحقيقية لا يمكن أن تتحقق في ظل استمرار النظم في انتهاك الحقوق والحريات وتأميم الحياة السياسية، وكذلك لن تأتي الحرية ولن تتوقف انتهاكات حقوق الإنسان عبر الرهان على الخارج، سواء عن طريق بايدن أو غيره. لذلك يبقى الاعتماد على الذات والبحث عن صيغة توافقية تلتقي عليها النخب الحاكمة والمعارضة لوقف الاستنزاف الحاصل، والخروج من تلك المعضلة التاريخية.
التعليقات (0)