مقابلات

رفيق عبد السلام: هذا مخطط "قوى الانقلاب الناعم" بتونس

رفيق عبد السلام
رفيق عبد السلام

* قوى الانقلاب الناعم راهنت على تعطيل المصادقة على الميزانية لتوفر أرضية سياسية للمزيد من شحن الأجواء

 

* قوى الانقلاب الناعم راهنت على سحب صلاحيات البرلمان إلى رئيس الجمهورية لإدارة الميزانية عبر المراسيم الرئاسية

 

* الأطراف المغامرة تراهن على توريط الرئيس في معركة مع البرلمان والحكومة ستكون عواقبها وخيمة على الاستقرار السياسي

 

* رئيس الدولة أدرك أن قوى الانقلاب الناعم لا تريد به ولا بالبرلمان ولا بالتجربة الديمقراطية خيرا

 

* قيس سعيّد نزع الغطاء السياسي عن بعض المجموعات التي تتحدث باسمه وتقوم بأعمال مخلة بسير المرافق الحيوية

 

* لا يجب المبالغة في أبعاد الاحتجاجات والإضرابات لأنها تحركات عادية ومعهودة في مثل هذه الأوقات وستمر كغيرها

 

* لا توجد أزمة "سياسية اجتماعية" بتونس ولكن صعوبات اجتماعية مفهومة.. والحكومة تتمتع بحزام سياسي وتحظى بشرعية البرلمان

 

* ندعو لهدنة اجتماعية وتخفيض سقف المطلبية تناسبا مع إمكانيات وموارد البلاد ويجب عدم الإضرار بالدولة

 

* حكومة المشيشي تعمل في ظروف صعبة ونرى أنها بحاجة للمزيد من تطوير أدائها لتحسين ظروف العيش والتنمية

 

* الصراع داخل البرلمان يجري بآليات ديمقراطية وإن كان يتجاوز السقف المطلوب أحيانا لكن هذا طبيعي في كل برلمانات الدول الديمقراطية  

 

قال وزير خارجية تونس الأسبق والقيادي البارز بحركة النهضة، رفيق عبد السلام، إن "هناك أطرافا من المعارضة داخل البرلمان، وقوى فوضوية خارجه، كانت تراهن على تعطيل المصادقة على ميزانية الدولة لتوفر أرضية سياسية للمزيد من شحن الأجواء وترسيخ سرديتها بعجز الائتلاف الحاكم عن تسيير دواليب الدولة، ومن ثم ضرورة تدخل الرئيس بإجراءات استثنائية بعد لي عنق الدستور".

وأضاف، في الحلقة الأولى من مقابلته الخاصة مع "عربي21"، أن ما وصفها بقوى الانقلاب الناعم تراهن على "توريط رئيس الدولة في معركة مع البرلمان والحكومة لن تكون عواقبها إلا وخيمة على الاستقرار السياسي والتجربة الديمقراطية، لكن رئيس الدولة أدرك أن هذه الأطراف المغامرة لا تريد به، ولا بالبرلمان، ولا بالتجربة الديمقراطية، خيرا".

ورفض "عبد السلام" ما وصفها بالمبالغة في تضخيم الاحتجاجات والإضرابات التي تشهدها البلاد، قائلا: "هي تحركات عادية ومعهودة في مثل هذه الأوقات، وستمر مثلما مرت تحركات احتجاجية سابقة، لكن هناك مَن يرغب في تهويل الأمر وتغذية عوامل التوتر بهدف إعادة تشكيل المشهد السياسي القائم وتغيير الحكومة والتوازنات السياسية العامة".

وأوضح أنه "لا توجد أزمة سياسية اجتماعية في تونس، ولكن صعوبات اجتماعية مفهومة، والحكومة تتمتع بحزام سياسي وتحظى بشرعية البرلمان"، مشيرا إلى أن "الحزام السياسي للحكومة مستقر وبقيت المعادلة كما هي بعد الانتخابات".

وشدّد على أن "التجربة الديمقراطية التونسية مُستهدفة من قوى إقليمية كثيرة، وهي نفس القوى التي خربت الوضع في اليمن وسوريا وليبيا ومصر. وهناك مراهنة على إسقاط تجربتنا، حتى يتم التخلص مما يمكن تسميته تحدي النموذج، وتثبيت سردية معسكر الاستبداد في العالم العربي، والتي مفادها أن الثورات العربية لم تجلب غير الكوارث والمفاسد، وأن الديمقراطية لا تصلح للعرب، وبالتالي فإن الحل الممكن والوحيد هو العودة إلى مرحلة ما دون مبارك، وبن علي، والقذافي".

وتاليا نص الحلقة الأولى من المقابلة الخاصة مع "عربي21":

 

الرئيس التونسي قيس سعيّد أكد عزمه على التصدي لمحاولات "ابتزاز الدولة" ولما وصفها مراكز القوى التي تعمل على ضرب الدولة التونسية في وجودها وضرب مرافقها العمومية.. فما أبعاد هذه المحاولات؟


هناك غموض في حديث رئيس الدولة، لأنه كثيرا ما يكون حديثا مبنيا للمجهول، ولا يفصح عن مقصوده على سبيل التصريح، لكن أرجح هنا أنه يقصد بعض الاحتجاجات في عدد من المدن الداخلية، والتي تقودها تنسيقيات عُرف أصحابها بانخراطهم في الحملة الانتخابية للرئيس قبل سنة، وهذا الموقف يُحمد لرئيس الجمهورية، لأنه نزع الغطاء السياسي عن بعض المجموعات التي تتحدث باسمه وتدعي الانتساب إليه، وتقوم بأعمال مخلة بسير المرافق الحيوية للدولة وتمس بمصالح المواطنين. 

قلت إن "قوى الانقلاب الناعم تتوجع من المصادقة على ميزانية الدولة (..). وكانوا يعلمون ليل نهار ليتقدم (الزعيم المخلص) ويقتنص الدولة بحجة إنقاذ الوضع".. هل من تفصيل لما طرحته؟


نعم. هناك أطراف من المعارضة داخل البرلمان، وقوى فوضوية خارجه، كانت تراهن على تعطيل المصادقة على الميزانية لتوفر أرضية سياسية للمزيد من شحن الأجواء وترسيخ سرديتها بعجز الائتلاف الحاكم عن تسيير دواليب الدولة، ومن ثم ضرورة تدخل رئيس الدولة بإجراءات استثنائية بعد لي عنق الدستور، وقد راهنت هذه الأطراف على سحب صلاحيات البرلمان إلى رئيس الجمهورية لإدارة الميزانية عبر المراسيم الرئاسية، ومن ثم تعطيل عمل البرلمان وشل فاعليته استنادا إلى تأويل خاطئ ومتحيّل للفصل 80 من الدستور الذي يتحدث عن الخطر الداهم. هذه الأطراف تراهن على توريط رئيس الدولة في معركة مع البرلمان والحكومة لن تكون عواقبها إلا وخيمة على الاستقرار السياسي والتجربة الديمقراطية، لكن الحمد لله أن رئيس الدولة أدرك أن هذه الأطراف المغامرة لا تريد به، ولا بالبرلمان، ولا بالتجربة الديمقراطية، خيرا.

ما أبعاد التدخلات الإقليمية والدولية التي تهدف لتعطيل مسار الانتقال الديمقراطي بتونس؟


ليس سرا كوّن التجربة الديمقراطية التونسية مُستهدفة من قوى إقليمية كثيرة، وهي نفس القوى التي خربت الوضع في اليمن وسوريا وليبيا ومصر. ورغم أن تونس لا تمثل خطرا على أي جهة خارجية، إلا أن هناك مراهنة على إسقاط التجربة، حتى يتم التخلص مما يمكن تسميته تحدي النموذج، وتثبيت سردية معسكر الاستبداد في العالم العربي، والتي مفادها أن الثورات العربية لم تجلب غير الكوارث والمفاسد، وأن الديمقراطية لا تصلح للعرب، وبالتالي فإن الحل الممكن والوحيد هو العودة إلى مرحلة ما دون مبارك وبن علي والقذافي.

مجرد وجود تجربة ديمقراطية ناجحة، وحياة برلمانية، وانتخابات حرة ونزيهة، تذكر الشعوب العربية بأن الديمقراطية ممكنة في العالم العربي، وأن العرب ليس لديهم مكونات جينية ضد الحرية والديمقراطية، وهذا ما يمثل مصدر صداع وكابوس لمعسكر الاستبداد والتخلف العربي.

هل قيس سعيّد يلعب دورا ملموسا في احتواء الاحتقان والتوتر أم إنه يساهم في إذكاء الاحتقان وتلك الحالة المتوترة؟


اعتادت تونس منذ الحقبة البورقيبية على وجود تحركات اجتماعية أواخر السنة وبداية السنة اللاحقة، وهذا الأمر ليس جديدا، ومع وجود مناخات الحرية من جهة، ثم ارتفاع منسوب التوقعات لدى التونسيين بعد الثورة وعدم وجود تقدم ملموس على صعيد الاقتصاد والتنمية فقد أضحت هذه التحركات الاحتجاجية خصوصا في المدن الداخلية وبين الفئات الضعيفة أمرا معهودا في كل سنة، لكن المشكلة في وجود توظيف سياسي ومحاولة بعض الجهات النقابية ركوب هذه الموجة. البلاد حقيقة لا تمر بأزمة سياسية، بل هناك محاولة لصنع أزمة لحسابات سياسية خاصة.

أما بالنسبة لرئيس الجمهورية؛ فقد عبّر عن موقف واضح وصريح بأنه ضد تعطيل المرافق العامة والمس بدواليب الدولة، وأنه سيلتزم بأس الدستور، ولكن المشكلة أن نبرة خطابه المتوترة أحيانا تولد الانطباع بأنه يميل إلى تغذية عوامل الاحتقان والغضب بدلا من تهدئة الأوضاع وبث رسائل الطمأنة. فرئيس الجمهورية ليس طرفا في المعارضة أو الائتلاف الحاكم والأصل في الأشياء أن يكون حكما بين المتنازعين.

ما دلالة أن تكون الزيارة الخارجية الأولى للرئيس قيس سعيّد للمشرق العربي إلى دولة قطر؟


هي تعبير عن عمق العلاقة التي تربط البلدين، فقد وقفت الشقيقة قطر إلى جانب تونس في السراء والضراء، وقد تعاقبت على تونس حكومات كثيرة، لكن بقي الموقف القطري ثابتا في دعم تونس. بما يؤكد أنه دعم للدولة والتجربة أولا وقبل كل شيء. التونسيون يقدّرون عاليا مَن وقف معهم في فترات الشدة والضيق من عمر الثورة التونسية، هذا في الوقت الذي تآمرت فيه عليهم دول وأطراف أخرى وراهنت على سقوط تجربتهم الديمقراطية الوليدة.

هل الاحتجاجات والإضرابات التي تشهدها البلاد تهدد الدولة والاقتصاد التونسي كما يقول البعض؟


لا يجب المبالغة في الأمر، هي تحركات عادية ومعهودة في مثل هذه الأوقات، وستمر مثلما مرت تحركات احتجاجية سابقة، لكن هناك مَن يرغب في تهويل الأمر وتغذية عوامل التوتر بهدف إعادة تشكيل المشهد السياسي القائم وتغيير الحكومة والتوازنات السياسية العامة. مَن يبالغ في خطورة التحركات يرغب في ركوب هذه الموجة وسحب المياه لجداوله، لكن الحزام السياسي للحكومة مستقر وبقيت المعادلة كما هي بعد الانتخابات، أي أحزاب تحكم وأخرى تعارض في البرلمان، وهي تحاول التقاط بعض أوراق الضغط لصالحها فقط لا غير.

تونس قادرة على التعامل مع الحراك الاجتماعي الذي يتغذى من الصعوبات الاقتصادية ومخلفات كوفيد-19، لأن نظامها الديمقراطي يتيح قنوات تعبير حرة، مثلما يوفر آلية لامتصاص هذه الموجة مثلما جرى في السنوات الماضية. الخطورة تكون جدية حينما تجتمع الأزمة السياسية مع الأزمة الاجتماعية، وهذا الأمر بحمد الله ليس موجودا في تونس، ولكن لدينا صعوبات اجتماعية مفهومة.

هناك دعوات من أجل الحوار الوطني للتوافق على معالجة مختلف القضايا.. فما فرص نجاح هذا الحوار؟


الحوار الوطني مطلوب ومستحب دوما، ولكن يجب أن يسير في الوجهة الصحيحة والسليمة. تونس لا توجد فيها أزمة سياسية بحكم أنها أجرت انتخابات تشريعية ورئاسية حرة ونزيهة، وهناك حكومة تتمتع بحزام سياسي وتحظى بشرعية البرلمان. لكن هناك مَن يريد التسلل من خلال ثغرة الخلاف الحاصل بين رئيس الجمهورية ورئيس حكومته الذي اختاره بنفسه.

ما هو مطلوب اليوم هو إجراء حوار وطني في الملفات الاقتصادية والاجتماعية يحدد برنامجا واضحا وبأولويات واضحة في المرحلة القادمة. مطلوب اليوم مثلا هدنة اجتماعية وتخفيض سقف المطلبية تناسبا مع إمكانيات البلاد وموارد الدولة، وأن تلتزم مختلف الأطراف بعدم الإضرار بالدولة وتعطيل مراكز الإنتاج والطاقة.

هذه بديهيات ولا تحتاج إلى عبقريات اقتصادية، ولكنها تحتاج إلى التزامات واضحة وصلبة بين مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية.

أيضا هناك دعوات تطالب الرئيس بحل مجلس النواب.. ما ردكم عليها؟ وكيف تنظرون لحالة التوتر بين الكتل البرلمانية المختلفة؟


هذه أطراف فوضوية مغامرة وبعضها جريح الانتخابات ولم يقبل أن الصندوق لم يعطه الأغلبية، وعليه أن ينتظر المحطة الانتخابية القادمة ويعمل على تحسين وضعه عبر الصندوق وليس عبر لعبة التحريض وتعبئة الأوضاع ونسج الدسائس. على الجميع أن يعرف أن تونس لها مؤسسات ودستور ولديها تقاليد متجذرة في الروح الدستورية. حتى حينما هرب بن علي تحت ضغط الشارع لم تستسلم الدولة للفراغ والاستثناء، بل وجدت تأويلا من داخل الدستور القديم لكي تحافظ على الشرعية.

هناك صراع داخل البرلمان يجري بآليات ديمقراطية، وإن كان يتجاوز السقف المطلوب أحيانا، ولكن مشهد التوتر والصراع هو المشهد الطبيعي في كل برلمانات الدول الديمقراطية، لأن البرلمانات جعلت أصلا لإدارة الحوار والصراعات الساخنة بآليات النقاش والجدل والتدافع بين أحزاب الحكم والمعارضة.

نعم، أحيانا يخرج هذا الصراع عن نطاقه المقبول والمعقول، ولكن معالجة ذلك لا يكون بنسف البرلمان والمؤسسات الديمقراطية، بل باكتساب مزيد من الدربة على الديمقراطية. الكثير من المجالس والبرلمانات العربية هي أشبه بصمت القبور ولا ترى فيها إلا علامات السمع والطاعة، فهل يعني ذلك أن هذه الدول بخير وعافية وأفضل من إيطاليا أو بريطانيا التي يشتد الصراع والصخب في برلماناتها؟

ما تقييمكم لأداء حكومة هشام المشيشي في الـ100 يوم الأولى من عملها؟


حكومة السيد المشيشي تشتغل في ظروف صعبة مع الأوضاع الصحية الاستثنائية التي تمر بها البلاد والعالم عامة، ونحن نرى أنها في حاجة إلى المزيد من تطوير أدائها خصوصا على الصعيد التواصلي والإعلامي. السيد المشيشي هو ابن الإدارة التونسية وله خبرة في تسيير شؤون الدولة، ولكن نحن في حاجة إلى أن نقترب أكثر ما يمكن إلى الحكومة السياسية بقيادة السيد المشيشي بدلا من حكومة التكنوقراط التي هي أضعف أنواع الحكومات كما هو معروف.

المطلوب أن يشعر الناس أكثر بأن هذه الحكومة جادة في معالجة أوضاعهم الاجتماعية، وتحسين ظروف العيش والتنمية، وهذا ما نسعى إليه بالتعاون مع السيد المشيشي.

التعليقات (1)
أبو العبد الحلبي
الإثنين، 14-12-2020 10:50 ص
أنتم أيها الإخوة التوانسة أساتذتنا و نتمنى لكم و لتونس العزيزة كل خير . توجد مشكلة عند الرئيس قيس ، و أنا أكبر منه سناً ، من حيث الضعف في الممارسة السياسية بدليل زيارته لفرنسا قبل بضعة شهور و ما قاله هناك و أيضاً عدم حسمه في رفض أن تكون تونس مقراً للفرانكوفونية لأن وجود هذا المقر يعني العودة لأيام "الاستدمار أو الاستخراب " الفرنسي . يوجد لديكم في تونس جوهرة يمكن الاستفادة منها و هو الرئيس المنصف المرزوقي (الذي اختارته مجلة فورين بوليسي من بين أفضل 100 مفكر عالمي لسنتي 2012 و2013) و يمكن للأخ قيس الاستعانة به كمستشار في الأمور السياسية لأن لديه خبرة واسعة في دهاليزها و منعطفاتها . نصيحة من أخ لكم من بلاد الشام .