ملفات وتقارير

ماذا وراء الأحكام المفاجئة والتصريحات الصادمة بالجزائر؟

تحسر السعيد بوتفليقة من الوضع الذي آل إليه شقيقه بعد تخلي كل أنصاره عنه- تويتر
تحسر السعيد بوتفليقة من الوضع الذي آل إليه شقيقه بعد تخلي كل أنصاره عنه- تويتر

من الخيانة إلى البراءة.. مضى قطار المتهمين من كبار المسؤولين العسكريين والمدنيين، في قضية التآمر على سلطتي الدولة والجيش، سريعا نحو وجهته النهائية بعد 20 شهرا من فتح هذا الملف.


وانقلبت فجأة، الإدانة الثقيلة بـ15 سنة حبسا نافذا التي كانت تطارد المتهمين، إلى أحكام بالبراءة التامة من تهمتي التآمر، مع طي هذا الملف نهائيا، بعد أن لم يعد قابلا للاستئناف أو الطعن حتى من جانب النيابة.


ونال البراءة تحديدا كل من السعيد بوتفليقة مستشار الرئيس السابق وشقيقه، ومحمد مدين المدعو توفيق مدير المخابرات السابق وعثمان طرطاق المدعو بشير منسق أجهزة الاستعلامات السابق، ولويزة حنون زعيمة حزب العمال.


ولم يتم التوصل لهذه الأحكام، إلا بعد المحاكمة الثالثة التي تم برمجتها، عقب نقض المحكمة العليا للأحكام الصادرة عن مجلس الاستئناف العسكري بالبليدة في شباط/ فبراير الماضي، وقبل ذلك عن المحكمة الابتدائية العسكرية.


السعيد بوتفليقة


ولم تكن هذه المحاكمة مثيرة للاهتمام فقط من ناحية الأحكام الصادرة، بل لطبيعة تصريحات المتهمين الذين منهم من أدلى بأقواله لأول مرة، في ظل حضور غير متوقع لبعض رجال الصحافة الذي سمح لهم استثناء بالتغطية.


ومن أبرز ما أثار الجدل، تصريحات السعيد بوتفليقة، الذي كشف عن وجود شقيقه الأكبر الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة قيد الإقامة الجبرية هو وباقي عائلته.


وقال السعيد بوتفليقة وفق ما نقلته صحيفتا "الوطن" و"الخبر": "كان أخي يسعى للتآخي، وعند وقت رد القليل والقليل من الجميل له ولذويه (..)، ولا حتى من رفاق الدرب الذين أصبحوا أمواتا ساجدين، يجدون أنفسهم في نهاية المطاف في إقامة جبرية وأخوه في السجن".


وكرر المتهم في رسالة قرأ للقاضي هذه المعلومة مرتين، فقال: "أقولها وأؤكد، هو في إقامة جبرية وأخوه في السجن، ظلما وتعسفا في هذه القضية وقضايا مفبركة ووهمية".


وتحسر السعيد بوتفليقة من الوضع الذي آل إليه شقيقه بعد تخلي كل أنصاره عنه، قائلا: "مثلما بقي لعشرين سنة صامتا، لا يزال اليوم صامتا لا لشيء سوى لأجل الجزائر، مسلما أمره للقضاء والقدر بصمت رهيب ووقار".

 

اقرأ أيضا: محكمة جزائرية تبرئ شقيق بوتفليقة من "التآمر على الدولة"


ومن الناحية القانونية، تفاعل المحامي عبد الرحمن صالح مع هذه التصريحات، بالقول إنه لا يمكن وضع أي شخص رهن الإقامة الجبرية إلا بإجراء قضائي.


وأوضح صالح في تصريح لـ"عربي 21"، أن تحديد الإقامة هو إجراء قضائي، من صلاحيات قاضي التحقيق بالمحكمة المختصة في معالجة الشكوى أو القضية، في حين لا يعلم أن الرئيس السابق هو محل متابعة قضائية.


وكان الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، قد نفى في حوار سابق له مع قناة "فرانس 24"، وجود أي نية لمتابعة سلفه عبد العزيز بوتفليقة؛ لأن كل القضايا الموجودة أمام القضاء حسبه، تتعلق بالتسيير واستغلال المتورطين نفوذهم، ولا علاقة لذلك بأوامر الرئيس السابق.


باقي المتهمين


أما مدير المخابرات السابق، محمد مدين المدعو توفيق، فقد نفى تماما مشاركته في التآمر على الجيش، خلال اللقاء الشهير الذي جمعه بشقيق الرئيس وزعيمة حزب العمال، الذي تم على أساسه تكييف التهم.


وجرى هذا اللقاء تحديدا في 27 آذار /مارس 2019، أي قبل 6 أيام من استقالة الرئيس بوتفليقة، بحيث اتهم من حضروا الاجتماع بمحاولة تنفيذ "مؤامرة" لإزاحة رئيس أركان الجيش من منصبه، بعد أن دعا الأخير إلى إعلان شغور منصب الرئيس.


ولم ينف الرجل القوي في النظام سابقا، أنه عرض خلال اللقاء فكرة تسيير المرحلة الانتقالية على الرئيس الأسبق اليامين زروال، في حين قال إنه لم يكن يهدف للإطاحة برئيس أركان الجيش.


وأضاف الجنرال توفيق للقاضي، أن حضوره الاجتماع مع السعيد بوتفليقة، كان بدافع محاولة إنقاذ البلاد في تلك الفترة مثل أي مواطن حريص على بلده، على حد قوله.


أما منسق جهاز الاستعلامات السابق، عثمان طرطاق، فنفى من جانبه التهم الموجهة إليه، واعتبر محاميه الأستاذ خالد برغل أن اتهامه تم بناء على وثيقة غير حقيقية، تشير إلى أن مكان الاجتماع يقع تحت سلطته، بينما هو يوجد في الحقيقة تحت سلطة رئاسة الجمهورية.


من جانبها، دافعت لويزة حنون زعيمة حزب العمال عن نفسها، بالقول إن حضورها اللقاء كان بوصفها مسؤولة سياسية كانت تبحث عن الحلول للأزمة، ولا علاقة له بأي تآمر وفق ما جاء في صحيفة الاتهامات.


ومعلوم أن حنون عكس بقية المتهمين استفادت من تخفيض عقوبتها بعدد تبرئتها من تهمتي التآمر، ما سمح لها بمغادرة السجن في شباط/ فبراير الماضي.


جدل الأحكام


وأثارت هذه الأحكام التي انتقلت من النقيض إلى النقيض، تساؤلات حول حقيقة ما جرى في الكواليس خلال الفترة التي أعقبت رحيل الرجل القوي في الجيش أحمد قايد صالح، الذي مهدت خطاباته لاعتقال هؤلاء المسؤولين ومحاكمتهم.


وقال المحامي والحقوقي عبد الغني بادي؛ إن مثل هذه الأحكام بعيدا عن الملف والوقائع، تثير الشكوك دائما حول المنظومة القضائية، وتعطي انطباعا أنها لا تملك زمام أمرها في مثل هذا النوع من القضايا.


وأوضح بادي في تصريح لـ"عربي21"، أن هذه القضية غلب عليها الطابع الاستثنائي في كل شيء، سواء من حيث سرعة بت المحكمة العليا في الطعن بالنقض أو سرعة إصدار الأحكام.


وأبرز بادي أنه لا يمكن فصل هذه القضية عن السياقات السياسية، إذ يفرض أقوياء المرحلة في كل مرة منطقهم، ولا يستبعد أن يكون هذا الملف نهائيا ناتجا عن تسوية بين مختلف مكونات منظومة الحكم.

التعليقات (0)