مدونات

لبنان يحتضر

محمد فحص- كاتب لبناني
محمد فحص- كاتب لبناني
لم يعد يخفى على أحد الوضع المزري الذي وصل إليه لبنان بفعل الطبقة السياسية الحاكمة التي عاثت فسادا طيلة سنوات حكمها، ولكن أن يصل الفساد إلى حد انهيار دولة فهذه من كبرى المصائب، والمصيبة الأكبر أن فئة كبيرة من الشعب استسلمت لمصيرها، منتظرة الحلول الخارجية لعدم ثقتها بهذه العصابة، وتناست أنها قادرة على التعبير وتغيير الحكم؛ إن كان في صناديق الاقتراع أو في الشارع.

بدأت الأزمة الحالية تلوح في الأفق لحظة تولي ميشال عون رئاسة الجمهورية، فهو وحليفه حزب الله عطّلا البلد لسنتين ونيف من أجل وصوله للحكم، على مبدأ "أنا أو لا أحد". فمن يملك السلاح يملك المكان ويغتصب الوطن، وهذا الذي حدث عندما عطّل حزب الله البلد سياسيا وأمنيا واقتصاديا من أجل وصول دميته للحكم، فالاتفاق كان الرئاسة والسرقات مقابل تشريع إرهاب السلاح داخليا وخارجيا.

وهذا الأمر وضع لبنان في عزلة دولية، فحزب الله مدرج على لوائح الإرهاب الأمريكي والأوروبي، وعون يفاخر بهذا التحالف ليل نهار وعند كل تصريح صحفي. وبهذه الحالة أعلن لبنان مقاطعة إيرانية تابعة لولاية الفقيه، وتناسى أن البلد لا يقوم إلا بجناحيه المسلم والمسيحي. فعند أولى الصفقات باع عون مبادئ رئاسة الجمهورية، ولا أريد أن أحدثكم عن خبرة القائد عون في بيع مبادئه من أجل مصالحه الشخصية، فهو منذ نعومة أظافره بارع في المتاجرة بدماء اللبنانيين وأرواحهم من أجل مكاسبه، وهذا الأمر الذي أوصل لبنان إلى مرحلة الانهيار.

مع انطلاقة شرارة ثورة 17 تشرين ومطالبة الثوار باستقالة الطبقة الحاكمة، لبّى رئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري طلبهم واستقال، فاسحا المجال أمام حلول جدية لبناء الدولة، ولكن عون وحليف السلاح كان لهما رأي آخر، فاستغلا هذه الفرصة ونصّبا حسان دياب رئيسا للحكومة دون مباركة الطائفة السنية لهذا التنصيب. فهذا المنصب كان منذ اتفاق الطائف من حصة السنّة، وبهذا ضرب عون التقاليد بعرض الحائط.

ولكن استلام دياب للسفينة وهي تغرق أفشله فأعلن استقالته، وعندها دخل لبنان في المجهول بسبب الحصار الاقتصادي الذي فرضته الدول الغربية على حزب الله. ولكن السلاح كان له رأي آخر، فهو تارة كان يساعد الأمير النائم بقمع مطلب اللبنانيين باستقالة عون، وتارة يشد الوتر عليه من أجل تنفيذ مطالبه التي تلكأ عون عن تنفيذها وانقلب السحر على الساحر. فعند محاولة نصر الله الضغط لتشكيل حكومة إيرانية بامتياز والتهديد بحرب أهلية في حال عدم تشكيلها، قلب الرئيس المكلف سعد الحريري الطاولة وأعلن من قصر بعبدا أن عون طلب منه حكومة يكون فيها له ولحليفه الثلث المعطّل، وكل هذا من أجل ضمان وصول صهر عون إلى سدّة الرئاسة. ولكن جرت الرياح بما لم تشته السفن، وبان الكذب والتضليل الذي يمارسه عون.

وبدأت الاتصالات لاحتواء الموقف الذي لا يليق برئيس جمهورية، وزادت لهجة التهديد وخاصة لسعد الحريري، واتصال الرئيس الفرنسي به خير دليل على تهديد حزب الله. فهذا الاتصال كان لدعوته للانتقال إلى باريس (ربما خوفا من تكرار سيناريو والده الذي اغتالته عناصر في حزب الله عام 2005).

هل المطلوب أن يبقى عون في سدّة الرئاسة ويحكم وطنا جريحا مدمرا وشعبا يائسا مستسلما؟ ألم يحن الوقت لتدخل الأمم المتحدة وإعلان لبنان دولة منزوعة السلاح؟ ألم يرتو عون ونصر الله من دماء اللبنانيين؟ الجواب أن الوقت لم يحن بعد للتسوية اللبنانية، فلبنان حاليا هو ساحة صراع روسية أمريكية والشعب اللبناني يدفع الثمن، وزيارة وفد من حزب الله إلى موسكو خير دليل، فهي رسالة روسية إلى أمريكا بأن روسيا تفرّق ما بين الجناح السياسي والجناح العسكري للحزب، ونصر الله يريد أن يكون للبنان تسوية مستقلة عن الشأن السوري، ولهذا زاد من بطشه وأعلن نفسه الآمر الناهي للدولة اللبنانية، ولا مانع عنده من قتل كل من يعارضه لإعلان جمهورية ولاية الفقيه.

بالمختصر الوضع اللبناني بات بين يدي الشيطان ولا يمكن حله إلا بضغط خارجي، فعندما تستوي الطبخة الخارجية يصلح الوضع في لبنان، ولحين نضوج التسوية علينا كلبنانيين تحمل قمع الحريات وإرهاب السلاح ومحاولة نقل الصراع الداخلي إلى الساحات الخارجية، عبر رفع دعاوى ضد ميشال عون وحسن نصر الله بتهم تتعلق بإرهاب وقتل الشعب اللبناني، لعل القضاء الأجنبي ينصفنا بعد أن خذلنا القضاء اللبناني بسبب تسييسه.

شبّه ابن خلدون الدول بالإنسان من حيث ولادتها ووصولها للمجد ومن ثم هرمها، وأعتقد بأننا في لبنان وصلنا إلى مرحلة الاستسلام الذي يسبق فترة الانهيار، هذا الانهيار سيكون مؤلما ولكن العبرة  بالخواتيم، فهذا الانهيار سيكون ولادة لبنان الجديد الخالي من الفساد، والأهم لبنان منزوع السلاح من الميليشيات التي أرهبت شعبه ودمرته. ولكن مهما طال الليل فمن المؤكد بأن فجر لبنان الجديد سيبزغ.
التعليقات (0)