صحافة دولية

NYT: هل حقق الجيش الإسرائيلي هدفه من تدمير غزة

صواريخ المقاومة استمرت بالانطلاق حتى اللحظة الأخيرة قبل سريان التهدئة- جيتي
صواريخ المقاومة استمرت بالانطلاق حتى اللحظة الأخيرة قبل سريان التهدئة- جيتي
تناولت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تقريرا، تحدثت فيه عن الدمار الذي خلفه عدوان جيش الاحتلال على قطاع غزة، وما إذا كان قد حقق أهدافه.

 وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن جيش الاحتلال صرّح بأن غاراته الجوية قتلت العشرات من كبار نشطاء حركة حماس، ودمرت البنية التحتية العسكرية الحيوية، ولكن من الصعب قياس النصر الذي حققته في المقابل.

وذكرت الصحيفة أن الضباط الذين قادوا هجوم غزة قاموا يوم الخميس في اثنين من مراكز القيادة الرئيسية للجيش الإسرائيلي بتحصيل ما اعتبروه إنجازات صراعهم الأخير مع حماس، وتحديدا استشهاد العشرات من النشطاء، واعتراض 340 قاذفة صواريخ، وتدمير 60 ميلا من الأنفاق تحت الأرض.

مع إعلان وقف إطلاق النار، بعد أكثر من 10 أيام من العدوان الذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 230 فلسطينيا و12 إسرائيليا، وتدمير المستشفيات والبنية التحتية الأخرى في غزة، كانت المواقف السائدة في القاعدتين، إحداهما في بئر السبع جنوبا، والأخرى في تل أبيب، مختلطة.

في تل أبيب، اعتبر الجنرالات في القيادة العسكرية العليا ما حدث انتصارا، ولكن في بئر السبع، حيث أشرف القادة على أجزاء كبيرة من الهجمات في غزة، طغى الاحتراز. ففي ثلاث مناسبات منذ سيطرة حماس الكاملة على غزة في سنة 2007، شنّت إسرائيل هجمات كبيرة تهدف إلى إضعاف القدرات العسكرية للحركة، لتعيد حماس بناء قواها، وتحقق نجاحا في تغيير الوضع حتى لو كان صغيرا. وقد تعهّد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأن هذه المرة ستكون مختلفة.

مسلحين بخطط حرب واسعة النطاق، وضع القادة العسكريون الإسرائيليون بشكل منهجي قائمة للأهداف، في محاولة لإلحاق أكبر قدر من الضرر بقدرات حماس العسكرية وقادتها. لكن حتى الآن، تقر المستويات العليا في الجيش الإسرائيلي بأن جهودهم قد لا تمنع جولة أخرى من القتال، وربما حتى في المستقبل القريب.

وأعرب الكثيرون عن ارتياحهم لما وقع إنجازه فيما يتعلّق بإذلال حماس. في هذا الصدد، قال ضابط إسرائيلي رفيع المستوى في تل أبيب، شارك في التخطيط للعملية وتنفيذها، إن حماس لا تعلم مدى معرفة المخابرات الإسرائيلية بها، ومدى فعالية إسرائيل في إحباط جميع خططها الهجومية.

وفي المقابل، كان البعض الآخر أكثر ترددا. ويعتقد ضابط رفيع المستوى في بئر السبع أنه حتى وإن حقّقت إسرائيل أهدافها العسكرية، فلا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت ستمنع نشوب معارك في المستقبل. عموما، لا يزال لدى حماس والفصائل التابعة لها حوالي ثمانية آلاف صاروخ، وفقا لما أكده ضابط إسرائيلي آخر، وعدة مئات من قاذفات الصواريخ، حسب ضابط في بئر السبع، أي ما يكفي لشنّ حربين مستقبلا.

وأشارت الصحيفة إلى أنه أثيرت أسئلة في إسرائيل والولايات المتحدة ودول أخرى حول ما إذا كان رد الجيش الإسرائيلي على هجمات حماس الصاروخية متناسبا ومتوافقا مع القانون الدولي. حتى بعد انتهاء العدوان، ستظل القضايا التي أججتها باقية. كان لذلك تكلفة دبلوماسية بالنسبة لإسرائيل، لأنها زادت من انتقادات عدد متزايد من الديمقراطيين في الولايات المتحدة للسياسات الإسرائيلية.

ونقلت الصحيفة عن المحلل والناشط الحقوقي المقيم في واشنطن، يوسف منير، أن الحسابات التي تستخدمها إسرائيل لتقييم مدى نجاحها العسكري غير شرعية، "فغالبا ما يشير الإسرائيليون إلى هذا الأمر على أنه جز العشب، أو بمثابة أعمال الصيانة الدورية التي ينبغي القيام بها عن طريق قصف واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، والتي تخضع أيضا لحصار. لا أخلاق في حرب يكون تكرارها مخططا له مسبقا".

وذكرت الصحيفة أنه من أجل ردع حماس، حاولت إسرائيل في صراعاتها السابقة تدمير ما يكفي من أسلحة الجماعة؛ لتأمين سنوات قليلة إضافية "هادئة"، على حد تعبير بعض الإسرائيليين. لكن بالنسبة للفلسطينيين، كان مفهوم الهدوء منذ فترة طويلة عبثيّا، حيث يقول الكثيرون إن الحياة لن تكون أبدا هادئة أو سهلة على الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال أو الحصار.

وفي الوقت الراهن، حتى كبار القادة العسكريين الإسرائيليين يختلفون حول ما إذا كانت الحرب الأخيرة ستمنع المزيد من التصعيد على المدى القريب أو المتوسط. بالإضافة إلى استشهاد أكثر من 230 فلسطينيا في غزة، من بينهم 65 طفلا، دّمرت الغارات الجوية الإسرائيلية البنية التحتية وشبكات الصرف الصحي وأنابيب المياه، كما ألحقت أضرارا جسيمة بما لا يقل عن 17 مستشفى وعيادة، ودمرت حوالي 1000 مبنى، وعلّقت عمليات اختبار فيروس كورونا بعد أن دُمّر المختبر الوحيد في غزة.

وأوردت الصحيفة أن العملية عسكريا سارت وفقا للخطة، وحققت أكثر مما كانوا يتوقّعونه، حيث أعدّ فريق من مئات ضباط المخابرات الإسرائيلية قائمة طويلة بالأهداف المحتملة وكيفية تدميرها، وهي الخطط التي وقع تفعيلها بسرعة بعد اندلاع الحرب، وذلك حسب اثنين من كبار الضباط في تل أبيب.

تزعم إسرائيل أن الضباط والمحامين العسكريين يقيّمون الخطة بعناية قبل بداية الهجوم، وقد ألغوا الهجمات التي يرون أنها تشكل خطرا على حياة المدنيين، على الرغم من أنهم نفذوا العديد من الهجمات التي قتلت الأبرياء.

ومن بين أهداف الجيش الإسرائيلي، شبكة أنفاق تمتد لحوالي 250 ميلا سمحت للمسلحين بالاختباء من الضربات الجوية، والتحرك دون أن تكتشفهم الطائرات الإسرائيلية دون طيار، وإطلاق الصواريخ من منشآت تحت الأرض. بحلول ليلة الخميس، أعلن الجيش الإسرائيلي عن نجاحه في تدمير حوالي ثلث تلك الشبكة، ما أدى إلى إضعاف أحد أكثر أصول حماس قيمة. لكن في المقابل شككت وسائل إعلام عبرية في إعلان الجيش، خاصة مع استمرار إطلاق الصواريخ، وفشل إسرائيل باغتيال قيادات كبيرة في حماس.

بالنسبة للأميرال المتقاعد والرئيس السابق للقوات البحرية الإسرائيلية، عامي أيالون، لم تفرض الغارات الجوية الإسرائيلية سوى "هدوء زائف"، إذ لا تزال القضايا الجوهرية التي تحرك الصراع الإسرائيلي الفلسطيني قائمة دون وجود حلّ لها.  وأوضح أيالون أنه "لا بد أن يكون الهدف النهائي من أي حرب خلق واقع سياسي أفضل"، مضيفا أن الصراع في غزة "لن يقودنا إلى أي نوع من الواقع السياسي المحسّن".

أشارت الصحيفة إلى أن الأعداد الكبيرة للقتلى المدنيين في غزة أدت إلى تصعيد الغضب الفلسطيني تجاه إسرائيل إلى جانب إثارة الغضب الدولي، حيث عزّز ذلك شرعية حماس بين بعض الفلسطينيين، وجعل احتمال استئناف مفاوضات السلام، ناهيك عن اتفاق حول الوضع النهائي بين الإسرائيليين والفلسطينيين أبعد من أي وقت مضى. من جانبهم، يرى بعض المحللين العسكريين الإسرائيليين أن إسرائيل حققت أفضل نتيجة متاحة.

وأضاف العقيد أن إبطال قوة ترسانة حماس العسكرية لبضع سنوات، وبالتالي إرغامها على التخوف من استئناف الأعمال العدائية، كان أفضل نتيجة تُذكر خلال هذا التصعيد "بحيث يستغرق الأمر وقتا طويلا قبل محاولتهم شن هجمات مرة أخرى".

بغض النظر عن تحقيق النصر، تسبّبت الحرب في تشديد الرقابة على السلوك العسكري الإسرائيلي. وفي حين أضحى المجتمع الدولي يتقبّل حتمية تعرّض المدنيين والبنية التحتية المدنية للأضرار جراء الضربات على أهداف عسكرية قريبة منهم، ينصّ القانون على أن الضرر الذي لحق بالمدنيين يجب أن يتناسب مع الميزة العسكرية المحتملة الناتجة عن الهجوم.

في المقابل، يستدلّ المنتقدون بضربات على غرار تلك التي قتلت 12 فردا من عائلة أبو العوف صباح الأحد، خلال هجوم على ما زعم الجيش الإسرائيلي بأنها قاعدة عسكرية تحت الأرض بجوار منزله، في إشارة إلى أن عدد المدنيين الذين قتلتهم إسرائيل غير متناسب مع الميزة العسكرية التي اكتسبتها إسرائيل من الهجمات.

اتُّهمت إسرائيل بضرب أهداف لا يمكن وصفها بأنها مواقع عسكرية بشكل شرعي. وعندما ضرب صاروخ إسرائيلي مبنى سكنيا في غزة في وقت مبكر من يوم الجمعة، ما أسفر عن مقتل العديد من الأطفال من عائلة الحديدي، بررت إسرائيل الهجوم بأنه استهدف ناشطا كبيرا يعيش في المبنى نفسه.

ذكرت الصحيفة أن أحد الضباط الإسرائيليين الكبار في بئر السبع زعم أن حماس تُخفي قادتها ومواقع الصواريخ داخل المناطق السكنية بشكل منهجي، مشيرا إلى أنه "لا يوجد هدف منفصل عن المدنيين، وجميع الجهات المستهدفة تقع بين عامة السكان".

بالنسبة لبعض الجنود الإسرائيليين السابقين، يتجاوز هذا التفسير بكثير "التعريف المنطقي لما هو هدف عسكري"، على حد تعبير الضابط السابق في الجيش الإسرائيلي يهودا شاؤول، وهو أحد مؤسسي منظمة كسر الصمت، التي تتكوّن من جنود إسرائيليين سابقين يشنّون حملات ضد ما يقولون إنه انتهاكات عسكرية إسرائيلية.

 
التعليقات (0)