قضايا وآراء

في تحية الأسد وخامنئي.. وتضامن الشارع العربي مع فلسطين

نزار السهلي
1300x600
1300x600
بعد الصمود البطولي، الذي سجله الشعب الفلسطيني في صد الهجمة الصهيونية على القدس وبقية المدن الفلسطينية في الداخل الفلسطيني، وتسجيل المقاومة الفلسطينية في غزة لغتها الحاسمة على حساب استقرار وتفوق لغة العدوان الصهيوني، يقدم الشعب الفلسطيني ومقاومته الشروط اللازمة والدائمة للانتصار على الهزيمة التي أرادت المؤسسة الصهيونية مع تخاذل عربي ودولي غير منته؛ أن تكون قدراً نهائيا يحاصر آمال الفلسطينيين وتطلعاتهم بالتحرر.

فرغم الجبروت العسكري الهائل الذي تتمتع به المؤسسة الصهيونية، ورغم نجاحاتها الجزئية بسحق الأبراج السكنية في غزة، وتدمير البنى التحتية لحياة عشرات آلاف المدنيين، في مشاهد أججت غضب شوارع عربية ودولية من همجية الكيان الصهيوني، وفي إعادة رتيبة لجوهر المشروع الاستعماري في فلسطين الذي لا يخلف إلا الدماء والدمار، والتي جمع جذورها الشعب الفلسطيني كقدرةٍ على الصمود والبقاء، إلا أن هناك خلاصة من المواجهة الجارية في كل فلسطين تقول إن هذا الشعب أبعد ما يكون عن الهزيمة..

هي خلاصة لا تلغي العقبات التي تعترض المسير النضالي الطويل للشعب الفلسطيني، فالمواجهة في غزة كانت أكبر من مجرد عملية عسكرية أظهرت هشاشة القبة الحديدية، وأبعد من فعل صواريخ المقاومة الفلسطينية التي كشفت عن خزي وعار جيوش منهمكة بقتل شعوبها.
أصبح الشعب الفلسطيني موحداً في المواجهة من الجليل والمثلث والقدس والنقب إلى غزة وشتات الفلسطينيين حول العالم

ففي المحصلة أصبح الشعب الفلسطيني موحداً في المواجهة من الجليل والمثلث والقدس والنقب إلى غزة وشتات الفلسطينيين حول العالم. لكن رد المقاومة في غزة على العدوان والرد الفلسطيني في الشارع كان أشبه بضربة على الرأس، أعادت لنتنياهو بعضاً من "صوابه"؛ لأن الحسم الهمجي التدميري لا يفرض على الفلسطينيين هزيمة محققة ونهائية، لكنه يعيد طرح السؤال البديهي للشارع العربي والفلسطيني عن القدرات البسيطة والمتواضعة للمقاومة مقارنة بترسانة تميل لصالح المحتل، وعن سلاح عربي لم تكشف فاعليته إلا في حطام مدن عربية.

ووفق مقولة "الاعتماد على الذات ينقذنا"، كانت الإرادة بالمواجهة فلسطينية خالصة، وهي باقية ومتجذرة، وأدوات النضال التي اجترعها الشعب الفلسطيني تراكمية، وحالة الاشتباك مع المحتل ومشروعه الاستعماري تحاكي آمال الشارع العربي بالتحرر من المحتل والمستبد والطاغية. والتضامن مع فلسطين، كشعب وهوية نضالية، يتعلق بثنائية التخلص من الاستبداد والاحتلال والعكس صحيح.

ومن يقفز عن سنوات الربيع العربي، وكارثة إدماء المجتمعات العربية بسلاح الطاغية، سيواجه بسؤال أساسي وجوهري عن جدوى توجيه الشكر لسفاح الفلسطينيين والسوريين من قِبل من يمثل حركة تحرر وطني فلسطيني، لوقوفهِ فقط بجانب شعارات أزهقت أرواح مئات الآلاف وشردت ملايين شكلوا في وجدان النضال الفلسطيني العمق الطبيعي له.
من يقفز عن سنوات الربيع العربي، وكارثة إدماء المجتمعات العربية بسلاح الطاغية، سيواجه بسؤال أساسي وجوهري عن جدوى توجيه الشكر لسفاح الفلسطينيين والسوريين من قِبل من يمثل حركة تحرر وطني فلسطيني

هكذا يتبخر تضامن الشارع العربي، الذي يحمل فلسطين في وعيه ووجدانه كدلالة على مقاومته مشروع قهره واستبداده. وفي توجيه رسائل الشكر للأسد والخامنئي، يجد المصير الفلسطيني نفسه بمهام الدفاع عن نفسه أمام هجوم ربط فلسطين مع من يمثل "مقاومتها" في استبدال مهام حرية العربي في فكرة الديمقراطية والحرية والمواطنة، إلى مهام ميلاد طراز جديد من نخب "حركة المقاومة" التي تحاول منح فاشية الأسد وحلفائه تطهرا بفلسطين، وقد تلوثت أيديهم بدماء شعبها ودماء أشقائه العرب.

حرمان فلسطين من عناصر التأييد العربي الملاحق بالقتل والدمار والتهجير والقمع والقهر، لم يقتصر على الاستبداد وأدواته، إنما بتشاركية فلسطينية رسمية (من السلطة إلى الفصائل) رافقت مذابح السوريين والفلسطينيين في سوريا، مع كيل مديح لا ينتهي بأنظمة التصهين العربي، وتختتم بإهداء الإرادة النضالية الفلسطينية (كأنها لم تكن موجودة لولا دعم القتلة والسفاحين والمستبدين!)، رغم أن الفلسطينيين يصارعون منذ قرن المشروع الصهيوني، قبل ولادة سفاح سوريا وقبل اختراع مسميات الفيالق والدروع الإيرانية باسم فلسطين.

لن يتمكن الحضور الفلسطيني المنجز كثابت غير قابل للخلخلة إلا بإدراكه أنه جزء من هوية التحرر العربي من الطغاة والمستبدين، ومواجهة الشعب الفلسطيني الأخيرة في غزة وفي القدس واللد والشيخ جراح وحيفا وأم الفحم وكل فلسطين بشجاعة وعطاء نادرين؛ هي التي أعادت فلسطين الجديدة إلى ساحات العالم، وهي التي أعادت تسليط الضوء على مخاطر المشروع الاستعماري في فلسطين، وأحيا آمال شوارع عربية بموجة قادمة من ثورات قادمة لتحقيق الآمال وإنجاز المطالب.
لن يتمكن الحضور الفلسطيني المنجز كثابت غير قابل للخلخلة إلا بإدراكه أنه جزء من هوية التحرر العربي من الطغاة والمستبدين

والحضور الفلسطيني في حالة الاشتباك مع المحتل هو الذي أسقط تغييب فلسطين الثورة والحرية والكرامة.

من أراد أن يكون الفلسطيني بيدقاً في يده، ومن أراد له أن يكون محصوراً في "فرع فلسطين" أو "فيالق القدس" أو في "أمن الدولة" الخادم لأمن الصهيوني، كي يذوب مع قضيته، لا يُشكر، ولا يُنافَق.. من تُوجه له التحية ومن تنحني له الهامات هو قتيل "فرع فلسطين" تحت التعذيب، ومن هو صامد في الجليل والمثلث والنقب والقدس وغزة، ومن يُشكَر هي شوارع عربية تئن تحت الظلم، وما زالت ترى في المشروع الصهيوني وخدمهِ في أنظمة القتل والقهر عدواً رئيسيا لها وللشعب الفلسطيني.

سيكون من التبسيط اعتبار "شكر" بعض نخب المقاومة للأسد وخامنئي والسيسي، في إطار "بروتوكول" احتفالي، إعفاء من العلاقة بينهم وبين جرائم لا يمكن لشعار المقاومة تغطيتها أو مسحها بمنجز يقولون عنه إنه بفضل سواعد أبناء فلسطين. فما هو منجز في معسكر الطغاة يبقى شاهد عار، إن كان في معبر رفح، أو في زنازين الأسد ومدن سوريا. فما الفائدة من كسب "أصدقاء فلسطين" الرسميين وهم أعداؤها الفعليون، وخسارة تضامن شوارع عربية تقاتل الطاغية والمستبد؟ إنها التجربة التي لم تُعد الصواب بعد لرؤوس كثيرة.

twitter.com/nizar_sahli
التعليقات (0)