أفكَار

قضية المرأة في مشروع جماعة العدل والإحسان المغربية (2من2)

العدل والإحسان المغربية.. أطروحات فكرية متميزة لدور المرأة في المجتمع  (العدل والإحسان)
العدل والإحسان المغربية.. أطروحات فكرية متميزة لدور المرأة في المجتمع (العدل والإحسان)

تعتبر جماعة العدل والإحسان، واحدة من كبريات الحركات الإسلامية في المغرب، وعلى الرغم من أن لها قيادات معروفين ومواقع رسمية على الإنترنت، فإن السلطات المغربية لا تزال تعتبرها جماعة محظورة، وهو تصنيف ترفضه الجماعة، وتقول إنها حصلت على ترخيص رسمي في الثمانينيات.

بعيدا عن الإشكال القانوني والسياسي، تفتح "عربي21" ملف المقومات الفكرية والسياسية لجماعة العدل والإحسان، بقلم واحد من قياداتها، وهو الدكتور عمر أمكاسو، وهو بالإضافة لصفته باحثا في التاريخ، فهو مسؤول مكتب الإعلام وعضو مجلس الإرشاد في الجماعة.


أسس ومبادئ عامة مؤطرة لتصور جماعة العدل والإحسان لقضية المرأة، وبعض وسائل ومظاهر تنزيلها:

في الجزء الأول من هذه الحلقات التي خصصناها لموضوع قضية المرأة في مشروع جماعة العدل والإحسان، وقفنا عند أهم مراحل تطور العمل النسائي في الجماعة، وأبرز واجهات هذا العمل، وفي هذا الجزء الثاني، نستعرض متوكلين على المولى القدير باقي عناصر هذا الموضوع بالغ الأهمية.

يمكننا إجمال المبادئ الكبرى المؤطرة لتصور جماعة العدل والإحسان لقضية المرأة وبعض وسائل ومظاهر تنزيلها فيما يلي:

1 ـ الخصوصية: 

خصوصية المرأة تأتي من نظرة الإسلام إليها، في إطار منظومة شاملة تجعل منها إنسانا له دوره الأساسي في جبهة بناء الأسرة، الذي لا يلغي مشاركتها في الحياة العامة أيضا. وكذلك خصوصية تاريخية لوضع المرأة في العالم الإسلامي، التي أفرزت بنية مجتمعية خاصة وتقاليد وذهنيات بعيدة عن النهج النبوي.  

2 ـ مصالحة المرأة مع فطرتها وتحرير إرادتها: 

يقتضي ذلك ضرورة تصحيح علاقة المرأة بذاتها ونظرتها لنفسها، وتجازو الترسبات التي جعلت المرأة تنظر لنفسها بعين الدونية والنقص، وكأن الأنوثة لعنة أبدية مفروضة عليها، في حين أن الله تعالى ليس بظلام للعبيد، حيث يقول سبحانه وتعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم" (الحجرات، آية 13)، فميزان الأفضلية بين البشر هو التقوى وليس الجنس أو غيره. لذلك، فلا بد من توخي إعادة تربية المرأة وتأهيلها لتستعيد ثقتها بربها وبنفسها، من خلال اجتهاد يجلي نظرة الإسلام الحقيقية للمرأة، بعيدا عن الموروث المجتمعي لقرون ما بعد الانكسار التاريخي، أساسه أن للمرأة حظها المكين من الله، وأنه ليس من مقتضيات أنوثتها أن تكون حجابا يمنعها من ذلك، بل هو باب للتقرب به إلى الله تعالى، ونيل الدرجات العُلى عنده سبحانه، وأن ما فرضه عليها ليس فيه تنقيص منها. اجتهاد يصحح ما كرسته رياح التغريب من نظرية الصدام بين المرأة وفطرتها التي فيها سعادتها وراحتها الحقيقية، ومعاداة الدين والرجل، وتحميلهما المسؤولية فيما وصلت إليه المرأة من مظلومية، والدخول في صراعات لن تزيد المرأة إلا ضياعا واغترابا عن ذاتها وأمنها الروحي، وبعدا عن التوازن المطلوب.

يقول الإمام ياسين رحمه الله: "والمرأة أمام العقبة المزدوجة بين باعث يدفعها لفعل الخير وخاذل يثبطها. الخاذل عميق الجذور في الفكر والعادات والفقه المنحبس الذي رسخ في المرأة على مر العصور الانحطاطية الشعورَ بالدونية والعجز، وكسر ثقتها بنفسها وبربها. بترت منها حاسة المسؤولية خارج نطاقها الضيق وأشغالها الخاصة وهمومها وآلامها وأميتها. والباعث نداء الإسلام الأصيل، خفت صوته زمنا طويلا، وهو اليوم كلمة تسمعها المرأة ويسمعها الرجل، فيصحوان ويسألان: ما العمل؟ وما الطريق؟" (من كتاب تنوير المؤمنات ج1 ص18).

كما أن النظرة الدونية التي تنظر بها المرأة لذاتها انطلاقا مما سبق، تعد عقبة وحاجزا يحول دون تحرير إرادتها لتطلب ما عند الله أولا، ثم لتكون مُكوِّنا فاعلا في المجتمع ونافعا. فأول الخطوات لانطلاقة صحيحة في تغيير وضعية المرأة، هي الدفع بها لامتلاك هذه الإرادة التحررية وتجاوز العقبة الذاتية، دون السقوط في فخ الندية والصراع بين الرجل والمرأة، والتمرد الذي سيكلفها الكثير من استقرارها واستقرار أسرتها، ويحول دون ممارستها لأدوارها الطبيعية والفطرية في انسجام مع ذاتها وتكامل مع أخيها الرجل. 

يقول الإمام ياسين رحمه الله: "كيف تنظر المؤمنة المستيقظة بإيمانها منذ قريب إلى نفسها ومهمتها في العالم الموَّار؟ شخص متواضع ضعيف منشغل بمشاكل الحضيض اليومية، منصرف إلى شأنه الخاص يعاني في صمت؟ أم مؤمنة مرشحة للعضوية في الحركة الإسلامية، وإرادة ماسكة متماسكة مع إرادات المؤمنين والمؤمنات يعنيها مصيرها إلى الله في الآخرة كما يعنيها مصير أمتها؟ تتجاوز همتُها الأفقَ الضيق المحدود الذي رسمه لها تاريخ الإسلام التقليدي، أم تتطلع لاقتحام مجالات جهاد البناء والتغيير حاملة مع الحاملين والحاملات رسالةَ الإسلام وكلمته إلى العالم؟" (من كتاب تنوير المؤمنات، ج1، ص83).

3 ـ الأسرة والحياة الزوجية والأمومة: 

العلاقة الصحيحة بين المرأة والرجل هي علاقة تكامل ورابطة أساسها المحبة والأخوة في الله، والرحمة والأصل الإنساني الواحد. وسنة الزواج تتماشى والفطرة الإنسانية التي فطر الناس عليها تحقيقا للسكن، يقول الإمام رحمة الله عليه: "ما المودة والرحمة الجسديان العاطفيان بين الأزواج المؤمنين شأن منفصل عن الدين. الزواج والرحمة والمودة مُدْغمَة في الإيمان إدغام الجسد في الروح. أو هُو إدْغام الروح في الجسد؟". (من كتاب تنوير المؤمنات، ج1، ص83). 

والأسرة هي محضن ضروري لبناء الإنسان ولبنة أساسية لاستقرار المجتمع والحفاظ على الجنس البشري، وهي وظيفة تتشرف المرأة بها وتكرم وترتقي بها في مدارج الإحسان، وطريق تسلك بها لكمالها الإنساني وتبني بها غد الإسلام، إن هي عَظَّمت النيةَ وأتقنت مهنتَها، وكل ذلك يصحح النظرةَ التنقيصيةَ للمرأة زوجة وأمًّا وربةَ بيت. "أقوى ما تَسْتقوِي به الأمةُ متانةَ بناء الأسرة. والمتانة أمومة مَصُونةٌ مستقرة في بيتٍ مدرسةٍ. أهم ما نُعِد لهم من قُوَّةِ أمومة مبرورةٌ بَرّةٌ مربية، تصنع مستقبل العزة للأمة. جهاد المؤمنة وحيثيَّتُها في سجل كرامة الإيمان أن تنجب مجاهدين ومجاهدات أقوياء". (من كتاب تنوير المؤمنات ج2 ص220).

4 ـ المرأة تمثل جبهة الرفق: 

يقول الإمام رحمة الله عليه: "القلب الرحيم لا شك، وحس المؤمنة المجبولة على تعهد الحياة وبناء الإنسان محمولا في البطن، وموجعا من أجله في الوضع، ومُرْضَعا مَحْنُوّا عليه، ومفطوما مفصولا برقة، وصبيا يلعب في الحجر، وغلاما مشاكسا، ويافعا ثائرا، وزوجا بعد وأبا. كل ذلك يطلب من المعاناة والصبر واللين والحب والرفق ما تقدُّره المرأة حق قدره، فتسمعه من الوحي، وتخزنه لنا ذاكرتها. فللمؤمنة في فقه التغيير وتفقيه الرجال بأسلوبه المرتبة الأولى. وكم أمامها من معاناة لتقنع الشباب المتحمس أن إكراه المتبرجات على ستر شعرهن، إنما يبلد الشعور وينفر القلوب". (من كتاب تنوير المؤمنات، ج1، ص72). 

فخلق الرفق هبة ربانية واستعداد فطري في المرأة، يوظف في واقع الفتنة حيث الرفق والعفو وحقن الدماء ونبذ العنف والحكمة أولى الأولويات في عملية التغيير والتجديد. فكيف تمتلك المؤمنة الإرادة الإيمانية لتنسلخ من مشاكلها الحضيضية وتوظف رفقها الفطري في معركة التغيير والتجديد؟

5 ـ قيادتهن من جنسهن: 

يقول الإمام رحمة الله عليه: "تنظم المؤمنات أنفسهن، قيادتُهُنَّ منهن، مبادرتهن منهن. والشورى جامعة” (من كتاب تنوير المؤمنات، ج2، ص361)، فمن لوازم مفهوم الخصوصية خصوصية الوعاء التنظيمي الذي يضم عموم الأخوات، وتنتظم فيه مجالسهن التي تصرف فيها برامجهن تماشيا مع خصوصيتهن، ومعيار قوة عملهن يتجلى في إفراز قيادة نسائية لها حظها من الله إيمانا وعملا، وقادرة على المبادرة باعتبارها دليلا على تحرر إرادتها واستيعابها للمشروع التنويري للمؤمنة، ومتمكنة من آليات تبليغه وحسن تدبير العمل النسائي وانسجامه في نسق الجماعة، باعتبارها ذاتا واحدة رابطتها الولاية والشورى جامعة. 

 


بعض عضوات الهيئة العامة للعمل النسائي للجماعة في زيارة تعزية لأسرة الإمام رحمه الله (من اليمين: ذة عائشة الشيباني حفيدة الإمام، الفاضلة خديجة المالكي زوج الإمام رحمهما الله، دة. مريم ياسين نجلة الإمام، وعضوات الهيئة دة وفاء توفيق، والأستاذتان ليلى متوكل، وبديعة سعدون).

  

6 ـ الاندماج بين عملي الإخوان والأخوات وتحقيق الذات الواحدة:

 

هذا الاندماج من مقتضيات العمل في الهياكل نفسها والسعي لتحقيق البرامجن فسها أو الأهداف نفسها في فضاء مشترك. فمفهوم الاندماج ينبني على نواظم ثلاث: وهي الحب في الله، والتناصح والتشاور في الل،ه ثم الطاعة لله ولرسوله ولأولي الأمر من قيادات الجماعة. 

وينبغي لهذا الاندماج أن يوفر فرص المشاركة والاقتراح والمبادرة، كما ينبغي أن يخلق فضاء للعمل يسوده التفاعل الإيجابي والتعاون والاحترام المتبادل، مع مراعاة القضايا الخاصة لكل مكون أو مؤسسة، بعيدا عن وجود جدران وأسقف مانعة. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ،مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". والاندماج هو تجل من تجليات الوَلاية تفرضه ضرورة الحضور في الشأن العام، سواء للإخوان أو للأخوات جنبا إلى جنب سيرا على نهج السيرة النبوية، التي لم تستثن النساء من الفضاء العام بنسبة مشاركة نسائية مهمة وبفعالية كبيرة، أعطتنا نماذج عالية من الصحابيات ربتهن يدُ النبوة وكلأتهن بعينها، ليكنّ قدوات لبنات جنسهن. 

يقول الإمام رحمة الله عليه: "لو أصبح المسلمون فردا فردا على أتقى قلب واحد منهم، ولو اجتهدوا في الأعمال الصالحة الفردية ما اجتهدوا، ثم لو يؤلفوا قوة اقتحامية جماعية تكون المرأة فيها فعالة، لفاتهم فردا فردا درجة الجهاد، ثم لفات الأمة ما فاتهم، ولتردت الأمة بترديهم عن الدرجة العالية، ولتبدد حاضرها وضاع مستقبلها بتبدد إرادتهم". (من كتاب تنوير المؤمنات، ج1، ص20). ومطمح هذا الاندماج تحقيق الذات الواحدة، ووشيجتها الصحبة الجامعة الموصلة لحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والممتدة من الدنيا إلى الآخرة، وعربونها الصبر مع الجماعة، والسير انتظاما في صفها والتهمم بمصيرها، وفق تصور جامع للقلوب والعقول والإرادات.

7 ـ الوَلاية العامة والعمل المشترك:

 

إقامة الدين وتجديده والدعوة إليه يتعاون فيه الرجال والنساء من منطلق الولاية بينهما. قال تعالى: "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويوتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله. إن الله عزيز حكيم" (سورة التوبة، آية 72) و"الوِلاية والوَلاية قرب وتناصر وصداقة ومحبة، وشيجتها العظمى حب المؤمنين والمؤمنات مولاهم عز وجل، حبا غير مفصول عن حب بعضهم البعض". (المنهاج النبوي، ص 60).
 
فخصوصية عمل الأخوات لا تعني القطيعة مع الإخوان، وتحرير الإرادة لا يُترجم بالندية، فكلاهما يشكلان جماعة واحدة تجمعها الولاية العامة بين المؤمنين والمؤمنات، والولاية قرب ونصرة ووحدة الأمر الجامع بيننا.
 
ومن مقتضيات هذه الولاية، الحرص على العمل المشترك، فلا مناص للمرأة من تربية متوازنة بين ما تقتضيه فطرتها من واجب إدراك كمالها الوظيفي تربية للأجيال وعناية بالأسرة، وما تقتضيه مسؤوليتها الشرعية من الانخراط الفاعل في حمل هموم الأمة تربية وتنظيما وزحفا، إلى جانب أخيها الرجل ومعه. يقول الإمام رحمه الله: "لا بد للمؤمنات أن يشاركن المؤمنين في الجهاد لإقامة دولة الإسلام ووحدة المسلمين. ليس بُرجهن الدفاعي خِدْرا للانعزال، لكنه موقع دفاع في قتال، هُنَّ فيه المددُ إن كان الرجال طليعة. هُنَّ مستودع القوة الاحتياطية إن كان الرجال يتقدمون في صف الطٍّعان. ثم إن للمؤمنات مجالاتٍ هُنَّ فيها الطليعةُ والصفُ الأول، وغيرهن المددُ والاحتياط". (من كتاب تنوير المؤمنات، ج1، ص146).

 


صورة من الأنشطة المشتركة بين الأخوات والإخوان في الجماعة (المجلس الوطني لشبيبة العدل والإحسان، في دورته السادسة تحت شعار: “من أجل مغرب حر لا يضيق بشبابه" تشرين الأول (أكتوبر) 2018.

8 ـ التمكين للمرأة: 

الحديث عن الخصوصية التاريخية للمرأة المسلمة وإقصائها لقرون من المجال العام، يفرض الأخذ بمبدأ التمكين للمرأة ليس بمفهوم استقوائها على الرجل، بل بتمييز إيجابي لصالحها لإعادة الأمور إلى نصابها، وكسر القطيعة بينها وبين المساهمة في الشأن العام. 

هذه العودة لن تكون بشكل تلقائي لعوائق ذاتية عند المرأة وترسبات مجتمعية، فاستحداث آليات عمل والمرونة في الهياكل للسماح لحضور النساء ولو بكفاءة أقل من الرجال، سيحدث تراكما إيجابيا يتجاوز في المستقبل. أما انتظار الولوج النسائي التلقائي فلن يكرس إلا مزيدا من الإقصاء، مع مراعاة ألا يكون هذا الحضور تأثيتا للمشهد يكرس تبعية المرأة، لذلك المطلوب العمل على تحرير إرادة المرأة وتعزيز قدراتها وثقتها بنفسها.

9 ـ حضور العين النسائية في اتخاذ القرارات والمساهمة النسائية في الشورى والاجتهاد:

 

يقول الإمام ياسين رحمه الله: "لا بد إذن من المساهمة النسائية في القرار الرجالي، إذ لا يمكن أن يعوض إحساسها المرهف وحبها الأمومي الحاسمان في عملية التغيير لكي يتحقق "تداول الأيام". لا بد أن توقف اليد الحازمة للحكومة الإسلامية نزيف المجتمع الجريح، لكن لا مناص من اللجوء إلى الحنان النسائي لمداواة الجراح البدنية والنفسية ومعالجتها بالبلاسم الناجعة". (كتاب الإسلام والحداثة، "ماذا يعني أن أكون امرأة مسلمة").

بناء على هذا المبدأ، تساهم المرأة في اتخاذ القرار في الجماعة بشكل ملحوظ، فلها تمثيلية تقدر بـ 30% في مجلس الشورى، وفي الأمانة العامة للدائرة السياسية، وفي أمانات الأقاليم وفي أمانات المناطق وفي مجموعة من المؤسسات والهيئات والمراكز، وهي تشارك بفعالية في كل المؤسسات، مع الطموح إلى مزيد من التفعيل كمّا ونوعية؛ استحضارا لمتطلبات الإعداد للمستقبل ولدور الفعل النسائي المتمرس المحوري فيه.

في السياق نفسه، ترى الجماعة أن ما تتوخاه من اجتهاد تجديدي في جميع المجالات لا بد فيه من حضور العين النسائية، فإذا كان الاجتهاد في دين الأمة من صميم مشروعها التجديدي، فإن مشاركة المرأة في هذا الاجتهاد وكذا اجتهادها في قضيتها، هو من صميم الولاية التي تجمعها بالمؤمنين. يقول الإمام رحمة الله عليه: "وحاجة المسلمين إلى اجتهاد يُشرك الصالحات القانتات في الجهاد العام للأمة، جهادا يخرجها من قمقُم قعيدة البيت الأمية غير المسؤولة، ومن بؤس الكادحة المكدودة الكاسية قهرا وحاجة ويتما من كفالة الأقارب المشتتين بين بادية وحاضرة، ومن عناية أزواج يرمون في الشارع من بلغت الأربعين ليجددوا الفراش". (من كتاب تنوير المؤمنات، ج2، ص93).

10 ـ صناعة الرموز النسائية: 

يقول الإمام ياسين "قضية المؤمنات لا تحل إلا في إطار حل شامل يُشاركن فيه متزعمات مع الرجال لا تابعات. والله ولي حميد". (من كتاب تنوير المؤمنات، ج1، ص80).

لذلك، فتبريز كفاءات نسوية ضرورة ملحة ومطلب حيوي باعتباره نتيجة لتصور منهاجي يدعو لتفعيل دور المرأة، وكذلك للحضور النسائي اللافت في صفوف الجماعة كمّا وكيفا. 

فبالقدوة الحسنة تستثار الهمم وتحفز، وبالنماذج الصالحة الطيبة تدفع الشبهات عن الإسلام ومكانة المرأة فيه، وبإشعاعها تتسع دائرة الدعوة والتعاطف العام مع المشروع.

وصناعة هذه الكفاءات ذخر لغد الإسلام وفتل في بناء مجتمع العمران الأخوي ومكانة المرأة فيه، فهو هدف استراتجي في عمل الجماعة ككل وليس موكولا فقط للعمل النسائي فيها.

 


 من أنشطة الهيئة العامة للعمل النسائي للجماعة، بمشاركة (من اليمين) ذة. نادية بلغازي عضوة الهيئة، والدكتورة مريم ياسين نجلة الإمام رحمه الله 

ثالثا ـ تقويم عام لتجربة العمل النسائي داخل جماعة العدل والإحسان

يعتمد الباحثون على مؤشرات محددة، تشكل في مجموعها أداة يمكن الاستناد إليها لتحديد وضعية النساء داخل التنظيمات وتقويمها، ومنها:

ـ وحدة شروط العضوية بالنسبة للرجال والنساء. 
ـ توزيع المهام الحركية حسب الكفاءة لا الجنس، وتأديتها بطريقة تشاركية. 
ـ تمثيل النساء بنسب معتبرة في الهياكل والأطر الحركية كافة، وبخاصة التنفيذية منها بما يتجاوز حدود المشاركة الرمزية إلى المشاركة الفاعلة.
ـ إنتاج خطاب نسوي مستقل، وتشكيل تيارات ضغط تطالب بحقوق النساء موازية لحقوق الرجال. 

باستقراء بسيط لواقع العمل النسائي داخل جماعة العدل والإحسان، يتضح جليا رغبة الجماعة في الإسهام الفعال في بناء مجتمع يجعل من المرأة شريكا حقيقيا للرجل على المستوى الأسري والتربوي وتدبير الشأن العام، ومن ثم استجابة العمل النسائي داخل الجماعة لهذه المحددات، وإن بنسب متفاوتة، وذلك من خلال المؤشرات التالية: 

ـ وجود تنظيم نسائي مستقل على مستوى التنظير والتخطيط والبرمجة والتنفيذ، ممثلا في مؤسسة "الهيئة العامة للعمل النسائي" في الجانب االتربوي والدعوي والتنظيمي؛ وفي "القطاع النسائي" في المجال السياسي وقضايا الشأن العام.

ـ وضع استراتيجية عمل تعتمد على "العين النسائية" في مقاربتها للنصوص، من خلال فتح باب الاجتهاد ومساهمة المرأة المتسلحة بالعلم الشرعي في الاجتهاد.

ـ المشاركة الفعالة للمرأة في جميع مؤسسات الجماعة، التي لم تأت عبر نظام "الكوطا" كما نجد في كثير من التنظيمات السياسية؛ بل هي مكتسب مستحق بناء على مؤهلات المرأة. 

 


 من صور المشاركة القوية للمرأة في تظاهرات الجماعة

ـ إطلاق مشروع "إعداد عالمات" متمكنات من أدوات الفقه ولوازمه، ممتلكات لمفاتيح تسمح بإعادة قراءة النصوص القرآنية وإحياء السنة وفتح أبواب الاجتهاد بمشاركة حقيقية للمرأة، التي غيبت نظرتها المرتكزة على الحافظية كما غيب جوهر الدين. ويعرف هذا المشروع انخراطا واسعا لعضوات الجماعة، من خلال استكمال تعليمهن العالي في جميع المجالات الشرعية والسياسية والقانونية والاقتصادية والعلمية وغيرها.

ـ الانخراط القوي للأخوات في كل برامج الجماعة التربوية (خاصة تنظيم رباطات ومجالس نصيحة نسائية، وعزمة حفظ القرآن الكريم)، والتعليمية والسياسية وغيرها.

وقد نجحت الجماعة إلى حد معتبر في تكوين قيادات نسائية على مستوى مهم من التكوين والتربية، يتمتعن بشخصية متوازنة، توازي بين واجباتها وحقوقها في برجها الاستراتيجي داخل الأسرة، وواجباتها وحقوقها في المجتمع. 

ورغم الحصار المفروض على الجماعة، الذي يحول دون التعرف على أنشطتها ومبادراتها، لا يخفى على أي متتبع مشاركة نساء العدل والإحسان في مختلف الفعاليات والمبادرات؛ في عملها الداخلي التأطيري التربوي والتعليمي، وفي إنتاجها الفكري والمعرفي عبر الدراسات والمقالات والكتب، وفي الفعل السياسي والإعلامي والاحتجاجي في الشارع والميدان، وفي تمثيل الجماعة في الوفود إلى المؤتمرات والملتقيات والمنتديات.
 
وبرزت نساء العدل والإحسان بحضورهن القوي واللافت خلال مشاركتهن في الاحتجاجات والمظاهرات التي تنظمها الجماعة، مع شركائها غالبا أو منفردة أحيانا، دفاعا عن قضايا تهم الوطن أو الأمة، كما لا تفوت نساء العدل والإحسان أي مناسبة في تجديد الدعوة ومد اليد لكل الغيورات على هذا الوطن الحبيب، إلى تعاون حقيقي جاد بعيدا عن الحلول الترقيعية، وبعيدا عن أي تسييس أو توظيف لا يراعي مصلحتها، من أجل تخليص النساء من كابوس التجهيل والتفقير والإقصاء الذي يشل فاعليتهن داخل المجتمع.

 


  صباح العمراني من قيادات القطاع النسائي للجماعة ونموذج من الأنشطة التي أطرها هذا القطاع (8 مارس)

على سبيل الختم

إننا ندرك حق الإدراك أن المشروع التجديدي لجماعة العدل والإحسان في قضية المرأة، يحتاج كثيرا من الصبر والوقت والتدرج كي يعطي ثماره. ويمكننا اعتباره، رغم كل ما يعتريه من عقبات العقلية الدونية والفقه المنحبس والعادات الجارفة وتحكم العقلية الذكورية المترسخة منذ قرون، مشروعا تجديديا يوجهه ويواكبه تجديد الفهم عن الله تعالى، لتستنير القلوب بنور الله، فينعكس نورها على العقول لتتفتق عن اجتهادات، تتجاوز الفقه المنحبس وتستقي من النبع الصافي للرحمة المهداة عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام. وما سبق لا ينفي بعض الإشكالات التي تعترض عمل المرأة في الجماعة، سواء على مستوى الفهم أو على مستوى التنزيل، التي لا يسلم منها أي عمل جماعي تختلف همم أعضائه وإراداتهم وأفهامهم، وتتنوع.

وختاما، فإن عرض موضوع قضية المرأة في مشروع جماعة العدل والإحسان، يمكن اعتباره إضافة نوعية في مسار موقع المرأة في الحركة الإسلامية بشكل عام، وتجربة نسجت على غير منوال يمكن أن تشكل إضافة إلى تجارب إسلامية وعالمية أخرى، خارطة طريق ترتكز على الحوار والتفاعل بين كل التجارب لإنقاذ المرأة المعاصرة مما تعانيه اليوم في شتى التصورات النظرية، والتجارب العملية، ولمواجهة ما يكاد للمرأة وبرجها الاستراتيجي (الأسرة) في كثير من المؤتمرات والمنتديات الدولية والإقليمية والمحلية.. والله المستعان على ما يمكرون.


التعليقات (0)