ملفات وتقارير

هل يستعيد بايدن ثقة الأوروبيين بعد "فوضى الانسحاب"؟

قال مراقبون؛ إن "العلاقات الأمريكية الأوروبية متأزمة منذ حوالي عقدين"- جيتي
قال مراقبون؛ إن "العلاقات الأمريكية الأوروبية متأزمة منذ حوالي عقدين"- جيتي

ما زالت تداعيات سيطرة حركة طالبان على أفغانستان، والانسحاب الأمريكي منها، الذي تم اعتباره بأنه "فوضوي"، تتفاعل داخل عواصم الدول التي شاركت وتحالفت مع واشنطن في حربها هناك.


وبحث وزراء دفاع دول الاتحاد الأوروبي تشكيل "قوة رد سريع"، بعدما أثار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان صدمة، بشأن ضعف هامش المناورة الذاتي لدى التكتل، لمواجهة خطوات الولايات المتحدة الأحادية والمفاجئة.


وتكثفت الدعوات في الأيام الماضية لكي تطور الدول الأعضاء الـ27 قدرتها العسكرية المشتركة الخاصة، للرد سريعا على الأزمات، بعد مشاهد الفوضى في مطار كابول التي تلت تولي طالبان السلطة.


ومن المقرر أن يعيد الوزراء الأوروبيون، خلال اجتماعهم في سلوفينيا، الخميس، النظر في اقتراح- قدم للمرة الأولى في أيار/ مايو- يهدف إلى تشكيل قوة قوامها خمسة آلاف عنصر، في إطار مراجعة استراتيجية الدفاع لدى الاتحاد الأوروبي التي يفترض أن تنتهي السنة المقبلة.


تزعزع الثقة


ونشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأربعاء الماضي، مقالا للصحفي إيشان ثارور، أشار فيه إلى أن الانسحاب الأمريكي غير المخطط والفوضى التي تزامنت معه، زعزع ثقة الأوروبيين في قرارات بايدن.


وأشار ثارور في مقاله إلى أن استيلاء طالبان المفاجئ على أفغانستان، وما ظهر أنه تعامل فوضوي مع الانسحاب الأمريكي خيم على كل المداولات، الأمر الذي زعزع ثقة الأوروبيين في قرارات بايدن وأولوياته.


وضغط القادة الأوروبيون ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الأسبوع الماضي، على بايدن لتأجيل الموعد النهائي المقرر له في 31 آب/ أغسطس للانسحاب، ولكنه لم يتزحزح عن قراره.


وغادرت ليلة الاثنين الماضي آخر الطائرات العسكرية الأمريكية مطار كابول، لتشكل نهاية لعمليات الإجلاء التي قادها الجيش من العاصمة الأفغانية ونهاية للحرب الأمريكية الأطول، وإن كان ذلك من الناحية الفنية فقط.

 

اقرأ أيضا: طالبان تختار الملا برادر لقيادة الحكومة الأفغانية الجديدة


وحاولت "عربي21" التواصل مع المتحدث الرسمي باسم الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية بيتر ستانو، للحديث معه حول الموضوع، إلا أنه أشار إلى مقال للممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الذي نشره في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، وقال فيه؛ "إن سيطرة "طالبان" على أفغانستان هي قبل كلّ شيء مأساة للأفغان، مشيرا في الوقت ذاته إلى أنها "ضربة قاسية للغرب أيضا".


وأوضح بوريل أن أوروبا والولايات المتحدة توحدتا بشكل لم يسبق له مثيل في أفغانستان، وكانت هذه المرة الأولى التي يتم فيها تنفيذ المادة الخامسة من قانون الناتو، التي يلتزم بمقتضاها جميع الأعضاء بالدفاع بعضهم عن بعض، مضيفا أن الأوروبيين قدّموا لسنوات طويلة التزاما عسكريا قويا وبرنامج مساعدات اقتصادية مهما.


إلا أنه استدرك بالقول: "في النهاي،ة توقيت وطبيعة الانسحاب وضعتهما واشنطن، ووجدنا أنفسنا نعتمد على القرارات الأمريكية، ليس فقط بشأن عمليات الإجلاء من مطار كابول، لكن على نطاق أوسع أيضا".


ولفت إلى أن "هذا الأمر يجب أن يشكل جرس إنذار لأي شخص يهتم بحلف شمال الأطلسي"، لافتا إلى أنه "من المفهوم أن الولايات المتحدة لا تريد أن تفعل كل شيء بمفردها، لكن كي تصبح أوروبا حليفا أكثر قدرة، عليها أن تستثمر أكثر في قدراتها الأمنية، وتطوير القدرة على التفكير والتصرف بشروط استراتيجية".


وأشار إلى أن "الأحداث في أفغانستان كانت مروعة، لكن ينبغي أن تقودنا إلى تعميق لا تقسيم التحالف مع أمريكا"، مضيفا: "من أجل تقوية التعاون بين الجانبين، على أوروبا أخذ زمام المبادرة".


ما المطلوب أوروبيا؟


وفي ظل الحديث عن تزعزع ثقة دول الاتحاد الأوروبي في بايدن، وتفكيرهم الجدي بتشكيل قوة تحرك سريع، يبقى السؤال: ماذا تطلب هذه الدول من بايدن كي تستعيد ثقتها به، وهل يحق لها أن تطلب منه شيئا؟


وبهذا الصدد، يعتقد الصحفي المتخصص بالشؤون الأوروبية، ناصر جبارة، بأنه لا يحق للأوروبيين طلب أي شيء من بايدن فيما يتعلق بهذا الموضوع، على الرغم من أن خروج الأمريكان من أفغانستان وطريقة انسحابهم فاجأت الأوروبيين، ولم ترقَ إلى الشراكة التقليدية بين ضفتي الأطلسي.


وتابع جبارة مستدركا بالقول: "لكن بمقابل الانسحاب المفاجئ، قدم الرئيس الأمريكي جو بايدن منذ وصوله للحكم، تنازلات بما فيه الكفاية للاتحاد الأوروبي".


وأوضح جبارة في حديث لـ"عربي21"، أنه "حينما يتم المقارنة بين سياسة إدارة بايدن وسلفه ترامب، سنرى أن هناك اختلافا كبيرا بينهما، فمثلا في فترة حكم ترامب كان هناك تقريبا قطيعة بين طرفي الأطلسي، ولكن حينما جاء بايدن قالها بوضوح في خطابه الأول، نحن نريد أن نعيد الدفء إلى العلاقة مع الاتحاد الأوروبي. ولكن الأخير لم يرد إلى الآن".


وأضاف: "أيضا قدم بايدن تنازلا آخر فيما يتعلق بخط نقل الغاز الروسي إلى أوروبا، فعلى الرغم من أن واشنطن كانت تعارض هذا المشروع، إلا أن الأمريكان اتفقوا مع الألمان على إزالة العقبات التي كانت تعترضه، بمعنى أن واشنطن لم تعد تعارض هذا المشروع".

 

اقرأ أيضا: أوروبا تدرس تشكيل "قوة رد سريع" بعد صدمة أفغانستان


وأشار إلى أن "واشنطن قدمت تنازلات للأوروبيين فيما يتعلق بنفقات حلف شمال الأطلسي العسكرية الدفاعية، فعلى الرغم من مواصلة واشنطن بمطالبة الأوربيين الإيفاء بمخرجات قمة حلف الناتو في ويلز عام 2014، التي تنص بوضوح على أن يدفع أعضاء الحلف 2 بالمئة من ناتجهم القومي المحلي في الشؤون الدفاعية، إلا أنه لم تلتزم سوى خمس دول أوروبية".


وضرب مثالا على عدم الالتزام بألمانيا، مضيفا: "برلين التي يعتبر اقتصادها أكبر اقتصاد أوروبي، تصرف حاليا 1.3 بالمئة من ناتجها القومي المحلي في الشؤون الدفاعية، وهو يساوي تقريبا 35 مليار دولار في العام، ومن ثم لم تفِ بالنسبة المتفق عليها، إذن على الأوروبيين الإيفاء بتعهداتهم قبل أن يطلبوا أي شيء من الأمريكيين"، وفق قوله.


أزمة ثقة قديمة


ومع شعور الأوروبيين بالغبن في ملف الانسحاب من أفغانستان وتزعزع ثقتهم في بايدن، يبقى السؤال: كيف يمكن للأخير استعادة ثقة شركائه الأوروبيين؟


بدوره، أشار الباحث في المركز العربي في واشنطن جو معكرون، إلى أن "المسألة تتم بالأفعال وليس الحوارات، فأمريكا لم تعد تريد أداء الدور الذي يريده الأوروبيون لها، كما أن هناك أزمة ثقة بين الطرفين".


وتابع معكرون في حديث لـ"عربي21": "العلاقات الأمريكية الأوروبية متأزمة منذ حوالي عقدين، على الرغم من متانة التحالف الذي تعرض لاختبار صعب خلال إدارة ترامب"، موضحا أن الأوروبيين يشتكون بأنه لم يتم التشاور معهم بقرار الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، بالمقابل هم لم يبدوا رغبة جدية بملء هذا الفراغ دون دعم أمريكي جوي على الأقل.


وتابع: "على الرغم من الاعتراضات على أسلوب هذا الانسحاب الأمريكي، هناك قرار ثابت في واشنطن بإنهاء التورط المباشر في الحروب الخارجية، وبرأيي لا خيار أمام الأوروبيين في المدى المنظور سوى استمرار التحالف والتحاور مع الأمريكيين، ومحاولة التوصل لأرضية مشتركة حول التعامل مع أفغانستان وغيرها من القضايا الدولية، لكن أزمة الثقة في هذه العلاقات عبر الأطلسي ستبقى مستمرة في الوقت الراهن".


خيارات الأوروبيين


ومع تزعزع ثقة الأوروبيين بالشريك الأمريكي تتضاءل خياراتهم، فخيارهم الوحيد وفق الصحفي جبارة، هو "الاعتماد على الذات وبلورة سياسة خارجية موحدة، وموقف أوروبي موحد، وتعزيز القدرات العسكرية الدفاعية والأمنية، بغض النظر عن موقف الأمريكيين".


وأعرب عن اعتقاده بأنه "من ناحية أخرى، يجب على الأوروبيين حسم موقفهم من الصراع بين أمريكا والصين، فهناك إدراك عند الصينيين بأن القوة الأمريكية آخذة في التلاشي والانتهاء، ولهذا يجب على الأوروبيين أن يحسموا أمرهم في هذه القضية، إما أن يكونوا مع أمريكا أو مع الصين، فهم لا يستطيعون أن يكونوا جسرا بين واشنطن وبكين، وأنا أعتقد أن الرأي الأوروبي في هذا الموضوع ذاهب في اتجاه التحالف مع الأمريكيين".

التعليقات (0)