كتاب عربي 21

حقوق المستبد الزائفة وحقوق الإنسان الغائبة.. المواطنة من جديد (72)

سيف الدين عبد الفتاح
1300x600
1300x600
دائما ما يرى المستبد وفق تلك القاعدة الفرعونية الطغيانية التي صورها القرآن الكريم في سورة غافر (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) أنه صاحب كل الحقوق، وأن ليس للإنسان أي حقوق، ولا حتى حق المطالبة بها، ذلك أنه يحاول من كل طريق أن يسد الباب على مسألة الحقوق في أصلها؛ اعتقادا منه أن مجرد المطالبة هو النيل من سلطانه، وانتقاص من سلطاته، وحقوقه هذه التي تقوم على تصور المستبد وزبانيته لمعنى حقوق الإنسان. ومن ثم فإنه حينما يواجه بانتقادات هنا وهناك من خارج أو من داخل، فهو ينكر وجود تلك الحقوق ابتداء، ويتملص منها بأي طريقة كانت، ويؤكد على أن من حقه أن يمارس كل سياساته الطاغية والفاشية باعتبار أن ذلك حفاظ منه على الوطن والمواطن، ويقلب الحديث رأسا على عقب فيجعل الكلام ينصب على إنجازاته "الوهمية"، وعن خططه التنموية "التمويهية"، ولكن واقع الأمر يقوم بفضحه وكشف أساليبه، وبيان هزل كلماته وزيف خطاباته، وزور كلماته.

يحرص المنقلب بين الحين والآخر على أن يوجه رسائله إلى الدول الأوروبية بشأن حقوق الإنسان كلما سنحت له الفرصة، سواء للرد على الانتقادات المتصاعدة الموجهة إليه في ملف حقوق الإنسان، أو للتغطية على جرائمه المتكررة التي يقوم بها نظامه بين الحين والآخر. ودائما ما يضمن خطابه هذا محاولة إفهامهم كيف أن سياساته هي الأرشد والأصوب، ويحاول أن ينقل المسألة إلى أن الحفاظ على حياة 100 مليون مصري هو أمر ليس بالهين، وعلى أوروبا أن تفهم ذلك.
يحرص المنقلب بين الحين والآخر على أن يوجه رسائله إلى الدول الأوروبية بشأن حقوق الإنسان كلما سنحت له الفرصة، سواء للرد على الانتقادات المتصاعدة الموجهة إليه في ملف حقوق الإنسان، أو للتغطية على جرائمه المتكررة التي يقوم بها نظامه بين الحين والآخر

وقد كانت أحدث محاولاته لترويج هذه المزاعم في كلمته في "تجمع فيشجراد" الذي عقد في المجر بتاريخ 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، فقد أكد خلال تلك الكلمة أنه ليس في حاجة إلى أي أحد يذكره بمعايير حقوق الإنسان، أو يشير من طرف مباشر أو غير مباشر إلى أن سياساته فيها من التجاوز، مؤكدا أنه يتحمل مسؤولية ملايين المصريين الذين يفوق تعدادهم سكان بعض دول أوروبا، وأن 65 في المائة من شعب مصر هم من الشباب، ويريدون الحياة.

وعلى الرغم مما يروجه السيسي عن مسؤوليته عن ملايين المصريين، فإن واقع حياة هؤلاء الملايين يطفح بالمعاناة والشقاء، وبزيادة الأسعار وغول الغلاء وبسياسات الإفقار الممنهج لهذا الشعب، وحالات الانتحار التي تتزايد بين شباب مصر، وكذا حالات الإحباط واليأس المقيم لدى هؤلاء، كل ذلك إنما يتأكد بمشاهد واضحة وفاضحة تؤكد هذا الكذب الذي يروجه ذلك النظام ويعري مزاعم سياساته للنهوض بهؤلاء، أو الاهتمام بشأن حياتهم، أو معاشهم وضروراتهم.

فهو في واقع الأمر، ضمن استراتيجية الاستخفاف - التي أشرنا إليها - بالإنسان وحقوقه حياةً وكياناً واقتصاداً ومعاشاً، إنما يقوم بكل ما من شأنه أن يقضي على حياة المواطنين، ولا يهتم بأي أمر من أمور النهوض بهم، بل هو على النقيض من ذلك يمارس كل ما يمكنه من ممارسات جبائية، ورفع الدعم، وكأنه سيف مسلط على كل ما يتعلق بشأن حياتهم اليومية وخدماتهم المختلفة، بل أكثر من ذلك، إذ يزف إليهم البشريات بأنه سيشيد أكبر مجمع للسجون على الطريقة الأمريكية.
على الرغم مما يروجه السيسي عن مسؤوليته عن ملايين المصريين، فإن واقع حياة هؤلاء الملايين يطفح بالمعاناة والشقاء، وبزيادة الأسعار وغول الغلاء وبسياسات الإفقار الممنهج لهذا الشعب

وفي ذات الوقت فقد انتشرت في الصحف صورة خطيرة في بلدة "الخانكة" لأطفال يفترشون أرضية غرفة فارغة باعتبارها فصلاً مدرسياً. ومن جانبه، صرح وزير التعليم بشأن هذه الواقعة فلم يهتم إلا بأن هناك من حرص على نشر وتسريب الصورة، دون أن ينفي صحة الواقعة، المتكررة بأشكال مختلفة في طول البلاد وعرضها، بشأن واقع التعليم في مصر وتكدس الفصول ووقوف الأهالي من فجر أول يوم دراسي وتسلقهم الأسوار لحجز مقاعد لأبنائهم في فصولهم الدراسية، في إشارة منه من طرف خفي إلى أن تنظيم الإخوان اللعين هو من يقف وراء نشر هذه الصورة، ذلك المشجب الجاهز لتبرير خطايا هذه السياسات والفشل الذريع في توفير أول حق من الحقوق الأساسية المطلوبة في العملية التعليمية.

وتمخض الأمر في النهاية عن فصل مدير المدرسة لأنه سمح بتلك الصورة. هكذا يتعامل النظام ينكر الحقائق ويزيف الصورة ولا يعترف بالمسؤولية الكاملة عن تلك الخيبة الشاملة.

وفي ذات الوقت فإنه ينفق المليارات متباهيا بعاصمته الإدارية الجديدة، والأبنية فيها؛ كأطول برج وأكبر مسجد وأوسع كنيسة، والقطار السريع، والطائرات الرئاسية، وتشييد مزيد من القصور (أيوه ببني وهبني) وبناء أكبر مجمع للسجون. فعلى أقل تقدير فإن تكلفة العاصمة الإدارية الجديدة تجاوزت 800 مليار جنيه، كما أن تكلفة "المونوريل" تجاوزت 65 مليار جنيه، بل إن تكلفة أحد السجون وصلت إلى 1.5 مليار جنيه، بينما يخرج علينا الوزير الهمام بتصريحاته عما تعانيه المنظومة التعليمية من نقص للمعلمين بنحو 250 ألف معلم، وأن هناك الكثير والكثير من المدارس تحتاج إلى الصيانة، وأنه ينتظر الكثير من المواطنين، ولكن في ذات الوقت يتباهى هذا الوزير بأن تجربته في التعليم المصري تتناقلها الدول الأخرى.. لا ندري ماذا ينقلون، أينقلون هذا الخراب والتخريب لمرفق التعليم الأساسي الذي يدعي السيسي أنه ينهض بحياة 100 مليون مصري؟

ولا بأس في النهاية أن نرى ذلك المشهد الذي يتعلق بكيف قطع وفد الكذب والزيف الذي يحاول التسويق لإنجازات ذلك النظام في حقوق الإنسان؛ رحلته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وعاد بخفي حنين بعد فشله في مقابلة الكثير من أعضاء الكونجرس أو المسؤولين الأمريكيين. وقد ووجه الوفد بحقائق زيف استراتيجية نظامه الكاذبة لحقوق الإنسان، ورفض العديد من المسؤولين والمنظمات والهيئات الفاعلة في المجتمع الأمريكي لقاءه. وقد طالبت إحدى المنظمات الحقوقية المسؤولين الأمريكيين والممثلين المنتخبين بطرح أسئلة على أعضاء الوفد المصري تتمثل في ما يلي:

1- ما هي الخطوات الملموسة التي تتخذها الحكومة المصرية لإنهاء حبس أكثر من 60 ألف سجين سياسي معتقلين في السجون المصرية، أو يقبعون رهن الحبس الاحتياطي لأجل غير مسمى، بما في ذلك إصدار قرار بتجميد عقوبات على السجناء السياسيين الذين يواجهون الإعدام بعد إدانتهم بالإعدام في محاكمات صورية؟

2- هل ستحاسب مصر قوات الأمن عن جرائم الاختفاء القسري والتعذيب والقتل خارج نطاق القضاء؟ كم عدد ضباط الأمن الذين حُكم عليهم بالسجن لارتكابهم عمليات قتل جماعي للمتظاهرين في 2013؟

3- كيف سينظر مجلس النواب في القوة الاقتصادية المتوسعة للجيش المصري، بعد أن ترسخ وجود الجيش في الأنشطة التجارية والحكومية لدرجة أنه يشوه الاقتصاد المصري؟
هكذا يبرر المستبد تلك الحقوق الزائفة التي يروجها لمنظومته؛ بأن له كل الحق في انتهاك أبسط الحقوق للإنسان والمواطن، وهو في هذا إنما يمارس في سياق تلك الخطابات الزائفة والسياسات الكاذبة، والوفود المدلسة التي تواصل عملها في سياسات التزوير والتغرير لتحسين وجه المستبد ومنظومته

4- لماذا يرفض مجلس النواب التحقيق في الانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان؛ التي ترتكبها قوات الأمن والشرطة المصرية؟

5- متى سيُنهي السيسي حالة الطوارئ اللا نهائية ويسمح بإجراء إصلاح حقيقي في المجتمع المدني والمجال العام في مصر، بما في ذلك احترام المعايير الدنيا لحرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي؟

هكذا يبرر المستبد تلك الحقوق الزائفة التي يروجها لمنظومته؛ بأن له كل الحق في انتهاك أبسط الحقوق للإنسان والمواطن، وهو في هذا إنما يمارس في سياق تلك الخطابات الزائفة والسياسات الكاذبة، والوفود المدلسة التي تواصل عملها في سياسات التزوير والتغرير لتحسين وجه المستبد ومنظومته الفاشية ضمن أوهام يصطنعونها، ومن دون الإجابة عن أي أسئلة حقيقية تتعلق بحقوق الإنسان الأساسية والتأسيسية. وهذه الانتهاكات الفادحة والواضحة التي تتمثل في الاعتقال الظالم والإخفاء القسري والقتل خارج إطار القانون وممارسات التعذيب الممنهج؛ ويعتبر كل ذلك حقا لمنظومته الاستبدادية وأنه ليس للإنسان أي حقوق، فيتحدث عن إحياء 100 مليون، وهو يقوم من كل طريق بسياساته في إزهاق أرواحهم، وتكدير حياتهم، وإشقاء معاشهم.

twitter.com/Saif_abdelfatah
التعليقات (0)