كتب

كتاب يوثق للخبز في مصر العثمانية بأوقات الرخاء والشدة

تاريخ الخبز في مصر في العهد العثماني.. قراءة في كتاب- (عربي21)
تاريخ الخبز في مصر في العهد العثماني.. قراءة في كتاب- (عربي21)

صدر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (الدوحة، 2016)، كتاب "الخبز في مصر العثمانية"، للدكتور جمال كمال محمود، وهو كتاب طريف في بابه ومتعدد المضامين في الوقت نفسه، يبحث في أهمية الخبز في حياة الناس ‏والمجتمعات، وفي مكانته الاقتصادية وتطور أشكاله وصناعته منذ ما قبل العصر العثماني إلى أواخره. 

يقع الكتاب في 192 صفحةً من القطع الوسط، ويتألف من مقدمة، وتمهيد، وأربعة فصول، وخاتمة وملاحق؛ يتاول المؤلف في التمهيد التعريف بالخبز ومسمياته منذ فجر التاريخ، وكيف كان له كثير من الأسماء في مصر القديمة، وأهمية الخبز واحترامه ومكانته (ص 13 ـ 19).
 
خصص الكاتب الفصل الأول، "إنتاج الخبز والرقابة عليه"، لعملية إنتاج الخبز بدءًا بزراعة الحبوب، التي تنوعت في "مصر خلال العصر العثماني، كالآتي: القمح (...)، الذرة (...)، الشعير (...)" (ص 25- 28). ولكنه ركز على القمح لأن أغلب الخبز يصنع منه.

 وفي عقب إتمام عملية الحصاد والدرس، يتم نقل القمح إلى الشواني الحكومية وتخزينها في "مخازن واسعة تسمى الشواني والواحدة تسمى الشونة، وهي عبارة عن ساحات مربعة الشكل محاطة بالأسوار، ومليئة بالغلال المغطاة بالحصر" (ص 30). والخطوة التالية في إنتاج الخبز إعداد القمح للطحن بعد تنقيتها أي "تنقية الحبوب مما علق بها من شوائب في أثناء الحصاد والدرس (...) وغربلة الحبوب (...) لتخلصها من الشوائب" (ص 34). 

و"تراقب عملية الطحن بدقة، وهو ما يعرف بالحسبة على الطحانين أو الدقاقين الذين يحولون الحبوب إلى دقيق، ويتمثل ذلك في مراقبة الطحانين، في عدم احتكار الغلة، وعدم خلط الرديء منها بالجيد، ولا القديم بالجديد" (ص 42). 

وبعد عملية الطحن "ينخل الدقيق بعد طحنه في المناخل التي أعدت خصيصًا لهذا الغرض، وأحيانًا ينخل أكثر من مرة، حين يتبقى بعض الحبوب التي لم تطحن جيدًا، فتعاد إلى النخال مرة أخرى ليكون أكثر نعومة" (ص 44). وبعد ذلك تبدء عملية العَجن، ومنه يصنع الخبز، "وللعجين مكونات، مثل الدقيق والماء والخميرة والملح" (ص 45). 

والخطوة الأخيرة، هي الخَبز، التي "يقوم بهذا العمل (الخباز) وهو صانع الخبز" (ص 48). و"خضعت عملية الخَبز للرقابة للحيلولة دون الاختلاس من أقراص الخبز أو من الأرغفة بعد خبزها" (ص 51). و"تتعدد أنواع الخبز طبقًا لنوع الدقيق المستخدم، وطريقة عمل المنتج أيًّا كان نوعه، وجودة الحبوب والطحن والخبز وغيرها" (ص 52). "احتلت عملية الرقابة على الخبز مكانة مهمة لما لها من دور في توفير الخبز وفي جودته في الوقت عينه" (ص 54). ثم أوضح المؤلف دور الإدارة في متابعة ذلك، وصولًا إلى ضبط الأسعار حتى وصول الخبز إلى المستهلك.

درس المؤلف في الفصل الثاني،" الخبز في سنوات الرخاء"، الرخاء الذي شهدته مصر خلال العصر العثماني فـ "على الرغم من سنوات القحط والمجاعات التي كانت تمر بها، من جراء عوامل طبيعية كالنيل ودرجة فيضانه، وبالتالي فإن وفرة المياه كانت تتيح زيادة المساحة المزروعة، أي زيادة الإنتاج الذي تنتج منه وفرة الخبز، بل تصدير القمح  إلى الحجاز والشام وأوروبا والآستانة ـ وهو الأساس ـ فمصر كانت ترسل كميات كبيرة من الحبوب إلى حاضرة الدولة العثمانية، كجزء من المقررات التي تفرض عليها كولاية من أهم ولايات الدولة العثمانية، وذلك بعد إرسال حصة الحرمين الشريفين من الأوقاف الموقوفة لهذه الأماكن المقدسة والمرصدة لهذا" (ص 65). و"كان القمح يصدر إلى أوروبا بعد توريد غلال الحرمين الشريفين" (ص 67).
 
عرض الكاتب في الفصل الثالث، "الخبز في زمن الأزمات الاقتصادية"، كثيرًا من هذه الأزمات الناتجة من نقص مياه النيل، فـ"الاقتصاد المصري اقتصادًا زراعيًّا بالدرجة الأولى معتمدًا على مياه النيل، فإن أي نقص فيها يؤدي إلى الجفاف وتشرق الأراضي الزراعية" (ص 78). وتقترن أحيانًا بالمجاعة، التي كانت "شديدة إلى درجة رصد المصادر حالات أكل للبشر، وسرعان ما انقلبت هذه الأزمة إلى طاعون" (ص 79). 

كانت الأوضاع تتفاقم والمشاكل تشتد، ويندر فيها، "ويعز بالفعل وجود الخبز في الأسواق" (ص 91). و"غدا نهب الخبز ظاهرة في أثناء الأزمات الاقتصادية؛ وتزخر وثائق المحاكم الشرعية بمئات الأخبار التي تتعلق بهذا الموضوع، حيث ادعى أحد الخبازين على شخصين بأنهما تعديا عليه بالضرب ونهبا خبزه، وكان ثلاثة أقفاص فيها خمسمئة رغيف" (ص 93). 

حاولت الدولة العثمانية التقليل من حدة هذه الأزمات، فقامت بإمداد مصر بالحبوب من "الولايات المجاورة ـ ولا سيما الشام ـ التي كانت تمد مصر بالحبوب في الأوضاع الاقتصادية الطارئة التي تستدعى ذلك" (ص 97). وأحيانًا إصدار مراسيم سلطانية لـ"تسعير البضائع كالقمح" (ص 98). وأن الأهالي يتصدون لهذه الأزمات "برفع شكاواهم إلى ولاة الأمور، وبالضغط من أجل وضع حل لها بشكل سلمي (...) أو يتحول الوضع إلى أسوأ مما كان متوقعًا، فيصل إلى الهياج الشعبي أو ـ إن جاز القول ـ يصبح ثورة" (ص 106).

 
يعالج الكاتب في الفصل الرابع،" الخبز في أثناء الصراعات العسكرية والسياسية"، عارضًا أمثلة من هذه الصراعات العسكرية، و"من أشهرها في العصر العثماني الفقارية والقاسمية(...) انتقل التنافس بين الفقارية والقاسمية إلى الأوجاقات (الفرق) كلها، فظهر في داخل كل أوجاق أتباع وأنصار لكلا الحزبين" (ص 112 ـ 113). وانتقل الصراع إلى طوائف المجتمع، منها "غارات البدو" (ص 114). التي أدت إلى "أزمات اقتصادية، في الريف والمدينة على السواء، أو لنقل إنه يساهم في حدوثها وفي معاناة المجتمع" (ص 117). 

و"ساهمت الصراعات هذه كافة في ندرة الخبز، بل في انعدامه تمامًا في بعض الأحيان. ومما لا شك فيه أن ذلك أدى إلى معاناة المجتمع المصري لفترات طويلة في العصر العثماني، وكان عليه أن ينتظر لبناء دولة مركزية قوية على يد محمد علي، ساعدته بشكل أو بآخر في إحداث استقرار خفف عنه بعض الشيء، الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الطاحنة التي نزلت به قرونًا طويلة" (ص 124). وأنهى المؤلف كتابه بخاتمة تضمنت أهم النتائج التي توصل إليها في بحثه.

*كاتِب وباحِث فلسطيني


التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم