تقارير

فؤاد جبور حداد.. من يافا إلى لندن فلسطين هي البوصلة

فؤاد جبور حمل فلسطين في شعره من يافا إلى لندن..
فؤاد جبور حمل فلسطين في شعره من يافا إلى لندن..

كثيرون هم الشعراء الفلسطينيون الذين ثبتوا في أرضهم، وكثيرون هم الذين لجأوا أو نزحوا.. لكن القلة هي التي هاجرت إلى أوروبا وحافظت على كيان الشعر العربي لديها وروابط الشعراء.

فؤاد جبور حداد، هو من الشعراء القليلين الذين لم يتوانوا عن العمل من أجل القضية الفلسطينية، ولو كان في عاصمة دولة الاستعمار، عندما اضطرته الظروف للسفر إلى بريطانيا، أدرك أنه وحده لن يستطيع المضي قدماً وتحقيق الإنجازات، فبدأ يسهم في النشاط الوطني الفلسطيني، حتى استطاع مع صديقيه حسن سعيد الكرمي وسعيد جريس العيسى أن يشكلوا نواة جمعية "العروة الوثقى" الأدبية الفلسطينية في لندن. وهو اسم مأخوذ من آية قرآنية (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم). وهو مصطلح يعني الوحدة والتمسك بالمبادئ، استخدمه الشيخ جمال الدين الأفغاني وغيره. إلا أن الاقتباس الأرجح كان من مجلة "العروة الوثقى" التي ترأس تحريرها صديقه الشاعر سعيد العيسى عندما كان طالباً في الجامعة الأمريكية.

جمع الثلاثةَ الذين شكلوا هذه الجمعية حبُّ الأندلس والتاريخُ العربي فيها، والألم على ضياعها، واستشعارهم ضياع فلسطين بنفس الطريقة. وتوسعت هذه الجمعية بين الأدباء في العاصمة البريطانية.. غير أن المعلومات عنها شحيحة، ولم يكتب عنها أحد بالتفصيل سوى بعض القصص هنا وهناك.

غير أن وجود عدد من الكتاب والشعراء في لندن وعملهم المباشر في هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، أو ما كان يُعرف أيامها باسم "إذاعة لندن" كان له تأثير إيجابي في الاطلاع على ثقافاتهم من داخل بلادهم، وإرسال المقالات من هناك إلى الصحف العربية.

وسجلت هذه الجمعية اتجاهاً قومياً عربياً في وسط لندن (ركزوا في جانب مهم من إنتاجهم على الأندلس وحضارتها)، حتى شك البعض بأن أحد أقطابها، وهو الشاعر سعيد جريس العيسى مسلم الديانة وليس مسيحياً (لنا عودة إلى هذا الشاعر في حلقة قادمة).

من هو الشاعر فؤاد حداد؟

ولد الدكتور فؤاد جبور حداد في مدينة يافا عام 1922 (ذكر البابطين أنه توفي في عام 2006 في يافا، إلا أن بعض القراء من أصدقائه رد عليهم عام 2012 أنه ما زال حياً يرزق في بريطانيا، ولم أجد في ما هو متوفر من مراجع أي توثيق لوفاته بعد ذلك)، من عائلة تنتمي إلى بلدة شفاعمرو قرب مدينة الناصرة، تلقى تعليمه الثانوي في المدرسة العمرية في يافا، ثم مدرسة "صهيون" الإنجليزية في القدس. وعمل مترجماً في إذاعة الشرق الأدنى بيافا.

تخصص بكتابة البرامج الأدبية المنوعة التي كان يستقيها من أمهات الكتب ومصادر الأدب العربي ومراجع الأدب الغربي. ومن برامجها التي اشتهرت أيامها "أبو دلامة" و"جابي الضرائب" و"البؤساء" و"القلادة" و"شوكت أفندي". وكان مسؤولاً عن برامج الأطفال في الإذاعة. لكن شاعرنا غادر الإذاعة عام 1947 متوجهاً إلى لندن حيث تخصص في الأدبين العربي والإنجليزي والمنطق. ثم التحق بجامعة أدنبرة في اسكتلندا، ودرس طب الأسنان فيها.

في تلك المدة الحساسة من تاريخ فلسطين، نشط في لندن وأسس مع رفيقيه جمعية "العروة الوثقى" التي أصبحت نواة حركة أدبية عربية واسعة في بريطانيا.

وكما ذكرنا، كان مولعاً بالأدب الأندلسي، حيث كتب سلسلة مقالات في مجلة "الأديب"، ونظم العديد من القصائد..

وهو كما جاء في معجم البابطين: كتب الشعر العمودي، تدور مضامين معظم قصائده حول القضية الفلسطينية، وقضايا وهموم العرب، فله قصيدة من وحي نكسة 1967، لا تخلو من أحاسيس وجدانية حزينة رغم طابعها الحماسي، كما نظم في رثاء المناضل إدوار عطية الذي توفي وهو يخطب على منبر جامعة أكسفورد مدافعاً عن قضايا العرب، وله قصيدة من وحي زيارته لمدينة القيروان بتونس، فيها تضمينات من شعر أبي القاسم الشابي. شعره سلس في لغته واضح في معانيه، يعكس عمق ثقافته ومعارفه حول ملابسات القضية الفلسطينية، كما يتسم بقوة المنطق وعمق التحليل.

الإنتاج الشعري: له قصائد عديدة منتشرة وديوان مخطوط لقصائد عديدة نشرها في الصحف العربية مثل مجلة "الأديب" وغيرها، وقصائد كان يبثها عبر الإذاعة البريطانية.

أما مؤلفاته فله كتاب في تعليم اللغة الإنجليزية بالراديو، وضعه للإذاعة البريطانية. وكتب جمعت فيها مقالاته، أحدها "مذكرات عربي في لندن".

نماذج من قصائده

من قصائده التي تحتشد فيها العاطفة، قصيدته التي كتبها بعد نكسة 1967 بعنوان "ضاقت بلاد الله"، يصف فيها اللجوء الجديد، ويصف المطر الذي كان يهطل يومها كأنه بكاء على الأوطان:

تبكي السّماء عليكِ يا أوطاني     ..      تبكي بمُزنٍ هاطلٍ هتّانِ 
فاضت عيونٌ في السَّماء كأنها    ..     تبكي معي فالدمع قد أعماني
يبكي كلانا في دموعٍ حرةٍ        ..     ظلم الحياة وقسوة الإنسان 

ضاقت بلاد الله وهي وسيعةٌ     ..      بالقوم من أهلي ومن خِلاّني 
يرمونهم بالمحرقات وليتهم    ..      لاذوا بصدري من لظى النيران 
أطيافُهم طول النهار تحفّني    ..     والليلُ يُسدل فوقها أجفاني 
يا ليت قلبي واسعٌ يؤويهمُ      ..     ويقيهمُ من صولة الطغيان 
أُعطيهمُ من نور عيني زادهم   ..     وأروح أمسح جرحهم بحنان 
يا ويحَ قلبي والتّمني زاده        ..      يا ويحَ قلب اللاجئ الولهان 
يا نسمةً للعدل هبّي نحونا      ..      وتنزّلي يا رحمةَ الرَّحمن

وفي قصيدة "رثاء مناضل" التي نشرها في مجلة الأديب عام 1965، يقول: 

بالشعر أرثيك أم بالدمع أبكيكا      ..     الشعرُ عَيَّ ودمعي ليس يكفيكا
نأيتَ تنشد حقَّ العُرْبِ مغترباً        ..     ما كان عن حقّهم شيءٌ سيثنيكا
لبّيت لما دعا الداعي لنصرته         ..     بالأمس، واليومَ قد لبَّيت داعيكا
قد خضت حربًا لها الميدان متّسعٌ   ..     من أرض لندن حتى أرض أمريكا

..

تبكي المنابر من كان الحبيب لها   ..     وإن تسلْ فدموعُ الصَّحب تُنبيكا
يا أطيبَ الناسِ نفسًا كيف نرثيكا   ..     يا أكبرَ الناسِ قلبًا كيف نفديكا
كانت حياتك مثل الطيب عابقةً     ..    وذي وفاتك من أسمى معانيكا

لقد جسد فؤاد حداد سيرة الشاعر الملتزم المناضل الذي يحمل نضاله أينما ذهب، حتى صار هو ورفاقه سفراء القضية الفلسطينية في الغرب وشعراءها.


التعليقات (0)