كتب

رحلة من حلب إلى القدس.. شهادة أكاديمي بريطاني في كتاب

رحالة إنجليزي يدون مشاهداته في رحلة من حلب السورية إلى القدس  (عربي21)
رحالة إنجليزي يدون مشاهداته في رحلة من حلب السورية إلى القدس (عربي21)

في مطلع عام 1697، قرّر الأكاديمي بجامعة أوكسفورد، هنري موندرِل، الذي أضحى من رجال الإكليروس في كنيسة إنجلترا، ومجموعة من رفاقه تبلغ أربعة عشر شخصا (من أصل 40 حيث يعملون في مصنع إنجليزي)، القيام برحلة حجّ إلى القدس. 

في 26 شباط/ فبراير1697، انطلقوا من حلب باتجاه اللاذقية على السّاحل السّوري، وتابعوا طريقهم من هناك على طول ساحل لبنان من شماله إلى جنوبه حتى بلغوا عكّا في ساحل فلسطين، ومنها اتجهوا برا إلى القدس فبلغوها في 25 آذار/ مارس، حيث حضروا قدّاس عيد الفصح. 

يلاحظ موندرل بأنه "لدى السّفر في هذا البلد، لا يلقى المسافر مدينة ذات سوق أو نُزل في كل ليلة كما هو الحال في إنجلترا. وأفضل استقبال يمكنك أن تجده هنا، هو إما تحت خيمتك، فيما إذا سمح الطّقس؛ أو في مساكن شعبية أسّست كمبرّة لإيواء المسافرين. ويسمّيها الأتراك بالخانات؛ وهي موجودة أحيانا في المدن والقرى؛ وأحيانا في مسافات مناسبة على الطّريق العام. وهي مبنية على طراز الدّير وتحتوي على فناء مساحته حوالي ثلاثين أو أربعين ياردا مربعا حسب إمكانية المؤسس. وجميع الوافدين إلى هذه الأمكنة أحرار بأن يلتجئوا إليها، ويدفعون أجرة صغيرة لصاحب الخان، وغالبا لا يدفعون شيئا، وبصورة عامة لا يتوقعون هنا سوى جدران خالية؛ وبالنسبة للمؤن الأخرى كاللحم والشّراب والفراش والنار والعلف، فينبغي لكل فرد أن يؤمّنها بنفسه".
 
يشير موندرل إلى "أن الشخص الذي هو القنصل الفرنسي في صيدا له أيضا لقب القنصل في القدس؛ وهو ملزم من قبل سيّده الملك الفرنسي بأن يقوم بزيارة إلى المدينة المقدّسة كل عيد فصح، بحجة الحفاظ على الكنيسة هناك من التعدّيات والحفاظ على الرّهبان الذين يقومون بخفارتها من ابتزاز الأترك" (ص 60).
 
لاحظ موندرل وجماعته في هذه الرحلة، أن جميع أطلال الكنائس التي رآها، "بالرّغم من أن أقسامها الأخرى كانت مهدّمة كليا، كنا دائما نجد النهاية الشرقية قائمة وتقريبا كاملة. وسواء كان المسيحيون عندما اجتاحهم الكفار أنقذوا مذابحهم من الخراب بالمال؛ أو أن البرابرة عندما هدموا الأقسام الأخرى من الكنائس، قد يكونوا بصورة طوعية قد استبقوا هذه الأقسام بسبب الخوف والاحترام؛ أو أنها بقيت قائمة لهذه المدة الطّويلة بسبب بعض الصّلابة الغريبة في طبيعة بنائها؛ أو أن بعض العناية الإلهية السّرية قد حفظتها، حيث إن كثيرا من النُصب التذكارية القائمة للمسيحية في هذه المناطق غير المؤمنة والدّلالات على إصلاحها المستقبلي سوف لا أحدّده". ويضيف في حاشية الرحلة، "إن النهايات الشّرقية للكنائس كانت تبنى دائما أولا، وغالبا كانت تترك غير منتهية بسبب الحاجة للأموال أو أسباب أخرى". ويحدد عدد الكنائس المهدومة التي قابلها في طريقه، بأنها "لا تقل عن مئة".
 
يقول موندرل: عندما "اقتربنا من أسوار المدينة المقدّسة؛ ولكننا لم نستطع الدخول مباشرة، حيث كان من الضروري أولا أن نرسل موفدا ليعرّف الحاكم بوصولنا وبرغبتنا بحرية الدّخول، ودون ذلك الاحتفال المسبق لا يجرؤ أي فرنجي أن يدخل الأسوار"(ص 76).

في يوم 26 آذار/ مارس، "كان الجمعة العظيمة حسب التقويم اللاتيني، وتعيّن على القنصل الذهاب إلى كنيسة الضريح لكي يحتفل بعيده؛ حيث قمنا بمرافقته، بالرّغم من أن عيد الفصح لنا كان بعد أسبوع من عيدهم، فوجدنا أبواب الكنيسة محروسة بعدّة جنود إنكشارية وضباط أتراك آخرين؛ جرى وضعهم هنا ليراقبوا بألا يدخل أحد إلا بعد أن يكون قد دفع أولا رسومه المعينة. وهذا تقريبا حسب بلد أو شخصية الأشخاص الدّاخلين(...) بعد أن يجرى إدخال الحجّاج جميعا في هذا اليوم، كانت أبواب الكنيسة تُغلق في المساء، ولا تفتح حتى يوم عيد الفصح؛ وبذلك كنا نُحتجز في حيّز ضيق، ولكن محبّب جدا لمدة ثلاثة أيام. وقضينا وقتنا برؤية الاحتفالات التي كان يقوم بها اللاتين في هذا العيد، وبزيارة الأماكن المقدّسة المتعددة؛ التي كانت لنا الفرصة بأن نعاينها بكثير من الحرية والتأمل كما أردنا" (ص 77 ـ 78).

 

يقول موندرل: عندما "اقتربنا من أسوار المدينة المقدّسة؛ ولكننا لم نستطع الدخول مباشرة، حيث كان من الضروري أولا أن نرسل موفدا ليعرّف الحاكم بوصولنا وبرغبتنا بحرية الدّخول، ودون ذلك الاحتفال المسبق لا يجرؤ أي فرنجي أن يدخل الأسوار"

 


يوم 28 آذار/ مارس، "في صباح عيد الفصح جرى فتح الضريح ثانية باكرا جدا، انقشعت غيوم الصّباح السّابق، وظهر على وجوه الرّهبان البِشر والصّفاء كما لو كانت ساعة الحضور الحقيقية لقيامة سيدنا. وبعد العشاء اغتنمنا فرصة الذهاب لزيارة بعض الأماكن الجديرة بالملاحظة خارج أسوار المدينة" (ص 78). يشير موندرل إلى الكهوف المسماة قبور الملوك؛ "ولكن من الصّعب أن نتبيّن لأيّ سبب أُطلق عليه هذا الاسم؛ من المؤكد أن لا أحد من ملوك إسرائيل أو اليهود قد دفن هنا" (ص 78).

يوم 29 آذار/ مارس، "وكان اليوم التالي اثنين عيد الفصح، فانطلق والي المدينة حسب العادة مع مجموعات متعدّدة من الجنود، لينقل الحجّاج إلى الأردن" (ص 80).

وزار الرحالة وادي الأردن، والبحر الميت، وبيت لحم عائدين إلى القدس في الثاني من نيسان/ أبريل لحضور الاحتفالات بعيد الفصح في الكنائس الشرقية، ومن ثم شقُّوا طريقَهم للعودة عبر دمشق وبعلبك إلى طرابلس، واتبعوا طريقا خارجيّا، ووصلوا إلى حلب فوصلوها في 18 أيار/ مايو. 

في أثناء رحلته مر على ضريح راحيل (Rachel)؛ الذي قال عنه: "الضريح الحالي لا يمكن أن يكون ذلك الذي أقامه يعقوب (Jacob)؛ لأنه يبدو ببساطة بأنه بناء تركي حديث" (ص 89).
  
دون موندرل وقائع الرحلة في كتاب أطلق عليه: (Journey From Aleppo to Jerusalem at Easter A.D. 1697)، لم يُنشر إلا عام 1703 بأكسفورد، وبعد وفاته في حلب عام 1701. وترجمها إلى العربية صفوح الذّهبي، تحت عنوان "رحلة من حلب إلى القدس في عيد الفصح من عام 1697م") 161 صفحة من القطع المتوسط)، وحررها وعلق عليها د. أحمد إبيش، وصدرت عن هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة، 2012. 


التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم