آراء ثقافية

"كونشرتو".. الكمان الوحيد لبيتهوفن وأسئلة التأليف والأداء

أعاد فيلكس مندلسون تقديم الكونشرتو في عام 1844 في لندن- جيتي
أعاد فيلكس مندلسون تقديم الكونشرتو في عام 1844 في لندن- جيتي

استجاب بيتهوفن إلى طلب صديقه، عازف الكمان البارع، والمشهور، فرانس كلمنت (1780- 1840)، فشرع في نهاية 1805 في كتابة كونشرتو للكمان، وكان الإثنان في ذروة شهرتهما، وكانا منذ 1794 صديقين مقربين، فقدم كلمنت، باعتباره قائدا لمسرح "آن دير" بمدينة فيينا.

 

والسمفونية الثالثة لبيتهوفن، في 7 نيسان/ أبريل 1805، وقد استقبلت بصخب هائل، أولا، لأنها علامة كبرى في الانتقال من الكلاسيكية إلى الرومانسية.


وتعتبر بأنها مثلت "قطيعة" مع الكلاسيكية في الشكل السمفوني والطول والتناغم والمحتوى العاطفي والثقافي، وثانيا، لأن بيتهوفن أهدى السمفونية إلى نابليون بونابرت، فقد كان يعتقد أن بونابرت يجسد المُثل الديمقراطية للثورة الفرنسية.

 

ولكنه بعد بضعة أشهر سحب الإهداء، بعد إعلان بونابرت نفسه إمبراطورا للفرنسيين، فثار بيتهوفن غاضبا وصرخ: "إذن فهو ليس أكثر من بشر عادي! الآن، سوف يطأ قدمه جميع حقوق الإنسان، وسينغمس فقط في طموحه؛ الآن سيعتقد نفسه متفوقا على جميع البشر، يصبح طاغية!"، وأمسك بالإهداء ومزقه ملقيا به على الأرض.

 

اقرأ أيضا: عن أحمد الحجّار (1956 – 2022): الشوقُ الأبديّ

أُهملت الكونشرتو لسنوات، لكن عندما خطر لفيلكس مندلسون الموسيقار الألماني وقائد الأوركسترا، في عام 1844، تقديمها في لندن، لاقت أعماله ترحيبا كبيرا وكان في قمة عطائه كمؤلف موسيقي، وكان حافزه لتقديمها بعد كل هذه السنوات، هو جوزيف يواكيم، عازف الكمان المجري الماهر للغاية، الذي لم يكن قد أكمل وقتها، عامه الثالث عشر.

 

وهكذا مع قيادة مندلسون للأوركسترا، وعزف يواكيم على الكمان بدأت الكونشرتو، في الحصول على مكانتها باعتبارها "ملكة كونشرتات الكمان"، لا تنافسها سوى قلة، منها تلك التي ألفها مندلسون وبرامز.


وتخبرنا المراجع الموسيقية أنه مع نشأة الفيولينه وتقدم العزف عليها في عصر "الباروك" (القرنان السابع عشر والثامن عشر، تقريبا) نشأ أيضا فن التأليف للآلات الوترية التي تتجلى المهارة في العزف عليها.


وأهم ما ميز "الباروك"، في المجال الموسيقي التمييز القاطع بين الموسيقى الدينية والدنيوية، وبين موسيقى الغناء وموسيقى الآلات، وكانت نشأة الكونشرتو أحد أبرز ابتكارت ذلك العصر؛ فكلمة "كونشرتو" مشتقة من اللغة اللاتينية وتعني "المباراة" في المهارة لإبراز مفاتن الأداء.


ويقوم الأسلوب "الكونشرني" على قاعدة بناء التعارض بين إظهار المهارة الفنية والخفة والرشاقة من ناحية، وبين العذوبة الشاعرية الهادئة من جهة أخرى، وهذا هو المقصود من الكونشرتو منذ العصر "الرومانتيكي" حتى عصرنا الحديث.

 

وذلك لأن الآلة المنفردة تقوم بكل الأداء الذي يكشف عن المهارة الفائقة للعازف المنفرد في العزف عليها من ناحية، وإمكانيات الآلة على التعبير عن شتى الانفعالات والأحاسيس ووسائل الأداء الموسيقي في يد عازف ماهر من ناحية أخرى، في حين تقوم الأوركسترا بمصاحبتها وتعزف أجزاء تجلي التعارض والتكامل في الطابع والحركة.


وفيما يتعلق إجمالا ببيتهوفن، يلاحظ مؤرخو الموسيقى أنه في مجال المقارنة بينه وبين موزارت، فإن لودفيج فون بيتهوفن (1770- 1827) أوصل الفن السيمفوني (عبر أعماله التسعة الشهيرة) إلى ذروة في الإبداع لم يصل إليها موسيقي قبله أو بعده، وأنه يتفوق، ومن بعيد، على إنتاج موزارت السيمفوني، في حين أن أماديوس موزارت (1756- 1791) فعل الشيء نفسه بالنسبة إلى فن الكونشرتو.

 

ويضربون مثلا بعملين أساسيين لموزارت، وهما: كونشرتو البيانو رقم 24، وكونشرتو البيانو رقم 25، اللذان أبدى بيتهوفن إعجابه البالغ بهما، وسعيه دون نجاح إلى تجاوزهما، وقد يكون في تعليقه على (24) خير تعبير، حيث قال: "إن أيا منا لن يتمكن أبدا من التفكير في كتابة لحن مثل هذا".

والسؤال: هل كان الاستقبال الفاتر لكونشرتو الكمان الوحيد لبيتهوفن، سببا في إحجامه عن تكرار المحاولة طوال 21 عاما، أم أن "فشله" في ملاحقة موزارت، هو السبب، أم كان نجاحه المدوي في السيمفونيات قد منعه من المحاولة؟


والواقع أن كونشرتو الكمان، الذي يعد بحق "ملكة" الكونشرتات، عمل صعب، فهو يتطلب مهارات فائقة من عازف الكمان، وما زال يعتبر اختبارا صعبا للعازفين وللأوركسترا بمجمله، بما يتضمنه من عمق عاطفي، وغنائي، وتعقيد لحني، وتوازن دقيق بين أدوار كل من الكمان والأوركسترا في كل العمل.

 

وبعد ثلاث ضربات على الطبل الكبير تمهد المقدمة التي تعزفها الأوركسترا للكمان الذي يبدأ بأداء جمل موسيقية صعبة قبل عرض اللحن الرئيسي، ليستمر الأداء وفق شكل السوناتا الكلاسيكي.


ولحن الحركة الثانية البطيئة الرئيسي بسيط وغنائي، لا يؤديه الكمان بصورة مباشرة بل يوحي به، ويتقافز حوله أو يجيب عليه خلال كل الحركة التي تنتهي بالكادنسا، وهي جزء يقدمه العازف المنفرد لوحده، ويتميز بحرية الإيقاع وقد يرتجله العازف أو يكتبه المؤلف نفسه.


وهناك تسجيلات عديدة لكونشرتو الكمان، أكثرها شهرة وشيوعا، الأداء الذي قدمته فرقة برلين الفيلهارمونية، عام 1992، بقيادة دانيل بارنبويم، وعزف اسحق برلمان على الكمان، وهناك ترشيح آخر، وهو أداء أوركسترا برلين الفيلهارمونية بقيادة هيربرت فون كارايان (قائد الأوركسترا والمؤلف الموسيقي النمساوي (1908- 1989)، الذي يعد من أفضل قائدي الفرق السمفونية خلال القرن العشرين)، وعازف الكمان الفرنسي، كريستيان فيراس (1933- 1982)، وجرى التسجيل عام 1967.

 

التعليقات (1)
نسيت إسمي
الخميس، 20-01-2022 07:29 م
1 ـ (التكنولوجيا تقلد بيتهوفن) فلسطين 24: بمساعدة الذكاء الاصطناعي، يسعى فريق دولي من الخبراء الموسيقيين إلى إتمام سيمفونية لودفيغ فان بيتهوفن العاشرة غير المكتملة.وذكرت صحيفة "فرانكفورتر ألغماينه زونتاغس تسايونغ" الألمانية أن الفريق الذي يضم علماء موسيقى، ومؤلفين موسيقيين، وعازف البيانو الأمريكي روبرت ليفين، وخبراء كمبيوتر، يعمل على هذا المشروع.وأكدت متحدثة باسم شركة الاتصالات الألمانية "دويتشه تيلكوم" هذا المشروع الذي بادرت به الشركة.وحسب البيانات، من المنتظر أن تقدم أوركسترا بيتهوفن في بون الألمانية، العرض الأول للسيمفونية بعد إتمام المشروع في 28 أبريل (نيسان) المقبل.وتحتفل ألمانيا العام المقبل على نطاق واسع بمرور 250 عاماً على ذكرى ميلاد المؤلف الموسيقي الشهير، 1770 ـ 1827.تجدر الإشارة إلى أنه لا تتوفر سوى بضع مسودات وملاحظات كتابية عن السيمفونية العاشرة التي لم يتمكن بيتهوفن من إكمالها.وحسب تقرير الصحيفة الألمانية، يعتزم العلماء تطوير لوغاريتم لإكمال المقاطع الكثيرة الناقصة من السيمفونية بناءً على أسلوب بيتهوفين في التأليف الموسيقي.وقال منسق المشروع ومدير معهد "كاريان" النمساوي، ماتياس رودر، للصحيفة: "اللوغاريتم لا يمكن التنبؤ به، فهو يفاجئنا كل يوم بجديد.. إنه مثل طفل صغير، يستشكف عالم بيتهوفن".تجدر الإشارة إلى أن هناك العديد من محاولات التأليف الموسيقي عبر الكمبيوتر، من بينها إتمام السيمفونية الثامنة الشهيرة غير المكتملة للمؤلف النمساوي فرانتز شوبرت 1797ـ1828.ونفذت المشروع شركة هواوي الصينية للاتصالات والهواتف الذكية، وكان العرض الأول للسيمفونية في فبراير(شباط) الماضي في لندن. 2 ـ (بيتهوفن والناس) كان بيتهوفن يوصف بالمزاجيّة فقد كان سيء المزاج في كثيرٍ من الأحيان، وبالرغم من ذلك كان الناس يحبونه لدرجةٍ كبيرة؛ بسبب الموسيقى التي كان يُقدّمها لهم، فهو لم يُقدّم موسيقى راقية وأنيقة ليُمتّع بها الملوك والأمراء بل قدّم موسيقاه التي تميّزت بالحماس والعاطفة لكافّة الشعب ولكافة الأعمار ممّا جعل الناس يستمتعون بالجلوس والاستماع له وحب تلك الموسيقى، مما دفع حكومة المدينة بإنشاء قاعة للاحتفالات واستضافة أوركسترا من أجل تلبية الطلب العام في الاستماع إلى موسيقى بيتهوفن.استجاب بيتهوفن لطلب الجماهير بتقديم هذا الحفل، ثمّ عمل على إضافة آلة البيكولو وآلة الكوترا باصون وعمل على زيادة حجم الأوركسترا من أجل إحداث صوت أعلى، وقد نال هذه الحفل شُهرةً واسعةّ بسبب استخدام بيتهوفن برنامجاً موسيقيّاً من أجل تقديم الموسيقى بأسلوبٍ تصويريّ؛ حيث استخدم الموسيقى من أجل رسم صور للأحداث المختلفة كالمعارك المضطربة في البحر أو النزهات الهادئة في الريف، وعمل على تغيير نوع العلاقة بين الموسيقيين وعازفي البيانو والمغنيين وبين الأوركسترا لإضافة عنصر التشويق للجمهور وعدم توقعهم للأحداث التالية. 3 ـ (موسيقى ريفية في فيلم كوميدي) 'يا أخي، أين أنت؟' خلال حقبة الثلاثينيات في (الميسيسيبي) ، يهرب كل من (إيفريت ماكجيل) ، و(دلمار) ، و(بيتي) من أحد السجون ؛ لكي يتوجهوا إلى مسقط رأس (إيفريت) ، الذي تعيش فيه زوجته وبناته ، في محاولة لاستعادة كنز مدفون قبل ضياعه للأبد ، بسبب مد مائي قادم ، وخلال رحلتهم الطويلة ، يصادف الثلاثة مجموعة من الأحداث العجيبة ، والغريبة ، ويقابلون عددا من الشخصيات الفريدة .(2000) "يا أخي ، أين أنت الفن؟" ، بطولة جورج كلوني وجون تورتورو ، يتبع الهاربين من عصابة سلسلة من خلال العقبات التي تشمل بائع الكتاب المقدس الكراك (جون غودمان) والشخصية المفاجئة كمغني موسيقى البلوغراس ("كيف يمكنني أن أضع قبضة من لهم مندي القاع الأولاد؟ "). هذه الأوديسة التي ترجع إلى حقبة الكساد ، والتي أخرجها الأخوان كوين ، جلبت أيضا موسيقى قديمة إلى الموسيقى القديمة. أصبحت الموسيقى التصويرية ط. بون بيرنيت ، التي تضم أليسون كراوس وجيليان ويلش ، من أكثر الكتب مبيعا.