كتاب عربي 21

مقاصد الاستخلاف.. رؤية إسلامية جديدة مقدمة لمراجعات أشمل

قاسم قصير
1300x600
1300x600

في إطار المحاولات الفكرية النقدية التي تشهدها الحركات الاسلامية، ومن أجل إعادة تقييم المرحلة السابقة، نشهد بين فترة وأخرى إصدرات فكرية جديدة من داخل هذه الحركات لتصويب الآداء وتقديم رؤية مختلفة عما تعودنا عليه في العقود السابقة.

ومن ضمن هذه الكتابات الجريئة صدر مؤخرا في بيروت وعن عن دار لبنان للطباعة والنشر، كتاب جديد للباحث في الشؤون الإسلامية والقيادي في الجماعة الإسلامية (وهي أقدم تنظيم إسلامي حركي برز في لبنان ويعتبر الفرع اللبناني للإخوان المسلمين) الدكتور وائل نجم بعنوان: "مقاصد الاستخلاف"، وهو محاولة فكرية وتجديدية لشرح دور الإنسان وخلافته على الأرض والتي دعاه إليها الله عز وجل عندما جعله خليفة على الأرض .

وللدكتور وائل نجم دراسة هامة حول المفكر الإسلامي وأحد ابرز قياديي الحركة الإسلامية في السودان والعالم العربي وهو الدكتور حسن الترابي، وقد نال عليها درجة الدكتوراه من كلية الإمام الأوزاعي للدراسات الإسلامية قبل ثلاث سنوات تقريبا، وأثارت خلال المناقشة إشكالات عديدة من قبل الأساتذة المشرفين والمناقشين بسبب الجرأة في الطرح ونظرا للطروحات التي قدّمها الدكتور الترابي من خلال رؤيته الفكرية والفقهية وتجربته الحزبية والحركية والسياسية.
  
ورغم أن الكتاب الجديد للباحث نجم لم يدخل في تفاصيل التجارب الحركية الإسلامية ولم يقدّم نقدا مباشرا لآداء هذه الحركات خلال العقود الأخيرة، ومع أن فكرة "مقاصد الاستخلاف" تقترب كثيرا من مشروع وأفكار "مقاصد الشريعة" التي طرحت خلال المراحل الماضية من قبل علماء ومفكرين إسلاميين، فإن الدكتور نجم يحاول في هذا الكتاب أن يقدم رؤية جديدة لدور الإنسان في الحياة وفي الكون وعلى أرض الواقع انطلاقاً من التحديات التي نواجهها اليوم في العالم، وخصوصاً من خلال بروز بعض الاتجاهات الإسلامية التي تحصر دور الإنسان في اتجاه محدد، وتدفعه أحياناً للتطرف والتشدد.

والباحث يعيد تحديد معنى الخلافة والاستخلاف برؤية جديدة منبثقة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ولكنه في الوقت نفسه يسعى لتجديد هذا المشروع وتقديم رؤية مستقبلية قادرة على مواكبة التحديات المختلفة التي يواجهها الانسان والمجتمعات والعالم اليوم.

 

يدعو الكاتب للبحث عن أشكال جديدة التعاون بين جميع أبناء البشر من أجل تحقيق مفهوم الاستخلاف دون أن يعني ذلك التخلي عن الإيمان بالاسلام كدين شامل وسماوي، وهذا يتطلب تحديد المهمة المطلوبة اليوم من خلال إعمار الكون وتحقيق حاجات الإنسان الأساسية.

 



وكي نقدّم خلاصة مكثفة لأفكار الكتاب نشير بداية إلى أن الكاتب يستعرض مفهوم الاستخلاف من وحي القرآن الكريم ودور آدم عليه السلام وينطلق من خلال ذلك لتحديد مقومات الاستخلاف على الأرض وهي: الإيمان والاستقامة والإعمار، إقامة العدل والعمل وبناء الكون.
 
ورغم تأكيده على الدعوة إلى الالتزام بالإسلام كدين سماوي شامل وتحديد تفاصيل هذا الالتزام من الناحية العقائدية والعبادية والإيمانية، فإنه ينطلق من خلال ذلك ليقدم رؤيته الجديدة والشاملة لدور الإنسان اليوم في هذا العصر من خلال إعمار الأرض والحفاظ عليها وتطوير ثرواتها والتعاون بين كل أبناء البشر في سبيل ذلك والخروج من الصراعات القائمة اليوم من أجل بناء المستقبل وإعمار الكوكب.
 
وهو يعطي مفهوما واسعا لمعنى العمل والعبادة، ولا يقتصر على الجوانب الإيمانية بل يشمل كل عمل يساهم في إعمار الكون وخدمة الإنسان والإنتاج في جميع المجالات وعبر التربية والتعليم والتعاون مع مختلف أبناء الكون دون التوقف عند الإنتماءات العقائدية أو الفكرية أو السياسية أو الحزبية .

ويسعى الكاتب الدكتور وائل نجم من خلال هذه الرؤية التجديدية لتقديم قراءة نقدية لتجربة الحركات الإسلامية أو المنتمين إلى التيارات الإسلامية خلال العقود الأخيرة دون أن يشير إلى ذلك مباشرة من خلال دعوته للخروج من الفهم القائم اليوم لدى أبناء هذه الحركات بأن الشكل الوحيد لإعمار الكون أو تطبيق مفهوم الاستخلاف والخلافة هو الوصول إلى السلطة وإقامة الحكم الإسلامي بشكله التقليدي (الخلافة) أو مواجهة السلطات القائمة واعتبارها غير شرعية أو جاهلية وينبغي الانقلاب عليها واستخدام القوة والعنف لذلك، وهو يدعو للبحث عن أشكال جديدة التعاون بين جميع أبناء البشر من أجل تحقيق مفهوم الاستخلاف دون أن يعني ذلك التخلي عن الإيمان بالاسلام كدين شامل وسماوي، وهذا يتطلب تحديد المهمة المطلوبة اليوم من خلال إعمار الكون وتحقيق حاجات الإنسان الأساسية.
 
إنها محاولة جديدة لتقديم مفهوم واسع للاستخلاف وخلافة الإنسان على الأرض، وأهمية هذه المحاولة أنها تأتي من داخل الحركة الإسلامية وهي تلتقي مع بقية التجارب الفكرية التي ركزت على مقاصد الشريعة وتطوير الرؤية الإسلامية حول مفهوم الايمان والعبادة وإن كانت أهمية هذه الرؤية أنها تنطلق من كاتب وباحث قادم من داخل حركة إسلامية (الجماعة الإسلامية أو حركة الإخوان المسلمين) والتي كان لها تجارب واسعة في العمل السياسي والجهادي والدعوة من أجل الوصول إلى السلطة لتطبيق الإسلام.

الكاتب يستعرض مفهوم الاستخلاف من وحي القرآن الكريم ودور آدم عليه السلام وينطلق من خلال ذلك لتحديد مقومات الاستخلاف على الأرض وهي: الإيمان والاستقامة والإعمار، إقامة العدل والعمل وبناء الكون.

 



وانطلاقا من هذا الكتاب وفي ظل ما يواجهه المسلمون اليوم من تحديات مختلفة في كافة بقاع الكون، نحتاج اليوم لإعادة تحديد الأهداف التي ينبغي الوصول إليها والآليات التي يفترض اتباعها، وكذلك إعادة تقييم كل التجارب الإسلامية السابقة ولا سيما في العقود الأخيرة من أجل الخروج من دوامات الصراع المستمرة اليوم في العديد من الدول العربية والإسلامية، وعلى ضوء ذلك يمكن إطلاق رسالة جديدة لكل القوى والتيارات الأخرى كي يتم التفاهم على ميثاق جديد للعمل، فإذا كان بالإمكان التوافق على مشروع الإعمار والبناء وتحقيق حاجات الإنسان الأساسية وحماية حقوقه الطبيعية فلا يعد هناك خلاف أو تناقض مع أصحاب الرؤى الأخرى سواء كانت فكرية أو سياسية أو حزبية، ومن بعد ذلك يختار كل إنسان العقيدة التي يريد الإيمان بها والتي تحقق له الطمأنينة والأمان والوصول إلى العبادة الحقيقية وتحقيق مفهوم الاستخلاف الواسع.

طبعا هذه الرؤية الجديدة قد تواجه اعتراضات وانتقادات من أصحاب الفكر الإسلامي التقليدي أو الحركي لأنها تدعو للخروج من المأزق الذي نواجهه اليوم، لكنها تستحق النقاش والتقييم والحوار، وقد تكون مدخلا جديدا من أجل إعادة تقييم علاقات الإسلاميين مع كل الأطراف الأخرى سواء كانوا في السلطة أو خارجها .

وعلى أمل أن يحظى هذا الكتاب بالاهتمام المطلوب رغم أنه من الحجم الصغير ولكنه يحمل مشروعا فكريا تجديديا كبيرا.

@kassirkassem 


التعليقات (0)

خبر عاجل