صحافة دولية

"الغارديان": هذه حكاية مسلمي بريطانيا التي يتم التغاضي عنها

يستعرض فيرسي صور التمييز والإسلاموفوبيا التي يعاني منها المسلمون في بريطانيا- جيتي
يستعرض فيرسي صور التمييز والإسلاموفوبيا التي يعاني منها المسلمون في بريطانيا- جيتي
بين التفاؤل وما تسببه الإسلاموفبيا من مشكلات، يعيش مسلمو بريطانيا حكاية كثيراً ما يتم التغاضي عنها، بحسب الناطق باسم الشؤون العامة في مجلس مسلمي بريطانيا مقداد فيرسي.

يسلط فيرسي في مقال له في صحيفة " الغارديان" الضوء على استطلاع حديث للرأي أجرته مؤسسة "هايفن سافانتا كومريس" يشير إلى أن ما يصل إلى 69 في المائة من مسلمي بريطانيا تعرضوا لممارسات إسلاموفوبية في أماكن عملهم. وفي الوقت ذاته يشير إلى أن 53 في المائة يرون أن ثمة تحسن في مدى تقبل المسلمين داخل بريطانيا، كما تظهر استطلاعات أخرى أن 93 بالمائة من المسلمين يشعرون بالانتماء إلى بريطانيا.

ويستعرض فيرسي صور التمييز والإسلاموفوبيا التي يعاني منها المسلمون في بريطانيا، لكنه يكشف أن مسلمي بريطانيا ما فتئوا يحققون نجاحات باهرة في التغلب على المصاعب، ويتحدون الصور النمطية التي يرسمها لهم أتباع اليمين المتطرف وحلفاؤهم، ويردون عليها بإحساس من الانتماء والتفاؤل.

ويختم فيرسي مقاله بالقول إنه "من الجيد أن نحتفل بالتفاؤل، ولكن دعونا لا نتجاهل التحديات التي تشكلها الإسلاموفوبيا أو القعود عن عمل شيء بشأنها".

وفي ما يأتي نص المقال:

ثمة حكاية قوية بخصوص المسلمين البريطانيين كثيراً ما يتم التغاضي عنها، ألا وهي حكاية الانتماء والتفاؤل.

يسهل على المرء استيعاب لماذا. وذلك أننا نرى على العديد من المستويات داخل المجتمع حواجز الإسلاموفوبيا تمنع المسلمين من المشاركة كمواطنين متساوين.

خذ على سبيل المثال مكان العمل. يظهر استطلاع للرأي أجرته مؤخراً مؤسسة هايفن سافانتا كومريس أن ما يصل إلى 69 بالمائة من مسلمي بريطانيا تعرضوا لممارسات إسلاموفوبية في أماكن عملهم. وإذا كنت مسلماً أسود البشرة، فإن تلك النسبة ترتفع إلى 76 بالمائة. مجرد أن يكون للمرء اسم مسلم يقلص من فرصه في إيجاد وظيفة أو شقة للسكن أو حتى الحصول على تأمين.

أو لنأخذ بالاعتبار النظام التعليمي. لقد أظهرت دراسة من إعداد وزارة التعليم أن 18 بالمائة من التلاميذ الذين استطلعت آراؤهم في إنجلترا رأوا أطفالاً آخرين يتعرضون للتنمر لمجرد أنهم مسلمون. وتكرر ذلك في الإجابات التي وردت على استطلاع للرأي أجرته مؤسسة تشايلدلاين، والذي أظهر أن الفتيان المسلمين بالذات كانوا يوصمون من قبل أقرانهم بأنهم "إرهابيون" أو "مفجرون".

أو خذ المجال السياسي مثالاً آخر، فسواء كان ما يواجهه المسلمون هو الإسلاموفوبيا المؤسسية المستشرية داخل حزب المحافظين أو التحديات (الأصغر حجماً رغم خطورتها الشديدة) داخل حزب العمال، حيث يعاني أكثر من واحد من بين كل أربعة مسلمين من أعضاء الحزب من الإسلاموفوبيا بشكل مباشر. وحتى الذين ينجحون بالرغم من الحملات السياسية الإسلاموفوبية ينتهي بهم الأمر إلى مواجهة الإسلاموفوبيا داخل المكتب، بما في ذلك صادق خان، الذي يحتاج إلى حماية على مدار الساعدة، طوال اليوم والليلة، بسبب "لون جلده والإله الذي يعبده".

دعونا حتى لا نقترب من الإعلام، حيث لا تتعدى نسبة المسلمين من بين الصحفيين البريطانيين أربعة من عشرة في المائة، وما يقرب من ثلثي المقالات التي تنشر ويُذكر فيها المسلمون أو الإسلام يتم من خلالها رسم صورة سلبية لهم.

ولكن لا يقتصر الأمر على الوظائف والتعليم والسياسة والإعلام – بل إن التحديات البنيوية أعمق بكثير من ذلك، فنصف مسلمي بريطانيا يعانون الفقر، ونسبة أكثر من المسلمين يعيشون في ظروف سكنية يشوبها الحرمان مقارنة بمتوسط نسبة السكان في بريطانيا ككل (35 بالمائة مقابل 13 بالمائة)، ونسبة المسلمين في منظومة العدالة الجنائية أكبر بكثير، إذ يشكلون ما يقرب من 15 بالمائة من مجمل نزلاء السجون في إنجلترا وويلز، على الرغم من أنهم يشكلون أقل من 5 بالمائة من مجمل السكان.

لربما لا تكون هذه الحواجز مفاجئة إذا ما أخذنا بالاعتبار النظرة العنصرية التي توجد لدى الكثيرين حين يتعلق الأمر بالمسلمين. بل يقال إن البريطانيين أكثر نزوعاً بثلاثة أضعاف نحو تكوين آراء متحيزة تجاه الإسلام مقارنة بتحيزهم ضد الأديان الأخرى، كما أن نظريات المؤامرة، مثل الاعتقاد بأن هجرة المسلمين إنما هي جزء من مكيدة أوسع غايتها تحويل المسلمين إلى أغلبية في بريطانيا، آفة تصاب بها أقلية كبيرة من سكان البلاد. فقد أظهر استطلاع للرأي أن 22 بالمائة من المستطلعة آراؤهم قالوا إنهم سيقلقهم أن تقوم عائلة مسلمة بالانتقال للسكن إلى جوارهم.

تشكل هذه الحقائق على الأرض سردية مثبتة بالأدلة حول التحديات التي تواجه مسلمي بريطانيا، والتي ينبغي ألا يُغض الطرف عنها.

إلا أن ذلك جزء من الحكاية فقط، وذلك أن الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة هايفن سافانتا كومريس، وتعزز نتائجه أبحاث أخرى أجريت، يدعم كذلك سردية أخرى بالغة الدقة، لا تمحو العنصرية المؤسساتية والحواجز التي تحول دون تمتع المسلمين بالمساواة، بل تثبت بدلاً من ذلك كيف أنه على الرغم من التمييز والتحديات البنيوية، ما فتئ مسلمو بريطانيا يحققون نجاحات باهرة في التغلب على المصاعب، ويتحدون الصور النمطية التي يرسمها لهم أتباع اليمين المتطرف وحلفاؤهم، ويردون عليها بإحساس من الانتماء والتفاؤل.

على سبيل المثال، قال أغلب من استطلعت آراؤهم من المسلمين (53 بالمائة) إن ثمة تحسن في مدى تقبل المسلمين داخل بريطانيا. ولقد أظهرت استطلاعات أخرى أن 93 بالمائة من المسلمين يشعرون بالانتماء إلى بريطانيا وأن نسبة من يشعرون بالفخر من المسلمين بأنهم بريطانيون تفوق المعدل الوطني.

ومع الانتماء يأتي التفاؤل، حيث يعتقد الأغلبية (57 بالمائة) بأن الشبان المسلمين سيكونون أكثر نجاحاً من آبائهم، بل يتفوق كثير من التلاميذ المسلمين على أقرانهم، وعدد أكبر بكثير من أولياء الأمور المسلمين (66 بالمائة) يرون أن من المرجح جداً أن ينتهي الأمر بأبنائهم في المستقبل في الجامعات، يحصلون منها على شهادات، مقارنة بالمعدل الوطني (38 بالمائة).

ولكن لماذا هذا الوضع؟ لماذا، على الرغم من الإسلاموفوبيا التي يواجهون، فإنه ما زال معظم المسلمين يشعرون بالانتماء وبالتفاؤل بمستقبلهم؟

هناك، من جهة، أعداد متزايدة من النماذج التي يحتذى بها، ونسبة أكبر من تمثيل المسلمين في مختلف جوانب الحياة، خذ على سبيل المثال مو صلاح، الفائز بجائزة لاعب السنة، وعمدة لندن، والفائز بالأوسكار ريز أحمد، ومقدمة البرامج في الإذاعة الرابعة ميشال حسين، والفائزة بجائزة الطهي البريطانية العظمى ناديا حسين.

وبشكل أكثر بنيوية، يبدو أن جزءاً من السبب هو التفاؤل الشبابي (فنصف مسلمي بريطانيا أعمارهم دون سن الخامسة والثلاثين)، ثم الشعور الديني بالانتماء، ثم عقلية المهاجرين التي تحفز على الجد والاجتهاد والتغلب على المصاعب (جل مسلمي بريطانيا هم من أبناء الجيل الأول أو الثاني من المهاجرين). ولكن، في حقيقة الأمر لا قبل لنا بمعرفة السبب على وجه اليقين.

من الجيد أن نحتفل بالتفاؤل، ولكن دعونا لا نتجاهل التحديات التي تشكلها الإسلاموفوبيا أو القعود عن عمل شيء بشأنها. دعونا نأمل في ألا يكون من المبالغة المطالبة بسردية أكثر دقة حول المسلمين.

التعليقات (0)