كتاب عربي 21

الدين والشأن العام: مقاربات جديدة من أجل مستقبل أفضل

قاسم قصير
1300x600
1300x600
"الدين والشأن العام" هو عنوان جديد لمشروع فكري واجتماعي وميداني؛ يسعى "منتدى التنمية والثقافة والحوار" في لبنان برئاسة القسيس الدكتور رياض جرجور لتطويره وتحويله إلى مساحة حوارية ونقاشية على صعيد العالم العربي أجمع، وصولا إلى مساحات دولية (مسيحية وإسلامية).

وهذا المشروع هو تطوير لصيغة أولية كان بدأها المنتدى تحت عنوان: اللاهوت والشأن العام، وهي مقاربة جديدة تحاول بعض الكنائس الغربية والشرقية تقديمها. وعندما عُرض هذا المشروع في مؤتمر سابق للمنتدى لقي بعض الاعتراضات والملاحظات، كون مصطلح اللاهوت مختص بالديانة المسيحية ويحتاج إلى مصطلح آخر يقابله على المستوى الإسلامي، ومن هنا اتجه المنتدى لاعتماد عنوان جديد لمشروعه وهو: الدين والشأن العام.

هذا الموضوع كان محور ورشة حوارية موسعة عقدها المنتدى مؤخرا في بيروت، بالتعاون مع مؤسسة دانميشين الدانماركية للحوار، وبمشاركة حوالي أربعين مشاركا ومشاركة من مختلف المناطق اللبنانية، إضافة لعدد من رجال الدين والمفكرين الذين قدّموا مداخلات متنوعة حول الدين والشأن العام، ودور الشباب والمرأة في الشأن العام، وكيفية تحويل الدور الديني إلى عامل إيجابي في المجتمع بدل أن يكون عاملا للتعصب والعنف والقطيعة، ودور المواطنة في مواجهة الطائفية والمذهبية.
الموضوع ليس جديدا على النقاش في العالم العربي والعالم الإسلامي خلال السنوات المائة الماضية، ولا سيما في نهاية فترة الخلافة العثمانية وبعد سقوط هذه الخلافة في العام 1924 وإلى اليوم

وقد قدّمت في الورشة مداخلات عديدة ومهمة من المشاركين والمحاضرين، إضافة إلى تشكيل فرق عمل لإعداد مشاريع عمل وإجراء نقاشات حول مختلف المفاهيم والموضوعات التي بحثت، مع الإشارة إلى أن هؤلاء المشاركين كانوا جزءا من عدة ورش عمل عقدت في مختلف المناطق اللبنانية، وسيكون لهم مساهمات عملية مستقبلية لتطوير هذا المشروع.

وقد أوضح القسيس الدكتور رياض جرجور أن هذا المشروع هو تطوير لمشروع اللاهوت والشأن العام، وأن دور الدين يتعاظم اليوم في المجتمع وعلى الصعيد العام، ولم يعد بالإمكان تجاهل هذا الدور في التغيير. ومن هنا لا بد من النقاش حول دور المسؤولين ورجال الدين والمعنيين في المؤسسات الدينية في كيفية تحويل الانتماء الديني إلى عنصر إيجابي في بناء المجتمعات، بدل أن يكون سببا للصراعات والعنف كما يحصل اليوم، وأن الفريق العربي الإسلامي- المسيحي كانت له مساهمات مهمة في هذا الإطار، وأنه أصدر الكثير من الوثائق التي تساهم في تعزيز المواطنة وإقامة أفضل العلاقات بين المنتمين لمختلف الديانات والطوائف والمذاهب. لكن التطورات التي حصلت في السنوات الأخيرة أعادت النقاش مجددا حول علاقة الدين في الشأن العام، وأين يمكن أن يلتقيا أو يفترقا.

ومن المعروف أن هذا الموضوع ليس جديدا على النقاش في العالم العربي والعالم الإسلامي خلال السنوات المائة الماضية، ولا سيما في نهاية فترة الخلافة العثمانية وبعد سقوط هذه الخلافة في العام 1924 وإلى اليوم. ورغم أن الغرب اتجه سابقا إلى الفصل بين الدين والشأن العام وتبني مشروع العلمانية، فإنه في العقود الأخيرة عاد الدين كي يلعب دورا مهما في سياسات الدول الغربية وفي أمريكا وتراجعت الدعوات للعلمانية الشاملة، وعاد الدين كي يكون محركا أساسيا في السياسات وفي تحديد مواقف الدول الغربية من الكثير من التطورات في العالم.

وعلى صعيد العالم العربي، فقد عقد مؤتمر هام في العام 2016 في تونس بالتعاون بين مركز دراسات الوحدة العربية والمعهد السويدي في الإسكندرية وكان عنوانه: في إصلاح المجال الديني، وتركزت البحوث آنذاك على العلاقة بين الدين والشأن العام، وكيف يمكن الفصل بين دور الدين والدولة مع الأخذ بالاعتبار كون الدين مكوّنا أساسيا في المجتمعات العربية والإسلامية، وقد صدرت أعمال المؤتمر لاحقا في كتاب خاص وتضمن مداخلات مهمة في هذا الشأن.
بعد فشل الثورات الشعبية والانقضاض على ما حققته من إنجازات، وآخر هذه الانقلابات ما حصل في تونس من تغيير دستوري وإنهاء الدستور الذي أقرته الثورة الشعبية، وكذلك ما يجري من صراعات وأحداث في أكثر من بلد عربي والهجمة القوية على الحركات الإسلامية وتجاربها في الحكم، عاد الموضوع للنقاش مجددا

وهذا الموضوع هو أحد أهم القضايا التي تركز حولها النقاش في العقود الأربعة الأخيرة، ولا سيما بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران وتصاعد الصحوة الإسلامية وبروز الحركات الإسلامية والجهادية، وصولا للثورات الشعبية وتولي بعض الحركات الإسلامية أدوارا مهمة في السلطة.

لكن اليوم وبعد فشل الثورات الشعبية والانقضاض على ما حققته من إنجازات، وآخر هذه الانقلابات ما حصل في تونس من تغيير دستوري وإنهاء الدستور الذي أقرته الثورة الشعبية، وكذلك ما يجري من صراعات وأحداث في أكثر من بلد عربي والهجمة القوية على الحركات الإسلامية وتجاربها في الحكم، عاد الموضوع للنقاش مجددا.

إزاء كل ذلك نحتاج اليوم إلى مقاربات جديدة حول علاقة الدين بالشأن العام، وكيف يمكن أن نستفيد من إيجابيات دور الدين في الحياة العامة، بدل أن يتحول إلى عنصر سلبي يعزز التفرقة والصراعات والعنف. وهذه مسؤولية كبيرة لا تقع فقط على الحركات الإسلامية ورجال الدين المسلمين والمسيحيين، بل هي مسؤولية المفكرين والقانونيين وعلماء الاجتماع والسياسة.
مقاربة جديدة بين حدين: الحد الأول أنه لا يمكن إبعاد الدين عن الشأن العام؛ نظرا لدوره الأساسي في الحياة وفي الكون وأن كل المقاربات لإبعاده لم تنجح، والحد الثاني إيجاد مساحة بين دور الدين وبين دور الدولة والمجال العام؛ كي لا يتحول دور الدين إلى عامل لزيادة العصبيات والعنف

ما طرحته الورشة التي عقدها منتدى التنمية والثقافة والحوار في بيروت هو محور نقاش وحوار على امتداد العالم العربي والإسلامي، وصولا إلى العديد من عواصم العالم، نحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى إعادة النقاش والحوار حول الدين وعلاقته بالشأن العام كي نقدم مقاربة جديدة بين حدين: الحد الأول أنه لا يمكن إبعاد الدين عن الشأن العام؛ نظرا لدوره الأساسي في الحياة وفي الكون وأن كل المقاربات لإبعاده لم تنجح، والحد الثاني إيجاد مساحة بين دور الدين وبين دور الدولة والمجال العام؛ كي لا يتحول دور الدين إلى عامل لزيادة العصبيات والعنف ورفض الآخر.

نحن اليوم بحاجة إلى مقاربات جديدة ومراجعة فكرية، سواء من أصحاب الفكر العلماني أو المدني من جهة، أو بين أصحاب الفكر الإسلامي، وكي نصل في النهاية إلى رؤية جديدة متصالحة بين الدين والشأن العام وهذا هو المطلوب اليوم.

twitter.com/kassirkassem
التعليقات (2)
التصحيح الديني اولا
الأربعاء، 10-08-2022 04:25 م
التصحيح الديني قبل التصحيح السياسي والاقتصادي ان الحقيقة الكبرى التي غفل عنها فقهاء الاسلام قديما وحديثا هي ان الاسلام قد دشّن عصر ما بعد الرسالات، أي عصر صلاحية الانسانية للتشريع لنفسها، وبغير ذلك فان البشرية كانت ستبقى دائما بحاجة الى انبياء جدد. لقد انعزلت أمة العرب عن بقية امم الارض المتحضرة لمئات السنين. وكان من نتائج هذا الانعزال، عجزها شبه التام عن انتاج المعرفة. وكانت الثقافة الدينية الموروثة الخاطئة هي السبب الرئيسي في هذا الانعزال، بسبب التناقضات الكثيرة الموجودة كتب الموروث الديني مع ايات التنزيل الحكيم، مما اثر سلبا في تشكل العقل الجمعي العربي. وكان السبب الرئيسي لذلك التناقض هو قيام ائمة المسلمين الاوائل والمعاصرين)، بنقل اسلوب الحياة الدنيوية للنبي وصحابته، على انه جزء من الدين، واعطوا ذلك صفة القداسة والشموليه والعالميه والابديه. فكان من تنيجة ذلك ان اصبحت المحرمات بين ايدينا بالمئات بل بالالاف بدلا عن اقتصارها على الاربعة عشر محرما المذكورة في كتاب الله. فقول الله تعالى في الاية الكريمه (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ان لا تشركوا به شيئا .... 151/الانعام) يؤكد ان المحرمات محصورة في الايات المذكورة. وأن الله تعالى هو صاحب الحق الوحيد في التحريم. فكل اوامر النبي عليه الصلاة والسلام ونواهيه هي اوامر ونواهي تحمل الصفة المدنيه ضمن نطاق حكمه المدني من مقام النبوه، وهدفها تنظيم الحلال فيما يتعلق بمجتمعه المدني ودولته المدنيه في زمانه فقط، ولا تحمل صفة الشموليه ولا العالمية ولا الابدية، باستثناء ما كان منها يتعلق بشعائر الصلاة والزكاة، حيث امرنا الله تعالى بطاعة الرسول فيهما بشكل منفرد (واقيموا الصلاة واتوا الزكاة واطيعوا الرسول لعلكم ترحمون). فهل من المقبول بعد ذلك ان يقال ان كل ما قاله واجتهد به العلماء الاوائل والمعاصرون هو من ثوابت الدين؟ وهل كل تفاصيل حياة النبي الدنيوية اليوميه واجتهادات من أتى من بعده من الخلفاء والائمة هي من ثوابت الدين؟ لقد كاد فقهاء الاسلام الاوائل والمعاصرين ان يؤلّهوا رسول الله. وكان من نتائج ذلك أن طغت محورية الحديث النبوي المنقول، على محورية كلام الله تعالى. واصبح ينظر لاحاديث النبي وتشريعاته على انها وحي ثان مواز للتنزيل الحكيم ومطابق له في القدسية، وربما اعلى منه في بعض الاحيان. واستندوا في ذلك على تفسيرهم للاّية الكريمه "وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى". واعتبروا ان تفسيرهم ذلك لهذه الاية هو تفسير نهائي غير قابل للمراجعة ولا للتصحيح، رغم ان هذا التفسير للآّية الكريمة لم يصدر عن النبي، ولم يرد عنه انه قال ان كل ما يقوله هو وحي من الله. ان معظم كتب الموروث الديني ماهي الا صناعه انسانية بحته، بمعنى انها لاتعدو كونها اجتهادات بشرية في حدود ما سمح به السقف المعرفي في العصور الاولى. اما التشريع النبوي الانساني (الصادر من مقام النبوه)، فقد كان ينحصر في تقييد المطلق او اطلاق المقيد ضمن دائرة الحلال الواسعه. فالنبي معصوم عن الخطأ من مقام الرسالة فقط، وليس من مقام النبوة (يا ايها النبي لم تحرم ما احل الله لك تبتغي مرضاة ازواجك...) – (ما كان لنبي ان يكون له اسرى حتى يثخن في الارض، تريدون عرض الدنيا والله يريد الاخره...). ولقد أعطى الله سبحانه وتعالى للنبي عليه الصلاة والسلام (وللبشرية من بعده) حق الاجتهاد في التشريع الانساني الدنيوي، دون ان يعطي لذلك الاجتهاد صفة القداسة والشمولية والعالمية والابدية. وكانت تلك هي العلة الكبرى وراء كونه عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين (أي لا نبي بعده). والا، فان البشرية كانت ستكون دائما بحاجة الى انبياء جدد. وباعطائه سبحانه وتعالى للبشرية ذلك الحق فقد قضى بان محمدا عليه الصلاة والسلام هو خاتم النبيين. لذلك كله، فأن امة العرب والاسلام في حاجة ماسة اليوم الى قراءة جديدة للتنزيل الحكيم كتلك التي قام بها المفكر الكبير د. محمد شحرور، والتي من شأنها احداث ثورة فكرية دينية شاملة، لتتصحيح القناعات المجتمعيه للعقل العربي. نقول ذلك، مع تسليمنا الكامل بأن كل فكر جديد هو خاضع للقبول او الرفض او التصحيح او التخطئة. ولنتذكر دائما بأنه ليس كل رأي او فكر جديد هو دائما قادم من عدو. وعليه، فاني انصح وبشدة، بالاستماع والاطلاع المتعمق على أفكار هذا العبقري الملهم، لأني أرى فيها حقا احياء للأمة من بعد سباتها الطويل.
حمدى مرجان
الأربعاء، 10-08-2022 04:16 م
المسيح الاله لم يخلق شئ اى شئ علي الاطلاق ، فكيف يكون خالق وهو مخلوق ، فأن كان حل فيه الاله القديم الذى له الخلق جميعا ، فلماذا لم يقوم الجديد باى شئ ، بدهن السماء مثلا بلون.جديد ، او اضافة شمس او قمر ، فقد استلم الخلق والخلائق علي المفتاح ، ولم نرى له من الخلق شيئا يثبت وجوده ، فكل شئ موجود من قبله ، هل هذا الزعم يتلاقي مع الاسلام في شئ ، فكيف تحكم علي الاسلام باى دين اخر ، فقد حكم الاسلام العالم عشرة قرون ونقل البدوى من البداوة الي التمدين ونقل العالم من الظلمات الي العلم والمعرفة ، من الذى يتطور المسلم ام الاسلام ، ، فعلام بني كل منهما ، فما ينفع هناك لا ينفع هنا ، لقد قامت الثورات ضد حكم عسكرى علماني استبدادى ، قاربت مدة حكمه القرن من الزمن ، ولم يزيدنا الا خرابا وتخلفا ، فلماذا لا تقارن مدة الحكم هذه بتلك ، ولماذا قامت ضده الثورات ، ولماذا تحالف معه كل من هو ضد الاسلام حتي تمكن من العودة ، لا تر الا بعين واحدة ومن " خرم ابرة " اما الفهم فالله اعلم به،