تقارير

حين تصبح وقائع مجزرة صبرا وشاتيلا هوية فلسطينية

مجزرة صبرا وشاتيلا.. آلاف الضحايا التي لم يعترف بإنسانيتها العالم، تنتظر الاقتصاص من المجرم
مجزرة صبرا وشاتيلا.. آلاف الضحايا التي لم يعترف بإنسانيتها العالم، تنتظر الاقتصاص من المجرم

ثمة إجماع في كل العالم على بشاعة مجزرة صبرا وشاتيلا، واعتبارها جريمة ضد الإنسانية، وقيل إنها أول مجزرة متلفزة، وكان تأثير التلفزيون يومها على الاحتلال وفضحه للمرة الأولى كبيراً، لم يستطع الجاني إنكاره كما جرت العادة.

وثمة تواطؤ في لبنان على إقفال ملف المجزرة وإلقاء اللوم على الاحتلال، من دون الحديث عنه في الأوساط الإعلامية اللبنانية. خصوصاً أن القضاء العسكري اللبناني (بشخص القاضي أسعد جرمانوس) ألقى اللوم والتهمة على جيش الاحتلال الإسرائيلي فقط لا غير.

ظهر أكثر من فيلم عن المجزرة، منها فيلم ألماني بعنوان "المجزرة" يوثق شهادات ستة من الذين ارتكبوا المجزرة، لكن السلطة اللبنانية منعت هذه الأفلام.

المسؤولية الإسرائيلية معروفة، أغلق جيش الاحتلال المنطقة، منع فرار الناس، أطلق قنابل التنوير فوق مكان المجزرة. بل قتل جنود الاحتلال بعضَ الضحايا في المجزرة.

ليس الهدف من هذا المقال إثبات مشاركة الاحتلال في المجزرة، فقد بات معروفاً أنهم جلبوا القتَلة بشاحناتهم وأفلتوا قطعانهم في مكان المجزرة، وحاصروا المخيم كي لا يهرب منه أحد، وأضاؤوا المخيم بقنابل التنوير كي لا تتوقف المجرزة، ووجود أرييل شارون على بُعد مائة متر من مكان المجزرة، وحاولوا إخفاء معالم الجريمة. لكن الهدف أن نضيء على أن المجزرة كانت موثّقة ومصوّرة.

الشاهد أبو جمال مجذوب تحدث عن رؤيته في اليوم الثاني لشارون وفريقه الذين كانوا في مساكن الضباط قرب السفارة الكويتية، ومعهم مصورون، غير أنها عبارة لم تلفت الانتباه. تطابقت روايته مع أكثر من رواية عن المكان وتفاصيله. ثم تحدث عن صحفيين عرب حضروا بعد المجزرة، كان من ضمنهم صحفية طلبت منه هوية الجندي الإسرائيلي التي وجدها في أرض المجزرة، لأنها ستصورها وتعيدها له.. ولكنها أخذتها لم تُعِدها منذ ذلك الحين.. هذه الصحفية تدعى ليلى شهيد، التي أصبحت فيما بعد سفيرة عالية المستوى في المؤسسات الدبلوماسية في السلطة الفلسطينية، فمثَّلتها في باريس ثم في بروكسيل حيثُ مقر الاتحاد الأوروبي.

 

                    أبو جمال مجذوب.. شاهد على مجزرة صبرا وشاتيلا

تضافرت رواية أبو جمال مع بعض المشاهد القريبة من المجزرة، قرب المدينة الرياضية، حيث نشر الإعلام الغربي مقابلة مع سيدة لم يذكر اسمها تتحدث عن المجزرة. هذه السيدة اسمها سهام بلقيس أخبرت الكاتب محمود كلم أن الصحفي الإسرائيلي أجرى معها المقابلة في أثناء المجزرة، في اليوم الثاني عند أطراف ساحة الجريمة، ولم يكونوا بعيدين عن القتل، لا مكاناً ولا زماناً. فهي جاءت لتنتزع أخاها من أيدي الجنود فوجدت الصحفي (الإسرائيلي)، وحوله الجنود المحيطين به، والأمر واضح في الفيديو.

عندما قالت بلقيس إن المقابلة كانت في المكان والزمان اللذين كانت عمليات القتل تجري فيهما، لم يكترث أحد.. ولكن التقرير الذي نشره تلفزيون "مكان" الإسرائيلي منذ عشرين يوماً، وأورد فيه شهادة الطاقم التلفزيوني الإسرائيلي الذي وثّق المذبحة، أكّد كلامها. وتبيّن أن هذا الصحفي الإسرائيلي هو الصحفي الشهير "رون بن يشاي" ومعه المصور ومهندس الصوت.

هل اقتصر التوثيق على الجانب الإسرائيلي؟ 

بدأ بحثي بهذا الأمر منذ عشر سنوات، ففي كواليس إحدى المقابلات التي أجرتها معي صحفية لبنانية، أخذتني الصحفية جانباً وأخبرتني أن بعض المجرمين كان يحمل كاميرا فيديو ويوثق المجزرة، وأنها سألت عن الفيديو، فقيل لها إن مدير تلفزيون لبناني (نتحفظ عن ذكر اسمه) اشتراه، وحبسه في خزنته الخاصة.

سألتُ عدداً من الصحفيين الذين تخصصوا بهذا الأمر، ومنهم الصحفية المخضرمة منى سكرية، التي كانت أول الواصلين إلى المكان، نفَت علمها بوجود توثيق للمجزرة..
 
ولكن، بعد البحث بدأت تتكشّف الحقائق!

أبو جمال مجذوب وسهام بلقيس أكدا هذا التصوير.
 
موظف فلسطيني في وكالة الأونروا عُرض عليه أن يشتري الفيلم الذي صُوِّر داخل المجزرة، تواصل مع أحد المختصّين، وأخبره بالأمر، وقال إن صاحب الفيلم يطلب 5000$ ثمناً لهذا الشريط.. ولم يشترِ أحدٌ هذا الشريط. يبدو أن مدير المحطة اللبنانية هو الذي اشتراه.

التقرير الإسرائيلي الذي بثته قناة "مكان" أحدث ضجة، وصدقه الجمهور وبات حديث الإعلام، أما شهادات الضحايا فلم ينتبه لها أحد..
 
هل حدث هذا سابقاً؟

نعم لقد حدث في توثيق مجزرة الطنطورة، حيث جُمعت شهادات أهل القرية ونُشرت في كتبٍ وملفات إعلامية، إلا أنها لم تؤخذ بعين الاعتبار، حتى جاء طالب ماجستير إسرائيلي في جامعة حيفا، اسمه تيدي كاتس، وتناول المجزرة في رسالته.. فقامت الضجة وصدّقها الإعلام والمجتمع.

ختاماً.. آلاف الضحايا التي لم يعترف بإنسانيتها العالم، تنتظر الاقتصاص من المجرم، الوثائق موجودة، الصور موجودة، الجريمة موصوفة؛ إبادة جماعية وجريمة ضد الإنسانية.. فمتى ينال الضحايا حقهم، وترتوي قلوب الأمهات الثكالى؟

 

*شاعر وكاتب فلسطيني


التعليقات (0)