قضايا وآراء

حرية الملاحة من قناة السويس إلى باب المندب

هاني بشر
هجمات الحوثيين في البحر الأحمر- جيتي
هجمات الحوثيين في البحر الأحمر- جيتي
لا تزال البحار تحتفظ بموقعها المتميز على خريطة التفاعلات الجيوسياسية في العالم وقدرتها على إعادة رسم مسار الأحداث الكبرى، فمن يسيطر على البحار الكبرى يمتلك أوراقا هامة في السياسة والاقتصاد؛ حدث هذا مع دور روسيا في البحر الأسود ومحاولة الولايات المتحدة السيطرة على بحر قزوين، وهو ما تحاول أن تقوم به جماعة أنصار الله الحوثية في البحر الأحمر الآن.

خصوصية دخول البحار في الصراع الدائر حاليا في غزة أنه يُدخل طرفا مهما في القانون الدولي في أتون هذا الصراع، وهو القانون الدولي للبحار. فهذا القانون هو تعبير عن أحد فروع القانون الدولي والذي له حساسية؛ لكونه يمس من جهة حركة التجارة العالمية ومن جهة أخرى لأنه يتحرك داخل فضاء مشاع هو المياه الإقليمية والدولية. ونظرا لطبيعة المصالح المشتركة لكافة الدول في انتظام حركة الملاحة الدولية، بقيت البحار خارج معظم دوائر الصراع إلا حين تتعاظم الأمور.

لم تكن هناك أية إرادة دولية للبلدان المطلة على البحر الأحمر في أن تستخدم نفوذها لتحقيق أية مكاسب سياسية دولية نظرا لهذا الموقع الاستراتيجي، وبقي الاستخدام الوحيد لهذه الميزة الجغرافية الفريدة هو تعبير الدول عن حماية حرية الملاحة الدولية في البحر الأحمر كنوع من تقديم أوراق اعتماد لدى القوى الكبرى والمؤسسات الدولية. كان هذا حتى أتت عمليات جماعة أنصار الله الحوثية ضد السفن التي لديها تعامل مع إسرائيل لتقلب هذه المعادلة
أحد التعبيرات المهمة عن هذا الأمر هو افتتاح قناة السويس في مصر ودورها الرئيس في الاقتصاد المصري حاليا، وهو فرع من سلاحها ذي الحدين في التعبير عن الاستقلال الوطني من جهة، وبما تمثله من مطمع استعماري ودولي نظرا لموقعها الاستراتيجي، من جهة أخرى. الأمر نفسه ينطبق على مضيق باب المندب الآن بعد أن امتدت الحرب الدائرة في غزة إليه.

وإذا كانت قناة السويس هي البوابة الشمالية للبحر الأحمر وباب المندب هو البوابة الجنوبية له، فنحن هنا نتحدث عن بحيرة عربية إسلامية خالصة فيما عدا جزء صغير تحاول إسرائيل أن يكون لها منفذ عليه، إذا أخذنا في الاعتبار حكم الواقع فيما يخص مسلمي إريتريا البالغ عددهم نصف عدد السكان. وهذا يشابه إلى حد بعيد وضع البحر المتوسط إبان الخلافة الأموية التي استطاعت أن تجعل منه بحيرة إسلامية بعد أن استفاد المسلمون من خبرتهم ما قبل الإسلام في الأمور البحرية، والتي زاد منها تأسيس أول أسطول بحري في عهد الخليفة الراشد سيدنا عثمان بن عفان.

لم تكن هناك أية إرادة دولية للبلدان المطلة على البحر الأحمر في أن تستخدم نفوذها لتحقيق أية مكاسب سياسية دولية نظرا لهذا الموقع الاستراتيجي، وبقي الاستخدام الوحيد لهذه الميزة الجغرافية الفريدة هو تعبير الدول عن حماية حرية الملاحة الدولية في البحر الأحمر كنوع من تقديم أوراق اعتماد لدى القوى الكبرى والمؤسسات الدولية. 
التفكير الغربي في مصير باب المندب لن ينفصل عن تفكيره في مصير قناة السويس، وذلك لأن الأمر أكثر ارتباطا بالحاضر منه بالتاريخ. ولهذا فإن الهجمات الأمريكية والبريطانية على جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن تحمل تفكيرا سياسيا جديدا في التعامل مع هذين المنفذين؛ لأن المعادلة السياسية الإقليمية القديمة يبدو أنها تغيرت الآن وتحتاج إلى تعامل مختلف
كان هذا حتى أتت عمليات جماعة أنصار الله الحوثية ضد السفن التي لديها تعامل مع إسرائيل لتقلب هذه المعادلة.

يختلف الوضع الراهن عن مشكلة القراصنة في الصومال قديما، وذلك لأن هذه المشكلة كانت مرتبطة بغياب شبه كامل للدولة في الصومال وغياب أي تسيس لعمليات القرصنة، ناهيك عن عدم ارتباط الفاعلين الأساسيين في الصومال آنذاك بقوى كبرى مثل ارتباط جماعة أنصار الله الحوثية بإيران، بالإضافة إلى أن الاحتلال الإنجليزي لمصر ولليمن كان في جزء كبير منه هو محاولة السيطرة على هذين المنفذين البحريين المهمين واللذين لا يزالان يحملان أهمية كبيرة في حركة الشحن والتجارة الدولية.،

إن التفكير الغربي في مصير باب المندب لن ينفصل عن تفكيره في مصير قناة السويس، وذلك لأن الأمر أكثر ارتباطا بالحاضر منه بالتاريخ. ولهذا فإن الهجمات الأمريكية والبريطانية على جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن تحمل تفكيرا سياسيا جديدا في التعامل مع هذين المنفذين؛ لأن المعادلة السياسية الإقليمية القديمة يبدو أنها تغيرت الآن وتحتاج إلى تعامل مختلف. ولا يتعلق الأمر باحتلال مباشر على النهج القديم، ولكنه يفرض إعادة التفكير في المخاطر الجيوسياسية في هذين الملفين واحتمالات إفلاتهما من الوضع القائم المسالم والدخول على خط المواجهة والضغط، وهو ما لا تسمح به القوى الكبرى التي تملك نفوذا على معظم دول البحر الأحمر.

twitter.com/HanyBeshr
التعليقات (0)