كتاب عربي 21

أَشْقَاهَا على ظهر الكعبة

1300x600
بالأمس، ارتقى ابن سلمان ظهر الكعبة، وليس سطح القمر مثل أرمسترونغ، أو يوري غاغارين، واعتلى آيات القرآن المطرّزة بالذهب على كسوة الكعبة، إنه كان من المسرفين. لم نسمع بحاخام يهودي ارتقى "حائط المبكى"، مع أن "حائط المبكى" بدعة إسرائيلية حديثة العهد، لم توجد في كتاب من كتب اليهود، الغرض منه سياسي، وليست مثل أقدم بيت في الأرض.

كذبت ثمود بالنذر.

صعد ولي العهد إلى قبلة المسلمين من غير مركبة فضائية. لم يرتقِ الكعبة سوى مؤذن الرسول عليه الصلاة والسلام، ولم يرتقها ولي العهد حافيا، إكراما للكعبة، ولمشاعر مليار مسلم. أطلق روّاد التواصل الاجتماعي على زيارته الحرم اسم "زيارة الفجر"، التي ذكّرتنا بكبسات المخابرات على بيوت الآمنين. ما ذكر من أسباب ذلك "النشوء والارتقاء" إنه كان يتابع مشروعات "العلا" وتوسعة الحرم، ونعلم يقينا أن ارتقاء الحرم لا يمنح إطلالة أفضل وأعلى بصريا، فهو ليس مهندسا، فالعمارات حول الكعبة أعلى منها. وكانت الكعبة قبل نصف قرن هي أعلى بنيان في مكة، لا يعلوها شيء إكراما لبيت الله العتيق، وإنما سمي البيت العتيق بالكعبة لأن الله أعتقها من الجبابرة، فلا يتجبرون فيها إذا طافوا. وكان البيت يدعى قادسا، ويدعى ناذرا، ويدعى القرية القديمة.

ويخشى كثيرون أن البيت العتيق أسير، ولم يعد عتيقا. وكانت التوسعة قد ذهبت بأرواح مئات المسلمين الطائفين الركع السجود في الحرم لقلة وسائل الأمن والسلامة. كما درست كل الآثار النبوية وأقامت مكان بعضها مرافق عامة ومراحيض. القاعدة تقول أن الطغاة يخافون من الذكريات.

كذبت عاد بالنذر.

ولي العهد ليس بنّاء، أو مصلح ميازيب، ولم يصعد من أجل الكسوة. والبيت العتيق ليس فيه هندسة أو عمارة، هو أبسط بيت على الأرض، وقد حرَمَ في تلك الساعة التي أخلي له الصحن؛ آلاف المسلمين من الطواف والركوع والسجود. ويمكن عطف فعلته غير الحميدة، التي يرى فيها كثيرون نذيرا، على مهرجان طنطورة في مدائن صالح، التي تقول الأخبار إنه ينوي تحويل هذه المدائن إلى مدينة سياحية، تدرُّ المال على الفقراء، كما تقول الآراء المدافعة عن رؤية 2030. والسعودية تعوم على ذهب أسود لم ينتفع به الفقراء كما ينبغي، فالمدن السعودية تغرق في بخة مطر. قال عبد الله بن صادق دحلان، عضو منتدى جدة الاقتصادي الثالث عشر: "60 في المئة من سكان المملكة لا يملكون منازل، رغم نسبة النمو الاقتصادي الكبير الذي تعيشه البلاد، وأشار إلى أن هذه النسبة مرشحة أن ترتفع إلى 80 في المئة في حال عدم وجود مشاكل مبتكرة تنجح في احتواء الشباب الطامحين في تكوين أسر جديدة".

تقول آراء المعارضين إن الغرض من سياحة المدائن هو منافسة السياحة الدينية في الحرم، وتحويل القبلة. ستكون هناك سياحة غير دينية، هي دينية ولكن بالمعنى المقلوب. مهرجان طنطورة هو مهرجان النكاية بالحديث الشريف الصحيح، الذي ورد فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم، لا يصيبكم ما أصابهم". وكان هذا النهي منه، لما مرَّ مع أصحابه بالحجر ديار ثمود في حال توجههم إلى تبوك. وقد ثبت أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بإلقاء العجين وإهراق الماء الذي استقوه من تلك الأرض؛ إلا ما استقوه من بئر الناقة.

لقد ارتقى الرجل مرتقى صعبا..

ولم يكن وحده، اصطحب معه بعض الأمراء، والطبّال الذي قال: السعودية والولايات المتحدة قطبا هذا العالم في التأثير، ويقودان العالم والإنسانية إلى مرافئ الأمن والسلام والاستقرار والازدهار. ولم يفعل مثل بقية المسلمين، فقد أخلي له صحن البيت الحرام، وانكب دقائق على الحجر الأسود. لعله أراد أن يقول إنه سيد المسلمين، ويستطيع أن يرتقي قبلة المسلمين، وأن الارتقاء يجعله طاهرا مطهرا من كل إثم، فازداد إثما. ويمكن أن نتذكر من التاريخ هارون الرشيد عندما سافر إلى المدينة المنورة وذهب إلى المسجد النبوي الشريف، فرأى الإمام مالك يُدَرِس العلم، فقال للإمام مالك: يا مالك ما ضرّ لو جئتنا لتدرس العلم لنا في بيتنا؟

فقال له الإمام مالك: يا هارون إنَّ العلم لا يأتي، إنما يؤتى إليه.

فقال له: صدقت يا إمام دار الهجرة، وسوف آتي إليك في المسجد.

فقال له الإمام مالك: يا هارون، إذا جئتنا متأخرا، فلن أسمح لك بتخطي رقاب الناس في المسجد!

فقال له هارون الرشيد: سمعا وطاعة!

وبينما كان الإمام مالك يلقى درسا بعد صلاة العصر دخل هارون الرشيد المسجد ودخل معه رجاله ووضعوا له كرسيا، فنظر الإمام مالك إلى هارون الرشيد، فوجده جالسا على الكرسي في المسجد، فغير مجرى الحديث وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تواضع لله رفعه ومن تكبر وضعه الله"..

ففهم هارون الرشيد المعنى وأمر برفع الكرسي من تحته، وجلس على الأرض كما يجلس سائر المسلمين.

إذا أحسنا الظن بولي العهد الذي تأتي الأخبار إنه ذاهب إلى تل أبيب، ليس ليواجه الروم، بل من أجل صفقة القرن.

أراد أن يكحلها فعماها..

يمكن أن نتذكر إجلال العلماء لبيت الله وأقدم بيت في الكعبة ومدينة رسول الله عليه الصلاة والسلام.

الإمام مالك من أكثر الناس توقيرا له صلى الله عليه وسلم وتقديرا، حتى أنه حلف وأقسم بالله لا يركب دابة في المدينة أبدا، يقول: مدينة فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم مدفون، لا أركب دابة أبدا. وكان إذا قرب من المسجد يرفع حذاءه ويمشي حافيا. وكثير من العلماء إذا هبطوا في المدينة أو نزلوا المدينة، رفعوا الأحذية من أقدامهم ومشوا حفاة ومنهم بعض المحدثين: كـابن إدريس العراقي، كان يبكي إذا نزل المدينة ويقول:

أمر على الديار ديار ليلى ... أقبل ذا الجدار وذا الجدارا

وما حب الديار شغفن قلبي ... ولكن حب من سكن الديارا

الآيات والنذر تترى: انكشاف أستار الكعبة التي رأى فيها ابن كثير نذيرا لزوال دولة بني العباس، ومسابقة الزمن من أجل التطبيع، واعتبار المغامسي إسحاق ذبيح الله وليس إسماعيل، واستيراد عاملات روسيات (مع غمزة فيس بوكية) للعمل في مدائن صالح كنادلات يقدمن الرفاهية غير الكحولية، والبلوت، وطنطورة، واستيراد ثيران اسبانية، والمصارعة حرام في الشريعة، سواء تصارعت الثيران مع الثيران أو مع البشر، في الشام أو في مكة أو جدة. دم الثور وكرامته محفوظة في الشريعة.

فائدة ختامية: في زيارة شخصية إلى مصانع أوبل للسيارات، عطوت، فلمست إحدى السيارات لجسِّ قوة صفيحها، وعمرها يعود إلى أقل من قرن، فانقض عليّ مراقب، ورفع البطاقة الصفراء، وحذرني من لمسها مرة ثانية.

الكعبة أقدم بيت في الأرض، وسلمان الذي اشترى لوحة المخلص، واليخت، ويتحدث عن فريق مانشستر يونايتد، يدوس عليه، ويخشى أن يبيعها الثور بثمن بخس.

فالثور غاضب وعطشان إلى التحديث ومراضاة أولياء أمره، وينطح كل شيء في طريقه حتى القبلة. القبلة من أسمائها: الحاطمة؛ لأنها تحطم من استخف بها، والباسّة تبسّهم بسّا، أي تخرجهم إخراجا إذا غشموا وظلموا.

قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين.