كتب

تونس.. كتاب لآسيا العتروس عن إعلام الثورة وثورة الإعلام 1من2

إعلامية تونسية تتحدث عن واقع ومستقبل الإعلام في بلادها بعد الثورة (عربي21)

الكتاب: "عاشقة في رحاب صاحبة الجلالة ثورة الإعلام وإعلام الثورة"
المؤلف: آسيا العتروس
دار النشر: دار تبر الزمان ـ تونس 2018

عن دار تبر الزمان صدر نهاية العام الماضي كتاب "عاشقة في رحاب صاحبة الجلالة ثورة الإعلام وإعلام الثورة". وقال في ذلك السفير السابق عبد الحفيظ الهرقام خلال تقديم الكتاب في مركز جامعة الدول العربية بالعاصمة التونسية: "لأنّنا أُمَّة لا نقرأ ولا نكتب إلا بمقدار، فكلّ إصدار جديد يعدّ حدثا وجب الاحتفاء به وتوجيه الثناء والتقدير إلى من تحدّى العراقيل والصعاب وتعلّقت همّته بكسر جدار الجمود الفكري الذي أصاب قطاعات واسعة من مجتمعاتنا، بما في ذلك الفئات المتعلّمة، وذلك لنشر الكلمة الحرّة الهادفة، مساهمةً في رفع درجة الوعي بالقضايا الحارقة وإثراء الحوار بشأنها وطرح الرؤى والبدائل لمعالجتها". 

 

الثورة والحريات الإعلامية


والكتاب الذي تضمن 294 صفحة قدم له الامين العام الاسبق لجامعة الدول العربية الشاذلي القليبي في تحيّة خصّها بها بمناسبة صدور هذا المؤلَّف متحدثا عن آسيا العتروس انها "من الأقلام النسائية اللامعة التي تمتاز باختيار المواضيع الحيّة، تطرقها بدقّة، وتستخلص منها العديد من العبر، شأنَها الدائم أن تُقـدم على معالجة القضايا التي غيرها في غفلة عنها أو في احتراز منها. وأنظارها تشمل ما يهمّ بلادها، ولكن أيضا ما يتعلّق بمجتمعات عربية، عامّة، أو بدول لها، في قضايا عربية، ضلع فيها: تتناول هذه وتلك برصانة العقل، متنكِّبة للشعارات الرائجة". 

يتطرق الكتاب من خلال مختلف الفصول التي تضمنها إلى قضية الإعلام وإشكالاتها بعد ثورة 17 كانون أول (ديسمبر) 14 كانون ثاني (يناير) 2011 في سياق ما توفّر بفضلها من مناخ غير مسبوق من الحريّة والديمقراطية، و قد تناول بجرأة وعمق وتوسّع في المشهد الاعلامي.

ولعلّ ما لاحظَته صاحبة الكتاب من قصور في الاهتمام بالمسألة هو الذي دفعها إلى إنجاز هذا العمل الذي وضّحت الغاية منه بقولها: "إنّه في زحمة العناوين المتنافسة على رصد أحداث الثورة وقراءة ما يمكن أن تحمله في طيّاتها من تحوّلات آنية ومستقبلية لم نشهد ما يمكن اعتباره عنوانا جامعا شاملا يهتمّ بمشاغل أهل القطاع، أو يعكس اهتماما جديًّا بمهنة المتاعب".

 

إقرأ : حرية الإعلام في تونس

ورغم أهمية كلّ العناوين الصادرة بعد الثورة، فإنّه لم يكن بينها عنوان صادر من عمق المشهد الإعلامي ليشهد عمّا يحدث خلف الكواليس من انتهاكات وممارسات معيّنة أو ينقل المعاناة اليومية الحقيقة للإعلاميين في معركتهم المستمرّة من أجل الحريّة والكرامة". (ص 173). لذلك يمكن اعتبار الكتاب محاولةً جادّة لسدّ فراغ في تسليط الضوء على واقع الإعلام التونسي بعد الثورة وإشكالات إصلاحه وللبحث في الدور الذي يُفترض أن تتعهّد به السلطة الرابعة باعتبارها سلطة أخلاقية ومعنوية في تعزيز أركان ديمقراطية ناشئة وتحصينها من مخاطر التراجع والانهيار.  

كما يعتبر الكتاب انتصارا للإرادة على الشعور بالمرارة والإحباط، إذ تخبرنا الكاتبة أنّ "هذا العمل الذي استوجب أيّاما طويلة من التقييم والتشخيص والرصد وتدوين الشهادات والانطباعات والتحوّلات والارتدادات التي رافقت المشهد الإعلامي" في تونس "كان على وشك الإنجاز قبل أن يتدخّل سوء الحظّ ويتبخّر الجزء الأكبر منه مرّة أولى ثمّ مرّة ثانية بسبب لعنة التكنولوجيات الحديثة وخطإ غير مقصود أزال أثناء النقر على لوحة الكتابة" ما دوّنته "فحوّلته إلى أثر بعد عين". (ص 36) غير أنّها تمرّدت على ذاتها وعلى مشاعر الإحباط فيها بعد أن كانت على وشك الانصراف عمّا جمعته من أوراق وأفكار وتدوينات مشتّتة وشهادات عبثت بها التكنولوجيا الحديثة لتعود إلى ترتيبها وتوظيبها (ص 122). 

 

صرح إعلامي مهدد بالإندثار


وخلافا لما قد يوحي به عنوان الكتاب فقد راوحت المؤلفة فيه بين السرد التاريخي لمسيرة دار الصباح، هذا الصرح الإعلامي المهدّد بالاندثار، ورسم ملامح الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في تونس منذ 14 كانون ثاني (يناير) 2011 ودور وسائل الإعلام في التبصير بتحدياته وتوصيف المشهد الإعلامي التونسي بمختلف مواطن الوهن وبؤر الأمل فيه والتأمّل في جملة من المسائل تخصّ الإعلام في تونس وفِي العالم العربي ومنها بالخصوص وضع الصحافة الورقية في ظلّ المنافسة المحتدمة للصحافة الإلكترونية والعلاقة ببن الإعلام والديمقراطية ومكانة المرأة في المؤسسات الإعلامية. وبذلك سلكت آسيا العتروس في كتابها مسلك المؤرّخة والآسية لعلل الإعلام التونسي والمفكّرة في قضايا الإعلام والاتّصال في الآن ذاته.   

التأريخ لمسيرة دار الصباح  

من بوابة توصيف المشهد الإعلامي وتحليل أسباب تردّيه تأخذ الكاتبة القارئ في رحلة عبر ثنايا ذاكرة الصحافة التونسية ليستكشف حكاية جريدة الصباح ومسيرتها طيلة 67 سنة بنجاحاتها وإخفاقاتها، بانتصاراتها وانكساراتها فتذكّر بظروف تأسيسها ودوافعه في ظرف تاريخي كانت فيه الحركة الوطنية بقيادة الحزب الحرّ الدستوري في أمسّ الحاجة إلى منبر إعلامي يبلّغ صوتها إلى الجماهير وإلى السلطات الاستعمارية في الآن نفسه، بأسلوب نافذ رشيق وهي تعي دور الصحافة الخطير في التعريف بمواقفها وتوجّهاتها وفِي الردّ على ذرائع فرنسا وسياستها القائمة على المماطلة والمراوغة تجاه القضية التونسية، وذلك أشهرا قليلة قبل اندلاع المعركة الحاسمة من أجل المطالبة بالاستقلال. لذلك سيكون الحزب وراء جزء من تمويل ودعم هذه الصحيفة التي كان الزعيم الوطني والنقابي فرحات حشّاد صاحب فكرة تأسيسها حتّى تصير سندا للبلاد في معركة التحرير. 

 

"الصباح" ذاكرة وطنية وإرث مشترك وهي أيضا كتاب مفتوح وقصّة نجاح وملحمة نضالية مشتركة ارتبطت بمعركة شعب أحبّ الحياة واستبسل من أجل الحريّة والكرامة والسيادة الوطنية


وبنفس ملحمي أحيانا تسرد آسيا العتروس قصّة هذه الصحيفة التي هي في نظرها أكثر من مجرّد عنوان بل هي "ذاكرة وطنية وإرث مشترك وهي أيضا كتاب مفتوح وقصّة نجاح وملحمة نضالية مشتركة ارتبطت بمعركة شعب أحبّ الحياة واستبسل من أجل الحريّة والكرامة والسيادة الوطنية" (ص47). واستنادا إلى مراجع وشهادات تروي الكاتبة قصّة الحبيب شيخ روحه الذي لم يكن اختياره لإصدار الصحيفة "أمرا اعتباطيا أو نابعا من فراغ. فالفقيد الحبيب شيخ روحه الذي سيُصبِح مؤسس الصباح والذي سينجح في الاستثمار في الحلم الذي رافقه مبكرا، لم يُعرف عنه أنّه من الكتّاب أو النقّاد أو الشعراء أو الأدباء أو الإعلاميين الذين اشتهروا في البلاد في تلك المرحلة ولكنه عُرف كتاجر كانت له علاقات واسعة ومتينة مع أهل الأدب والفكر والمسرح، لا سيّما جماعة تحت السور الذين كان يتردّد عليهم ويقتحم مجالسهم ويتعرّف على أصحاب المواهب بينهم، لا سيّما الهادي العبيدي الذي سيتولّى رئاسة تحرير الصباح لاحقا وسيتحوّل إلى أسطورة الإعلام التونسي"، (ص52). 

ولتقديم هذا العلم الفذّ تعود بنا آسيا العتروس إلى بداياته في عالم الصحافة بعد أن انتدبه الصحفي محمد الجعايبي وهو في سنّ السادسة عشرة وإلى أجواء الثلاثينات والأربعينيات من القرن الماضي عندما كانت جماعة تونس السور تضطلع بدور مهمّ في تطوير المشهد الإعلامي والثقافي والأدبي وتطوير المشهد السياسي (ص 71 وص 72). 

 

إقرأ أيضا: تجدد المخاوف من محاولات "تركيع الإعلام" في تونس بعد الثورة