كتب

الطرح الفيدرالي ليس خيارا إجماعيا بين أكراد سوريا

المعارضة السورية بشكل عام ضد مشروع الفيدرالية الذي يطرحه الحزب الديمقراطي الكردي (جيتي)

الكتاب: الأكراد في العالم تاريخهم ومستقبلهم الجزء الأول
الكاتب: د.عايدة العلي سري الدين
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون ـ تشرين الأول (أكتوبر) 2018
عدد الصفحات: 471 من القطع الكبير
 
شكَّل حزب الاتحاد الديموقراطي (ذراع حزب العمال الكردستاني التركي)، في 19 كانون الأول/ديسمبر 2011، مجلس شعب غربي كردستان، وهو مؤسسة سياسية، وخدمية كانت تتألف من (359) شخصًا، وبدأ هذا المجلس بتأسيس مجالس فرعية له في المدن الكردية، وأصبح يدير المؤسسات الخدمية في معظم المناطق الكردية، مع وجود النظام السوري متفرجًا، فكانت إدارة المخابز ومحطات المحروقات، في وقت بدأت فيه أزمة هذه المواد بالظهور، من النقاط التي استفاد منها المجلس الجديد لزيادة شعبيته، وجماهيره، وترجيح كفته على منافسيه بفضل توفيره المواد الأساسية للسكان. 

 

مجلس شعب غربي كردستان

ومع تشكيل مجلس شعب غربي كردستان، كان الحزب يهيء الأرضية المناسبة لإعلان إدارة خاضعة لسيطرته في المناطق الكردية، فيما سمَّاه بثورة 19 تموز/يوليو2012، وهو التاريخ الذي سيطر فيه الحزب على جميع مؤسسات مدينة "كوباني" عين العرب وبعض المؤسسات في عفرين والجزيرة، ومنذ ذلك التاريخ بدأ الحزب بالسيطرة ـ دون اشتباكات مع قوات النظام ـ على معظم المراكز المدنية والخدمية، والأمنية في مناطق (الجزيرة، كوباني/عين العرب، عفرين)، وبعد استكمال السيطرة على معظم تلك المؤسسات، باستثناء بعض الأحياء في مدينتي القامشلي والحسكة، أعلن الحزب في شهر تشرين الثاني /نوفمبر من عام 2013 عن تأسيسه لإدارة ذاتية سمَّاها بـ"الإدارة الذاتية الديمقراطية".

وفي كانون الثاني /ينايرمن عام 2014، أي بعد شهرين أعلن الحزب عن تقسيم المناطق الكردية في سوريا إلى (3) كانتونات/مقاطعات ولكل منها مجلس تشريعي، وتنفيذي خاص بها، وجاء ذلك متزامنًا مع مؤتمر جنيف2، الذي عُقد في 22 يناير/كانون الثاني 2014، ومع إعلان المجلس الوطني الكردي الانضمام إلى الائتلاف الوطني لقوى المعارضة السورية. 

 

الحزب يعلم أن مشروعه في الإدارة الذاتية مطبوع بطابع القومية الكردية، مهما حاول القول بأن مشروعه سوري وطني وليس قوميًّا


لعل هذه الخطوة كانت الأكبر للحزب منذ بداية الأزمة السورية من حيث درجة السيطرة الفعلية على المناطق الكردية في سوريا وإدارتها. وتمكَّن الحزب من النجاح في إعلان الإدارة الذاتية؛ لأن النظام السوري، والذي كان صاحب القوة الحقيقية في تلك المناطق آنذاك، لم يعترض على خطوته هذه ولم يسبِّب له المشاكل مما زاد في قوته وأسهم في نجاح مشروعه في الإدارة الذاتية أكثر. 

كان الحزب يعلم أن مشروعه في الإدارة الذاتية مطبوع بطابع القومية الكردية، مهما حاول القول بأن مشروعه سوري وطني وليس قوميًّا، لذلك حاول كثيرًا أن يُبعد هذه النظرة عنه وعن مشاريعه، فكانت الخطوة الأخرى تأسيسه لـمجلس سوريا الديمقراطية، في 9 كانون الأول/ديسمبر 2015، والمكون من شخصيات وأحزاب كردية وعربية بمن فيهم هيثم المناع آنذاك ممثلًا بـ(تيار الحنطة)، ولكنه انسحب منه بعد إعلان مشروع الفيدرالية في آذار/مارس 2016. 

 

مجلس سوريا الديمقراطية

مجلس سوريا الديمقراطية جاء متزامنًا تمامًا مع مؤتمر الرياض الأول للمعارضة السورية لتشكيل وفد للتفاوض مع النظام، والذي لم تتم دعوة حزب الاتحاد الديمقراطي إليه، وكذلك جاء بعد وقت ليس ببعيد من تأسيس "قوات سوريا الديمقراطية" بدعم أمريكي ودولي، وسرعان ما أعلنت قوات سوريا الديمقراطية تبني مجلس سوريا الديمقراطية كمظلة سياسية لها.

كان الحزب يحاول منذ تأسيسه لهذا المجلس المشاركة في المؤتمرات الدولية والمحلية بصفته معارضة سورية، وليس تنظيمًا كرديًّا، وكذلك للتقرب أكثر من العرب واستقطابهم نحوه، ولكن حتى اليوم لم ينجح المجلس في المشاركة في أي مؤتمرات دولية بخصوص سوريا ـ باستثناء المؤتمرات التي تُعقَد عن طريق روسيا ـ ويتم التعامل معه على أنه تابع لحزب الاتحاد الديمقراطي، والسبب الرئيسي وراء ذلك هو أن قيادة المجلس الفعلية بيد حزب الاتحاد الديمقراطي، فرئيسة المجلس، إلهام أحمد، هي عضوة حزب الاتحاد الديمقراطي، وعضوة الهيئة التنفيذية لحركة المجتمع الديمقراطي TEV-DEM، ولكن قد يلعب المجلس دورًا فاعلًا في المستقبل وذلك بفعل التحالفات الدولية والإقليمية والمحلية التي خلقها حزب الاتحاد الديمقراطي، والإصرار الروسي على إشراكه في المؤتمرات. 

 

الخطوة الأكبر والأكثر جدلًا لحزب الاتحاد الديمقراطي هي إعلان مشروع الفيدرالية، في 16-17 آذار/مارس 2016


تبقى الخطوة الأكبر والأكثر جدلًا لحزب الاتحاد الديمقراطي هي إعلان مشروع الفيدرالية، في 16-17 آذار/مارس 2016، خلال اجتماع عُقد في مدينة (الرميلان) بمحافظة الحسكة بمشاركة 200 شخصية تمثِّل نفسها، أو تمثل أحزابًا مقربة من الاتحاد الديمقراطي، ومجالس محلية في مدن خاضعة لسيطرة وحدات حماية الشعب، ولنفس السبب الذي جعل الحزب يؤسِّس مجلس سوريا الديمقراطية، قرَّر في المؤتمر الثاني بخصوص مشروع الفيدرالية، الذي انعقد بتاريخ 27 كانون الأول/ديسمبر 2016، إلغاء اسم (روج آفا) من اسم مشروعه في الفيدرالية وتم تغييره إلى (النظام الاتحادي الديمقراطي لشمال سوريا)، وأهم الأسباب التي كانت وراء حذف اسم (روج آفا): 

ـ رغبة الحزب في استمالة المناطق ذات الغالبية العربية للمشاركة في المشروع، والتي كانت تتوجس من اسم (روج آفا) وتعتبره اسمًا يعبِّر عن رغبة الحزب في التقسيم.

ـ كسب الدعم الدولي الذي يرفض حتى اليوم موضوع تقسيم سوريا، وخاصةً تركيا. 

إضافة إلى ما ذُكِر من مكاسب، فقد تمكَّن أيضًا من استغلال سيطرته على المناطق الكردية لزيادة عدد جماهيره وقاعدته الشعبية، والتي استخدم الحزب لكسبها الكثير من الوسائل (المشروعة وغير المشروعة) بدءًا من المئات من الاجتماعات السنوية التي ينظمها الحزب، واستغلال الإعلام، والإغراءات المادية (عن طريق الوظائف في مؤسسات الإدارة الذاتية وغيرها)، وتفضيل أتباعه على غيرهم في تقديم الخدمات، حتى بات الحزب عندما يريد أن ينظم تجمعًا جماهيريًّا أو مظاهرةً يكفيه فقط دعوة هؤلاء الذين يريدون الحفاظ على مكتسباتهم الشخصية لتمتلئ ساحاته وقاعات اجتماعاته. 

ولكن لم ينجح حزب الاتحاد الديمقراطي حتى اليوم في استمالة العرب لصفه على الرغم من العديد من الخطوات التقريبية نحوهم، تأسيس مجلس سوريا الديمقراطية، وإلغاء مصطلح روج آفا، وما زال هناك توجس وعدم ثقة في أهداف الحزب ومشاريعه المستقبلية، في ضوء انتشار صور أوجلان، ورموز الحزب وأعلامه في جميع المؤسسات والشوارع في مناطق الغالبية العربية، وكذلك السيطرة الواضحة لكوادر حزب العمال الكردستاني على الحزب وعلى مناطق سيطرته ـ عربية وكردية ـ مما يجعل العنصر العربي خائفًا ومتوجسًا من المستقبل وإن لم يصرِّح بذلك حاليًّا نتيجة وجود معركة مصيرية ضد تنظيم الدولة، ولكن لن يكون في المستقبل صامتًا كما اليوم في تلك المناطق.

 

لم ينجح حزب الاتحاد الديمقراطي حتى اليوم في استمالة العرب لصفه على الرغم من العديد من الخطوات التقريبية نحوهم


وكانت الإدارة التي يقودها الأكراد حددت في نهاية تموز /يوليو2017 الفترة بين أواخر الصيف وكانون الثاني /يناير2018 لإجراء انتخابات مجلس محلي وبرلمان إقليمي، في خطوة تهدف على ما يبدو لتعزيز حكمها الذاتي المتنامي. 

ووصف نائب وزير الخارجية السوري الدكتور فيصل المقداد اعتزام الإدارة الكردية في شمال سوريا تنظيم انتخابات بقوله: إنّ "الانتخابات ستكون مزحة، وسوريا لن تسمح أبداً بانفصال أي جزء من أراضيها".

وقال المقدادفي مقابلة مع "رويترز" و"هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي) في دمشق يوم الأحد 16آب/أغسطس2017، إنّ من "يتحرك في اتجاه أي شكل من أشكال تقسيم سوريا يعرف الثمن الذي سيدفعه".

وأضاف: "نعتقد أن المواطنين السوريين في شمال سوريا لن يعرضوا الوضع للخطر في البلاد، أو يتحركوا في اتجاه أي شكل من أشكال تقسيم سوريا. من سيتحركون في تلك الاتجاهات يعرفون الثمن الذي سيدفعونه".

وتقف المعارضة السورية بشكل عام ضد مشروع الفيدرالية الذي يطرحه الحزب الديمقراطي الكردي، وهاهو قدري جميل، رئيس حزب الإرادة الشعبية للتغيير، ورئيس منصة موسكو للمعارضة السورية، يرى أن خصائص المجتمع السوري لا تسمح باعتماد الفيديرالية، إذا أرادت البلاد الحفاظ على وحدتها. وأوضح جميل في حديث لقناة "رووداو" الكردية يوم الجمعة 27 تشرين الأول /أكتوبر 2017، أنّ "الفيديرالية هي طرح طرف من الأطراف في سوريا، وهناك قضايا مهمة في الجوهر بموضوع الفيديرالية ويجب أخذها في الاعتبار، ولكن يجب بحث هذا الموضوع مع كل السوريين، والشيء الأهم في نهاية المطاف هو أن سوريا ليست بلداً كبيراً، والتنوع فيها واسع جداً أكثر من العراق، وعليه كيف يمكن أن تتحمل سوريا الفيديرالية لكي تبقى موحدة؟".

وأضاف السياسي السوري: "إنّ الصيغة الأمثل التي يجب البحث عنها، تقع بين المركزية واللامركزية، وما كان سائداً إلى الآن كان مركزية مبالغاً بها، وهو ما أضر بالتطور والديمقراطية وسمح للفساد بالانتشار".

ومع ذلك، حذر جميل من أن "إضعاف سلطة المركز إلى الحد الأدنى يمكن أن يؤدي إلى تفتيت الدولة". وقال: "لدينا تصوراتنا حول الدستور الجديد، وهدفه عملياً هو أن سوريا دولة موحدة ديمقراطية تعددية، وأن تكون سلطة المركز فيها قوية، ولكي تكون قوية يجب أن تفوض صلاحيات واسعة للمناطق لإدارة ذاتها في أمورها المحلية، ولكن القضايا الكبرى المتعلقة بالدفاع والخارجية والأمن والسياسات الاقتصادية والمالية العامة يجب أن تكون مركزية"، على حد تعبيره.

 

إقرأ أيضا: نشأة ومسار التنظيمات الكردية.. العراق نموذجا

 

إقرأ أيضا: الأكراد مكون أساسي للنسيج المجتمعي والتاريخي السوري

إقرأ أيضا:  أكراد سوريا.. جدل الإحصاء وداعش والثورة ودور واشنطن