كتاب عربي 21

استهداف الإرادة الشعبية في إسطنبول

1300x600

أعلن حزب العدالة والتنمية في تركيا، أنه سيتقدم إلى اللجنة العليا للانتخابات بطلب إعادة إجراء الانتخابات المحلية في كافة أقضية إسطنبول، لوجود أدلة دامغة ووثائق تثبت حدوث خروقات وتجاوزات على نطاق واسع خلال عمليتي التصويت وفرز الأصوات. كما صرح رئيس حزب الحركة القومية، دولت باهتشلي، بأن الانتخابات المحلية يمكن إعادة إجرائها في محافظة إسطنبول، لطمأنة الشعب وتجنب الاضطرابات، مضيفا أن الطعن في النتائج حق ديمقراطي لجميع الأحزاب المشاركة في الانتخابات.

 

تزوير مُدبّر

الأدلة التي كشف عنها حزب العدالة والتنمية حتى الآن تشير بوضوح إلى أن عملية التلاعب والتزوير التي حدثت في الانتخابات المحلية بإسطنبول في 31 آذار (مارس) الماضي تم التخطيط لها مسبقا، من أجل تغيير النتائج لصالح مرشح حزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو والحيلولة دون تجلي الإرادة الشعبية.

 

هل الكيان الموازي ما زال يملك ذاك النفوذ الذي يمكنه من تزوير الانتخابات في إسطنبول، على الرغم من كل الجهود المبذولة لاجتثاث خلاياه من أجهزة الدولة منذ محاولة الانقلاب الفاشلة؟


الفارق بين إمام أوغلو ويلدريم تراجع من 30 ألف صوت إلى 14 ألف صوت، على الرغم من إعادة فرز حوالي 6 بالمائة من الأصوات في عموم محافظة إسطنبول. وهذا التراجع الذي يعترف به حزب الشعب الجمهوري يشير إلى حجم التزوير الذي تم من خلال توظيف عدد كبير من الأشخاص في اللجان الانتخابية بشكل غير قانوني، وتسجيل الأصوات التي حصل عليها مرشح حزب العدالة والتنمية في خانة مرشحين آخرين في المحاضر، ونقل آلاف الناخبين من مناطق أخرى إلى إحدى أقضية إسطنبول للتصويت فيها بوثائق مزورة على الرغم من أنهم لا يقيمون فيها. وإن كان الفارق تراجع في 6 بالمائة من الأصوات حوالي 16 ألف صوت فيا ترى كم صوتا يبلغ حجم التزوير إن تمت إعادة فرز جميع الأصوات في المحافظة؟!

 

سجل أسود

حزب الشعب الجمهوري يملك سجلا أسود مليئا بأمثلة تزوير الانتخابات. وفي الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 14 أيار (مايو) 1950، على سبيل المثال، حصل حزب الشعب الجمهوري في محافظة هكاري، جنوب شرق البلاد، على كافة الأصوات التي أدلي بها في جميع أنحاء المحافظة، وهي 12 ألفا و384 صوتا، فيما لم تحصل بقية الأحزاب المشاركة في الانتخابات على أي صوت، على الرغم من أن الحزب الديمقراطي برئاسة عدنان مندريس حصل في تلك الانتخابات على 53.5 من أصوات الناخبين في عموم البلاد.

هذه الشهرة السيئة تجعل حزب الشعب الجمهوري أحد المتهمين في قضية تزوير الانتخابات في محافظة إسطنبول، إلا أن هناك متهما آخر تشير إليه أصابع الاتهام، وهو الكيان الموازي، التنظيم السري لجماعة فتح الله غولن. ويرى عدد من المراقبين أن هذا النوع من عمليات التزوير والتلاعب لا يمكن أن يقوم به إلا الكيان الموازي المتغلغل في أجهزة الدولة، كما أن تصريحات قادة حزب العدالة والتنمية توحي بأن لديهم أدلة تشير إلى تورط التنظيم في عملية التزوير والتلاعب بنتائج الانتخابات.

الكيان الموازي

الرأي العام التركي يبحث الآن عن جواب لهذا السؤال الذي يطرح نفسه: "هل الكيان الموازي ما زال يملك ذاك النفوذ الذي يمكنه من تزوير الانتخابات في إسطنبول، على الرغم من كل الجهود المبذولة لاجتثاث خلاياه من أجهزة الدولة منذ محاولة الانقلاب الفاشلة؟". لأن وجود خلايا نائمة للكيان الموازي قادرة على القيام بمثل هذه العمليات يعني أن خطر التنظيم السري لم يزل بعد.

 

الخروقات والتجاوزات التي حدثت في الانتخابات المحلية بهذا الحجم كشفت عن مكامن الخلل ونقاط الضعف للنظام الانتخابي التركي

 
الظاهر أن الكيان الموازي له يد في ما جرى في الانتخابات المحلية بإسطنبول، ولكنه لم يكن وحده، بل العملية كانت مدبرة من قبل "عقل" نجح في جمع أطراف عديدة وتوجيهها نحو هدف مشترك، وهو خسارة حزب العدالة والتنمية في أكبر محافظة تركية من حيث عدد السكان. وقد يبدو هذا تحليلا نابعا من عقلية مؤامراتية، إلا أن الصورة التي بدأت ملامحها تتضح أكثر فأكثر، تؤكد أن الانتخابات المحلية في إسطنبول تعرضت بالفعل لمؤامرة حيكت خيوطها بليل.

خلل في النظام الانتخابي

الخروقات والتجاوزات التي حدثت في الانتخابات المحلية بهذا الحجم كشفت عن مكامن الخلل ونقاط الضعف للنظام الانتخابي التركي. ولذلك، فإن حدوثها الآن في الانتخابات المحلية، بدلا من الانتخابات البرلمانية والرئاسية، رحمة من الله وفرصة لسد الثغرات. لأننا لو افترضنا أن الأخطاء المقصودة وغير المقصودة لن يتم تصحيحها، فإن المرشح المنتخب بفضل التزوير والتلاعب، لن يحكم البلاد، ولن يرسم سياستها الخارجية وبرامجها الاقتصادية. 

ما شهدته إسطنبول في الانتخابات المحلية يمنح تركيا فرصة القبض على من استهدف إرادة سكان إسطنبول ومعاقبته. ولا تكفي إعادة فرز الأصوات أو إعادة إجراء الانتخابات في المحافظة، بل لا بد من تحقيق شامل وكشف المتورطين في جريمة التلاعب والتزوير ومحاسبتهم في المحاكم، بالإضافة إلى اتخاذ جميع التدابير الممكنة لتعزيز النزاهة والشفافية كي لا تتكرر ذات العملية في الانتخابات القادمة.

 

كاتب تركي