أفكَار

الأحزاب الإسلامية.. هل خدمت الثورات العربية أم خذلتها؟

تحالفت قوى مناهضة للإسلاميين مع العسكر لإبعادهم عن الساحة السياسية- أرشيفية

انتقد رئيس حزب الأمة الكويتي، الدكتور حاكم المطيري، الدور الذي تقوم به الأحزاب السياسية الإسلامية بعد الثورات العربية، حيث تمثل دورها عبر تفاهماتها مع العسكر بالالتفاف على القوى الثورية لإخراجها من المشهد، ثم انفرد بها العسكر لإخراجها هي الأخرى من المشهد في نهاية المطاف.

وقال المطيري في منشور له على "فيسبوك"، الثلاثاء الماضي: "أزمة ليبيا كأزمة مصر واليمن وتونس، فقد قبل حزب العدالة والبناء في ليبيا باتفاق الصخيرات كما فرضه الغرب الذي يعتبره (الإسلام السياسي) الشرعية الدولية، وتفاهم الحزب مع حفتر على إخراج قوى الثورة المسلحة من المشهد، وبعد أن نفذ حفتر مهمته في شرق ليبيا قررت الثورة المضادة نقض تفاهم حفتر مع الحزب وإخراجه هو أيضا من المشهد".

وأضاف: "ولولا أن الثوار والمجاهدين في ليبيا ظلوا محافظين على سلاحهم مع حصار الجميع لهم لحل بهم ما حل في ساحات الثورة الأخرى، تماما كما حدث في المبادرة الخليجية في اليمن برعاية أمريكا التي قبلها الإصلاح حتى تم القضاء على الثورة وإعادة النظام الوظيفي من جديد، وفتح الطريق أمام الحوثي لدخول صنعاء".

وتابع المطيري: "وكما جرى من تفاهم في مصر بين حزب العدالة والحرية والعسكر برعاية أمريكية لاحتواء الثورة، حتى دافع شباب الحزب عن مبنى المجلس العسكري وأمن الدولة، ووزارة الداخلية وتصدوا للمظاهرات التي أرادت قلع النظام من جذوره، وهو ما جرى في تونس بين السبسي والنهضة برعاية فرنسية"، على حد قوله. 

 

من جهته رأى الكاتب والباحث السياسي المصري، محمد جلال القصاص أن "الدكتور المطيري تعجل فيما قرر، ولو تأمل وأعاد النظرة مرة بعد مرة لغير رأيه، فمن الخطأ تعميم قضية جزئية على مجمل الحالة، مع أن الجزئية - على الأقل في الحالة المصرية - ليست صحيحة في حد ذاتها".

وأوضح القصاص أنه كباحث في العلوم السياسية، فإن كلامه يقتصر على الحالة المصرية، وتحديدا على حزب (الحرية والعدالة)، التابع للإخوان المسلمين، وحزب (البناء والتنمية) التابع للجماعة الإسلامية، فما يقدمه رصد لمشهد جزئي في الساحة الثورية، وبالتالي لا يصلح كمقولة نظرية لتفسير سياق عام يتعلق بالمشاركة السياسية للإسلاميين، أحزابا وغير أحزاب، وربما كانت الإسلامية منها أقل تأثيرا، مع أن الشيخ حازم أبو إسماعيل، وهو فرد كان أكثر تأثيرا من الأحزاب مجتمعة".

ونفى القصاص في حديثه لـ"عربي21" أن "يكون إسلاميو مصر قد توافقوا مع العسكر على الالتفاف على القوى الثورية، لأنهم بنوا مواقفهم السياسية استنادا إلى قراءتهم للمشهد السياسي حينذاك، واتخذوا القرارات المناسبة وفقا لتلك القراءة".

ووصف القصاص "القوى الثورية الأخرى بأنها لم تكن بريئة، فبعد الثورة هرولت باتجاه العسكر، وتحالفت معهم لإقصاء الإسلاميين، وكذلك فعلت فصائل من الإسلاميين (حزب النور والجامية)، وظهر ذلك بوضوح في انقلاب العسكر، وقد تقدم مشهد الانقلاب بعض "القوى الثورية" وبعض الأحزاب الإسلامية، وأعانوا على ذبح الإسلاميين في رابعة والنهضة وغيرهما".

بدوره أبدى الباحث الإسلامي العراقي، فاروق الظفيري موافقته لما قاله المطيري، معللا ذلك بقوله: "إن غالب الأحزاب الإسلامية لا تجيد فنون الدهاء السياسي، ونظرا لضعفها فغالبا ما تجد نفسها مجبرة على التحالف مع الدولة العميقة التابعة للقوى الخارجية المتنفذة".

وأضاف لـ"عربي21": "لذا فإن تلك الأحزاب الإسلامية تقبل بالشيء اليسير من التمثيل السياسي، ظنا منها أنها ستقوى به في المستقبل، وهو في الحقيقة يكبلها بشروط ثقيلة تظهر مصائبه عليها فيما بعد".

وتابع: "وغالبا ما يعقب ذلك إجبارهم على التبعية، والقبول بالأمر الواقع حتى يفضي بهم الحال إلى أن يكونوا أداة بيد السلطة للحفاظ على أنفسهم، وهذا ما يجري بالضبط للأحزاب الإسلامية والوطنية في العراق وغيره، فقد أصبحت مجرد شاهد زور لتقوية حكم العسكر".

وفي السياق ذاته قال الباحث في التاريخ والحضارة الإسلامية، محمد إلهامي: "لا يوجد نظام عربي سمح لحركة إسلامية بالمشاركة في السلطة أو بدخول انتخابات شبه نزيهة إلا وهو يريد بذلك أن يمتص حالة الغضب الشعبية، ويستبق ثورة وشيكة الحدوث".

وواصل: "حينما ندرس تجارب الحركات الإسلامية فإننا نجدها دائما ما تقع في هذا الفخ"، مضيفا أنه "منذ اللحظة التي صرف فيها عبد القادر عودة الجماهير في 1954 وحتى تجربة بن كيران في المغرب، تستطيع أن ترى هذه اللحظة متكررة في سوريا والأردن والجزائر واليمن والعراق وتونس ومصر، لقد صرفت الحركة الإسلامية الجماهير قبل الثورة، أو عملت كمبرد ومخدر للثورة، ثم أعيدت في الغالب إلى السجون والمشانق، أو إلى موقع المعارضة المفلسة التي لا تملك شيئا".

وإجابة عن سؤال "عربي21" بشأن تفسيره لتكرار تلك الأخطاء، اعتبر الباحث المصري إلهامي المقيم في تركيا أن ذلك التكرار "يعبر عن خلل في العقل الجمعي للحركة الإسلامية ككل" مرجحا أن يكون "السبب الرئيسي هو غفلة الحركة الإسلامية عن دراسة العلوم الإنسانية والاجتماعية، وفي مقدمتها التاريخ والسياسة والإعلام والقيادة وعلم نفس الجماهير، فضلا عن العلوم الأمنية والعسكرية".

وشدد إلهامي في ختام حديثه على أن "الحركة الإسلامية ليست بديلا عن الأمة، والجماعات ليست بديلا عن الشعب، وأي محاولة لمواجهة الواقع بغير حماية الأمة والشعب محكوم عليها بالفشل، لذا فإن على الحركات والأحزاب الإسلامية أن تجيد مخاطبة الناس وقيادتهم وتثويرهم، واستثمار غضبهم وثورتهم (لا تبريدها وتخديرها)، وتطوير حركتهم، وهو ما لا يتحقق إلا بمعرفة الأخطاء المتكررة، ودراسة التاريخ والسياسية وعلم سيكولوجية الجماهير، ومختلف العلوم ذات الصلة".